The Sacred Books of the Jews and Their Influence in Their Deviation: Presentation and Critique
الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم عرض ونقد
Publisher
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
السنة الثالثة والثلاثون
Publication Year
العدد (١١١) ١٤٢١هـ ٢٠٠١م.
Genres
الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم عرض ونقد
تأليف
د. محمود عبد الرحمن قدح عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه دراسة موجزة عن موضوع (الأسفار المقدسة عند اليهود - عرض ونقد - وأثرها في انحرافهم) سرت فيها على خطى علمائنا المتقدمين- الذين قاموا بهدي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ببيان مواطن التحريف والتبديل في كتب أهل الكتاب - إقامة للحجة وإلزامًا للبينة ومجادلة بالتي هي أحسن - ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة - وتحذيرًا لإخواننا المسلمين من كيد أعدائنا. قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ..﴾ ١، لأن اليهود أعداء الحق والفضيلة والخير منذ ظهورهم قال تعالى: ﴿لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُون كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ ٢.
واليهود أعداؤنا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، فحينما بعث نبينا محمد ﷺ سارع اليهود إلى تكذيبه وإنكار رسالته مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم،
_________
١ سورة المائدة، آية ٨٢.
٢ سورة المائدة، آية ٧٨-٧٩.
1 / 313
بل قالوا لقريش عبدة الأصنام بأنهم أهدى سبيلًا من محمد ﷺ، وحاربوا النبي ﷺ بشتى الوسائل بالشبهات والشكوك والكيد والنفاق، والاغتيال والقتال والسحر والسم.
وهم أعداؤنا حاضرًا باحتلالهم أولى القبلتين ومسرى رسول الله ﷺ وثالث المساجد التي تشد الرِّحال إليها وقتلهم المسلمين وتشريدهم واحتلالهم ديارنا.
وأعداؤنا مستقبلًا فقد أخبرنا النبي ﷺ بأن المسيح الدجال سيتبعه عند خروجه سبعون ألفًا من يهود أصبهان، فهم جند الدجال وأعوانه، كما أخبرنا الصادق المصدوق ﷺ بأنه: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر -وراءه يهودي-: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" ١.
وهم أعداء السلام وأصحاب الفتن والخصام قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مّنْهُم مّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَارًا لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِين َ﴾ ٢.
وقد بينت في هذه الدراسة بعض الأسس والمرتكزات الدينية التي ينطلق منها اليهود في فسادهم وعداوتهم الفضيلة والناس جميعًا، وبذلك تتضح الرؤية في التعامل معهم والحذر والتحذير منهم.
وقسمت الدراسة إلى ثلاثة مباحث كالآتي:
_________
١ أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري ٦/١٠٣)، ومسلم ٤/٢٢٣٨،٢٢٣٩، عن أبي هريرة ﵁.
٢ سورة المائدة، آية ٦٤.
1 / 314
- المبحث الأول: الإيمان بالكتب الإلهية.
- المبحث الثاني: الأسفار المقدسة عند اليهود عرض ونقد.
- المبحث الثالث: أثر الأسفار المقدسة في انحراف اليهود.
وبالله التوفيق والسداد
-وكتبه
-د. محمود بن عبد الرحمن قدح
1 / 315
الإيمان بالكتب الإلهية
مدخل
...
المبحث الأول: الإيمان بالكتب الإلهية
إن من حكمة الله ﷿ ورحمته بعباده أن بعث أنبياء ورسلًا لهدايتهم ودعوتهم إلى الخير، وإقامة حجته على خلقه، وأنزل عليهم كتبًا ليبيّنوا للناس ما أنزل إليهم من الهدى والنور، وما تتضمنه من أحكام الله ﷿ العادلة، ووصاياه النافعة، وأوامره ونواهيه الكفيلة بإصلاح البشرية وإسعادها في الدنيا والآخرة.
