The Reality of Witr and Its Designation in Sharia - Part of 'Athar al-Mu'allimi'
حقيقة الوتر ومسماه في الشرع - ضمن «آثار المعلمي