وتمهيدًا لموضوع دراستنا (الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم - عرض ونقد)، فإنه يجدر بنا أن ندرس بإيجاز ثلاث مسائل مهمة لنتبين موقف الإسلام من الكتب الإلهية، وهي:
١ - الإيمان بالكتب السماوية.
٢ - وقوع التحريف والتبديل في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم.
٣ - حكم قراءة المسلم في التوراة والأناجيل المحرّفة.
المطلب الأول: الإيمان بالكتب الإلهية السماوية إن من أركان الإيمان الستة الإيمان بالكتب التي أنزلها الله ﷿ على أنبيائه ورسله، وبأنها حق وصدق وهدى ونور وبيان وشفاء ورحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.
المطلب الأول: الإيمان بالكتب الإلهية السماوية إن من أركان الإيمان الستة الإيمان بالكتب التي أنزلها الله ﷿ على أنبيائه ورسله، وبأنها حق وصدق وهدى ونور وبيان وشفاء ورحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.
1 / 316
والإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الكريم الذي نُزّل على محمد ﷺ والإنجيل الذي نُزّل على عيسى ﷺ، والزّبور الذي نُزّل على داود ﷺ، والتوراة التي أنزلت على موسى ﷺ، وصحف إبراهيم ﷺ.١
والإيمان بأن لله كتبا أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها وعددها إلا الله، قال ﷿: ﴿كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ ليَحْكُمَ بَينَ النّاسِ فِيما اختَلَفُوا فِيهِ وَما اخْتَلَفَ فيه إلاّ الّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُم فَهَدَى الله الَّذِينَءَامَنُوا لمِا اختَلَفُوا فِيهِ مِن الحَقِّ بإذْنِهِ والله يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٢.
وأما كيفية إيماننا بالكتب السماوية، فإنا نؤمن بالكتب السماوية السابقة إيمانًا مجملًا، يكون بالإقرار بها بالقلب واللسان، وأن منها ما فُقد واندثر، ومنها ما حُرِّف وغُيِّر، وأنها منسوخة بالقرآن الكريم.
وأما القرآن الكريم فنؤمن به إيمانًا مفصلًا، يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، وإتباع ما جاء فيه، وتحكيمه في كل كبيرة وصغيرة، وأن الله تعالى قد
_________
١ ورد أن الكتب السماوية المعروفة بأسمائها قد أنزلت في شهر رمضان المبارك في حديث واثلة ﵁ أن النبي ﷺ قال: "أنزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". أخرجه الإمام أحمد ٤/١٠٧، وابن عساكر.
قال الهيثمي في المجمع ١/١٩٧: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمران بن داود القطان، ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات".
قال الشيح الألباني: إسناده حسن، رجاله ثقات، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا نحوه أخرجه ابن عساكر. (انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/١٠٤ ح١٥٧٥) .
٢ سورة البقرة، آية ٢١٣.
1 / 317
تكفَّل بحفظه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه كلام الله منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب السماوية، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ...﴾ ١، أي حاكمًا عليه، وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السماوية إلاَّ ما أقره منها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة٢.
_________
١ سورة المائدة، آية ٤٨.
٢ انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص٣٥٠، شرح لمعة الاعتقاد ص٧٧-٨٥ لابن عثيمين، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص١٤٩-١٥١.
وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة عل القرآن الكريم ... المطلب الثاني: وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم. لقد تضافرت الأدلة والبراهين على تحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب المتقدمة، والآيات القرآنية كثيرة في ذلك منها: قوله تعالى: ﴿... قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُورًا وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ...﴾ ١، وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاّ قَلِيلًا مّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ﴾ ٢. _________ ١ سورة الأنعام، آية ٩١. ٢ سورة المائدة، آية ١٣-١٥.
وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة عل القرآن الكريم ... المطلب الثاني: وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم. لقد تضافرت الأدلة والبراهين على تحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب المتقدمة، والآيات القرآنية كثيرة في ذلك منها: قوله تعالى: ﴿... قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُورًا وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ...﴾ ١، وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاّ قَلِيلًا مّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ﴾ ٢. _________ ١ سورة الأنعام، آية ٩١. ٢ سورة المائدة، آية ١٣-١٥.
1 / 318
وقد أجمع المسلمون على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، إما عمدًا وإما خطأً في ترجمتها أو في تفسيرها أو تأويلها، إلا أن علماء المسلمين قد اختلفوا في مقدار التحريف فيها:
فقال بعضهم: إن كثيرًا مما في التوراة والإنجيل باطل ليس من كلام الله.
ومنهم من قال: بل ذلك قليل.
وقال بعضهم: لم يحرف أحد شيئًا من حروف الكتب وإنما حرفوا معانيها بالتأويل.
وقال بعضهم: كانت توجد نسخ صحيحة للتوراة والإنجيل بقيت إلى عهد النبي ﷺ، ونسخ كثيرة محرفة.
وقال الجمهور: بأنه بُدِّل بعض ألفاظها وحُرِّف١.
والذي أراه - والله أعلم - أن تحريفًا كثيرًا قد وقع في كتبهم إلا أنه لا تزال فيها بقايا من الوحي الإلهي وهي كثيرة أيضًا، ولا سبيل لمعرفتها إلا بموافقتها لما في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
وأما أنواع التحريف في كتبهم فهو: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقصان، وتحريف بتغيير المعنى دون اللفظ، والشواهد على ذلك كثيرة.
وإلى جانب التحريف فإن هناك وسائل أخرى ذكرها القرآن الكريم لا تقل خطورة في تأثيرها عن التحريف والتبديل، ومن هذه الوسائل٢ ما يلي:
_________
١ للتوسع انظر: مجموع الفتاوى ١٣/١٠٢-١٠٥، الجواب الصحيح ١/٣٥٦، ٣٦٧، ٢/٥، ٣/٢٤٦ للإمام ابن تيمية، وهداية الحيارى ١٠٥ لابن القيم، تفسير ابن كثير ١/٥٢٠، فتح الباري ١٧/٥٢٣-٥٢٦.
٢ انظر: علاقة الإسلام باليهودية ص٤٣-٤٥، د. محمد خليفة.
1 / 319
١- الإخفاء: قال تعالى: ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ...﴾ ١، وقال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ﴾ ٢.
٢- الكتمان: قال تعالى: ﴿الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ ٤.
٣- إلباس الحق بالباطل: قال تعالى: ﴿يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ٥، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ٦.
٤- الكذب والتكذيب: قال تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِالتّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ ٧، وقال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ..﴾ ٨.
_________
١ سورة الأنعام، آية ٩١.
٢ سورة المائدة، آية ١٥.
٣ سورة البقرة، آية ١٤٦.
٤ سورة آل عمران، آية ١٨٧.
٥ سورة آل عمران، آية ٧١.
٦ سورة البقرة، آية ٤٢.
٧ سورة آل عمران، آية ٩٣-٩٤.
٨ سورة آل عمران، آية ٧٨.
1 / 320
٥- لوي الألسنة بالكتاب: قال تعالى: ﴿وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون﴾ ١.
٦- التعطيل: المقصود به تعطيل أحكام التوراة والإنجيل وعدم إقامتها والعمل بها. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ ٢، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىَ شَيْءٍ حَتّىَ تُقِيمُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ...﴾ ٣. وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ ٤.
٧- الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر: قال تعالى: ﴿... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ...﴾ ٥.
٨- الإهمال: قال تعالى: ﴿وَلَما جَآءَهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ اللهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ٦.
_________
١ سورة آل عمران، آية ٧٨.
٢ سورة المائدة، آية ٦٦.
٣ سورة المائدة، آية ٦٨.
٤ سورة الجمعة، آية ٥.
٥ سورة البقرة، آية ٨٥.
٦ سورة البقرة، آية ١٠١.
1 / 321
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاشْتَرَوْا بِهِ ثمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ ١.
٩- الظن: قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ﴾ ٢.
١٠- النسيان ٣: قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ ...﴾ ٤.
١١- التزوير: قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ للذِينَ يَكْتُبُون الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ﴾ ٥.
وتوضح هذه الوسائل مجتمعة الطرق التي تحوّلت بها التوراة والإنجيل وغيرها من كتب إلهية سماوية إلى كتب بشرية خطها رجال الدين من اليهود والنصارى بأيديهم.
_________
١ سورة آل عمران، آية ١٨٧.
٢ سورة البقرة، آية ٧٨.
٣ انظر: علاقة الإسلام باليهودية ص٤٣-٤٥ د. محمد خليفة حسن.
٤ سورة المائدة، آية ١٣.
٥ سورة البقرة، آية ٧٩.
حكم قراءة المسلم في التوراة والإنجيل المحرفة وما شابهها ... المطلب الثالث: حكم قراءة المسلم في التوراة والأناجيل المحرفة وما شابهها. بعد أن علمنا من المطلبين السابقين أن الكتب السماوية السابقة قد حرّفت وبُدّلت ونُسخت بالقرآن الكريم، فإن سؤالًا مهمًا يتبادر إلى الذهن هو: ما حكم إطلاع المسلم وقراءته الكتب المقدسة عند أهل الكتاب؟
حكم قراءة المسلم في التوراة والإنجيل المحرفة وما شابهها ... المطلب الثالث: حكم قراءة المسلم في التوراة والأناجيل المحرفة وما شابهها. بعد أن علمنا من المطلبين السابقين أن الكتب السماوية السابقة قد حرّفت وبُدّلت ونُسخت بالقرآن الكريم، فإن سؤالًا مهمًا يتبادر إلى الذهن هو: ما حكم إطلاع المسلم وقراءته الكتب المقدسة عند أهل الكتاب؟
1 / 322
وبالرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بهذه المسألة نجد أدلة ظاهرها التعارض، فبعضها يفيد الجواز والآخر يفيد المنع، وسأبدأ بأدلة المنع ثم أدلة الجواز ثم أبين ما يترجح منها مستعينًا بالله ﷿.
- أما أدلة المنع من قراءة كتب أهل الكتاب فهي:
- عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب ﵁ أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ﷺ فغضب، فقال: "أمتهوكون١ فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" ٢.
- وعن أبي هريرة ﵁ قال: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: ﴿آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾ ٣ الآية"٤
_________
١ التَّهوك كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير رويّة، وقيل: التحيّر.
انظر: النهاية في غريب الحديث ٥/٢٨٢ لابن الأثير.
٢ أخرجه الإمام احمد ٣/٣٨٧ والدارمي ١/١١٥، وابن أبي شيبة ح٢٦٤٢١، وابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/٤٢، والبزار وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان. قال الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣/٣٣٤: "رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفًا". وبمثله قاله الهيثمي في المجمع ١/١٧٩.
قال الشيخ الألباني: وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف، ولكن الحديث حسن عندي لأنه له طرقًا كثيرة عند اللالكائي والهروي وغيرهما. (انظر: المشكاة ح١٧٧، والإرواء ٦/٣٤ ح١٥٨٩)
٣ سورة البقرة: ١٢٦.
٤ أخرجه البخاري (انظر: فتح ٥/٢٩١، ٨/١٧٠)، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/) ١٦٣.
1 / 323
- وعن ابن عباس ﵄ قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه ﷺ أحْدَثُ الأخبار بالله تقرؤنه لم يُشبْ؟! وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدَّلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: ﴿هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ ١، أفلا ينهاكم بما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قطُّ يسألكم عن الذي أنزل عليكم٢.
- وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: "لا تسألوا أهل الكتاب، فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم، فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل" ٣.
- وأما أدلة جواز الإطلاع على كتب أهل الكتاب فمنها:
قال تعالى: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْجَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْترين ٤﴾ ٥.
وقال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىَ بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ ٦.
_________
١ سورة البقرة، آية ٧٩.
٢ أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري ٥/٢٩١)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/٤١) .
٣ أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/٤١، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه عبد الرزاق من طريق حريث بن ظهير فذكره، وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه، وسنده حسن. (انظر: فتح الباري ٦/٣٣٤) .
٤ المراد من قوله تعالى: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّ﴾ على سبيل الفرض والتقدير، إذ الشك لا يتصور منه ﷺ أبدًا لعصمته، ولذا قال رسول الله ﷺ: "لا أشك ولا أسأل"، كذا قاله ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير والحسن البصري. (انظر: تفسير ابن كثير ٢/٤٤٨) .
٥ سورة يونس، آية ٩٤.
٦ سورة الرعد، آية ٤٣.
1 / 324
قال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ١.
- وعن عبد الله بن عمرو ﵄ أن النبي ﷺ قال:
"بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عَلَيَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" ٢. والتحديث عن بني إسرائيل يقتضي النظر في كتبهم.
- وعن عطاء بن يسار قال: "لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحرزًا٣ للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ... الخ"٤.
- وورد أن عبد الله بن عمرو ﵄ أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدِّث منهما٥.
_________
١ سورة الزخرف، آية ٤٥.
٢ أخرجه البخاري. (انظر: فتح الباري ٦/٤٩٦)، والإمام أحمد ٢/١٥٩، والترمذي ح٢٦٦٩، والدارمي ١/١٣٦، وابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/٤٠.
٣ وحرزًا: أي حافظًا، وأصل الحرز، الموضع الحصين، يقال: أحرزت الشيء أحْرزُه إحرازًا، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ.
انظر: النهاية في غريب الحديث ١/٣٦٦، فتح الباري ٤/٣٤٣.
٤ رواه البخاري (انظر: فتح الباري ٤/٣٤٣)، وأحمد ٢/١٧٤.
٥ انظر: مجموع الفتاوى (مقدمة في أصول التفسير) ١٣/٣٦٦، فتح الباري ١/٢٠٧، قال ابن تيمية: وقد فهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو من الحديث السابق الذي رواه عن النبي ﷺ: " ... حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ... " الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذلك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا.
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٣/٣٦٦،٣٦٧.
1 / 325
وإزاء هذه النصوص التي ظاهرها التعارض بين النهي والجواز في النظر في كتب أهل الكتاب، فقد ذكر العلماء أقوالًا في الترجيح والجمع بين تلك النصوص:
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لقول النبي ﷺ: " ... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ... " أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه ﷺ الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار١.
وقال بعضهم: إن الأمر بالإباحة والجواز ليس على إطلاقه، فإن جاء ما في كتبهم موافقًا لما في شرعنا صدّقناه وجازت روايته، وما جاء مخالفًا لما في شرعنا كذّبناه وحرمت روايته إلا لبيان بطلانه، وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب وتجوز روايته، وتذكر للاستشهاد لا للاعتقاد٢.
والأولى في هذه المسألة الجمع بين النصوص المتعارضة، لأن فيه العمل بالنصوص كلها، أما القول بالنسخ ففيه الأخذ ببعض النصوص وترك لبعضها، وطريقة الجمع بينها تكون بالتفصيل في المسألة على النحو الآتي:
١- حكم المقروء من كتب أهل الكتاب.
_________
١ انظر: فتح الباري ٦/٤٩٨.
٢ انظر: فتح الباري ٦/٤٩٩، ١٢/٣٣٤.
1 / 326
٢- حال القارئ لها.
٣- قصد القارئ ونيته من القراءة فيها.
١- فأما بالنسبة لحكم المقروء منها فإنه على ثلاثة أنواع:
أ - نوع يجوز تصديقه وروايته، وهو ما جاء في كتبهم موافقًا لما في شرعنا.
ب - ونوع يحرم روايته إلا بشرط تكذيبه وبيان بطلانه، وهو ما جاء في كتبهم مخالفًا لما في شرعنا.
ج - ونوع يتوقف فيه، لا يحكم عليه بصدق ولا بكذب وتجوز روايته وتذكر للاستشهاد لا للإعتقاد، وهوما سكت عنه شرعنا.
٢- وأما حال القارئ لكتبهم فإنه يجوز لأهل العلم من الراسخين في الإيمان والعلم وعلى هذا الصنف من الناس نحمل نصوص الجواز والإباحة في قراءة كتب أهل الكتاب، ولا يجوز لمن لم يكن من الصنف الأول كالعامي الغرِّ والشاب الغمر من الناس ومن في حكمهم فهؤلاء تحمل عليهم نصوص المنع وعدم الجواز.
٣- وأما بالنسبة لقصد القارئ ونيته ممن يجوز لهم القراءة، فإنه لا يجوز للقارئ إذا كان النظر فيها على وجه التعظيم والتفخيم لها، أو إذا كان يتشاغل بذلك دون غيرها مما هو مطلوب من علوم الشرع.
وأما إذا كان قصد القارئ معرفة ما في كتبهم من الشر لتوقيه وتحذير الناس منه، أو الرد على المخالف وإلزام اليهود والنصارى بطلان دينهم وتحريف كتبهم ونسخ شريعتهم والتصديق بمحمد ﷺ بما يستخرج من البشارات في كتبهم، فهذا جائز يدل عليه النصوص الشرعية وفعل الأئمة كابن حزم وابن تيمية وابن القيم وغيرهم في النقل من كتب أهل الكتاب، ولولا اعتقاد الأئمة جواز النظر فيها لما فعلوه وتواردوا عليه.
1 / 327
وذلك القصد داخل ضمن ما أمرنا به الله ﷿ في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بمِنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ ١. وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾ ٢.
والمجادلة المحمودة التي أمرنا بها هي التي تكون عن علم وبصيرة وهدي وذلك يقتضي النظر في كتبهم لإلزامهم الحجة وإقامة البينة عليهم والله أعلى وأعلم٣.
_________
١ سورة النحل، آية ١٢٥.
٢ سورة العنكبوت، آية ٤٦.
٣ للتوسع في هذا الموضوع يراجع: مصنف ابن أبي شيبة ٥/٣١٢، ٣١٨، جامع بيان العلم ٢/٤٠-٤٢ للإمام ابن عبد البر، مجموع الفتاوى ١٣/٣٦٦ للإمام ابن تيمية، فتح الباري ٦/٤٩٨، ١٣/٣٣٣-٣٣٥، ٥٢٣-٥٢٦ للحافظ ابن حجر، الإسرائيليات في التفسير والحديث - د. محمد الذهبي، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير- د. محمد أبو شهبة، الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير - د. رمزي نعناعة.
1 / 328
الأسفار عند اليهود عرض ونقد
التعريف بالأسفار المقدسة عند اليهود
...
المبحث الثاني الأسفار المقدسة عند اليهود - عرض ونقد
المطلب الأول: التعريف بالأسفار المقدسة عند اليهود.
إن الكتب المقدسة عند اليهود تنقسم على وجه الإجمال إلى قسمين هما:
الأول: التوراة وما يتبعها من أسفار الأنبياء المقدسة عند اليهود، وهذا القسم يسميه اليهود بعدة أسماء منها:
١- أهمها وأشهرها (التناخ) ويكتبونها بالعبرية (ت، ن،ك) وهي حروف اختصار من الألفاظ (توراة)، نبوئيم (الأنبياء)، كتوبيم (الكتب) وهي الأجزاء الثلاثة الكبيرة التي يتألف منها العهد القديم كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
٢- (المقرا) ومعناه: النص المقروء، لأنهم مطالبون بقراءته في عباداتهم والرجوع إلى الأحكام الشرعية فيها التي تنظم حياتهم.
٣- (المِسُورَه) أو (المِسُورِتْ) وهو عندهم صفة علمية خاصة، يعنون بذلك النص المقدس المروي عن الأسلاف رواية متواترة - على حد زعمهم - ارتضتها أجيال العلماء ورفضت ما عداها١.
الثاني: التلمود: الذي يعتبره اليهود مصدرًا من مصادر التشريع اليهودي ومن أسفارهم المقدسة لديهم، ويتكون من جزئين أحدهما يسمى المِشْنا أو المشْنَة، والثاني الجمارا أو الجمارة.
_________
١ انظر: الفكر الديني اليهودي ص٦٢،٦٣ د. حسن ظاظا.
1 / 329
وهناك أسفار أخرى كثيرة عند اليهود لم تدخل ضمن الأسفار القانونية التي يتكوّن منها كتاب اليهود المقدس، وإن كانوا يحيطون تلك الأسفار الغير معترف بها -ويسمونها بـ (الكتب غير القانونية) أو (الأبوكريفا) - بكثير من العناية والاهتمام ويجعلونها استمرارًا لتاريخهم.
وسوف نبدأ الحديث - إن شاء الله تعالى - بشيء من التفصيل عن القسم الأول عرضًا ونقدًا ثم نتلوه بالقسم الثاني.
فأما القسم الأول: فإنه يندرج تحت ما يسمّى بـ (الكتاب المقدس) The Bible الذي يبذل النصارى جهودًا جبارة وخبيثة في سبيل ترجمته بمختلف اللغات واللهجات ونشره وتوزيعه في جميع أنحاء العالم.
وهذا الكتاب المزعوم بأنه مقدس ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
الأول: يسمى (العهد القديم١ أو العتيق) Old Testament ويحتوي على الأسفار المنسوبة إلى موسى والأنبياء من بعده الذين كانوا قبل عيسى عليهم الصلاة والسلام.
الثاني: يسمى (العهد الجديد) New Testament ويحتوي على الأناجيل وما يتبعها من الأسفار المنسوبة إلى الحواريين وتلامذتهم.
وهذا التقسيم والتسمية من النصارى الذين يقدسون العهد القديم والجديد، ومجموعهما هو الكتاب المقدس عندهم، ويعتقدونه وحيًا كُتب بإلهام من الروح القدس لمؤلفيها.
١ العهد: هو الميثاق، ومعنى ذلك أن هذه الأسفار تعتبر ميثاقًا أخذه الله على الناس ليؤمنوا ويعملوا به، وأخذ هذا المعنى من سفر الخروج في التوراة ٢٤/٨ وفيه (وأخذ موسى الدم ورشه على الشعب وقال: هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال) .
1 / 330
أما اليهود فإنهم لا يقدسون إلا العهد القديم فقط، وهو الكتاب المقدس عندهم، ولا يعترفون بالعهد الجديد ويكفرون به لكفرهم بالمسيح ﵊ وقولهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لذلك سوف تتركز دراستنا في هذا البحث على العهد القديم أو ما يسميه اليهود بـ (التناخ، أو المقرا، أو المسورت) ويشتمل على ستة وثلاثين سفرًا يقسمه اليهود باعتبار محتوياته إلى ثلاثة أقسام رئيسة.
ومما يجدر التنبيه إليه أن اليهود والنصارى قد وضعوا مصطلحات خاصة بكتبهم المقدسة لديهم ليسهل عليهم الوقوف والرجوع إلى نصوصها، ومن تلك المصطلحات:
السفر: ويعني (الكتاب أو الباب)، وجمعه أسفار، وله عنوان أو مسمى، فيقال مثلًا: سفر التكوين، سفر أرميا ونحوه.
الإصحاح: ويعني (الفَصْل)، حيث إن السفر يشتمل على عدّة إصحاحات، ولكل إصحاح رقم، فيقال مثلًا: الإصحاح الأول، الإصحاح الثاني، وهكذا. وقد يرمز للإصحاح بالرمز (صح) .
الفقرة: وتعني (العبارة أو النص)، فالإصحاح الواحد يحتوي على عدة فقرات أو نصوص مرقّمة.
كما تختصر تلك المصطلحات في عدة رموز، مثاله:
(تك ٧/٢١-٣٥)، ومعناه سفر التكوين، الإصحاح السابع، الفقرات من الفقرة الحادية والعشرين إلى الفقرة الخامسة والثلاثين.
1 / 331
تقسيم اليهود لأسفارهم المقدسة (العهد القديم)
بحسب محتوياته
(١) التوراة: ويشتمل على خمسة أسفار هي:
١- سفر التكوين (٥٠ إصحاحًا)
٢- سفر الخروج (٤٠ إصحاحًا)
٣- سفر اللاويين (٢٧ إصحاحًا)
٤- العدد (٣٦ إصحاحًا)
٥- التثنية (٣٤ إصحاحًا)
(٢) أسفار الأنبياء
أسفار الأنبياء الأول (المتقدمين) وهي:
١- سفر يشوع (يوشع بن نون) (٢٤ إصحاحًا)
٢- سفر القضاة (٢١ إصحاحًا)
٣- سفر صموئيل الأول (٣١ إصحاحًا)
سفر صموئيل الثاني (٢٤ إصحاحًا)
٤- سفر الملوك الأول (٢٢ إصحاحًا)
سفر الملوك الثاني (٢٥ إصحاحًا)
أسفار الأنبياء الأُخر (المتأخرون) وهي:
١- سفر أشعيا (٦٦ إصحاحًا)
٢- سفر ارميا (٥٢ إصحاحًا)
٣- سفر حزقيال (٤٨ إصحاحًا)
٤- أسفار الأنبياء الصغار أو الاثني عشر نبيًا وهي:
١/ سفر هوشع (١٤إصحاحًا)
٢/سفر يوئيل (٣ إصحاحات)
٣/ سفر عاموس (٩إصحاحات)
٤/ سفر عوبديا (إصحاح واحد)
٥/ سفر يونان (٤ إصحاحات)
٦/ سفر ميخا (٧ إصحاحات)
٧/ سفر ناحوم (٣ إصحاحات)
٨/ سفر حبقوق (٣ إصحاحات)
٩/ سفر صفنيا (٣ إصحاحات)
١٠/ سفر حجاي (إصحاحان)
١١/سفر زكريا (١٤ إصحاحًا)
١٢/ سفر ملاخي (٤ إصحاحات)
(٣) الكتب (كتب الحكمة): وتشتمل على الأسفار الآتية:
١- مزامير داود (١٥٠ مزمورًا)
٢- أمثال سليمان (٣١ إصحاحًا)
٣- سفر أيوب (٤٢ إصحاحًا)
٤- نشيد الأناشيد (٨ إصحاحات)
٥- سفر روث (راعوث) (٤ إصحاحات)
٦- مراثي أرميا (٥ إصحاحات)
٧- سفر الجامعة (١٢ إصحاحًا)
٨- سفر إستير (١٠ إصحاحات)
٩- سفر دانيال (١٢ إصحاحًا)
١٠- سفر عزرا (١٠ إصحاحات)
١١- سفر نحميا (١٣ إصحاحًا)
١٢- سفر أخبار الأيام، وينقسم إلى قسمين:
أخبار الأيام الأول (٢٩ إصحاحًا)، أخبار الأيام الثاني (٣٦ إصحاحًا)
_________
١ انظر: قاموس الكتاب المقدس ص٤٦٧، الفكر الديني اليهودي ص١٢،٣٢،٤٥-٤٧. د. حسن ظاظا.
1 / 332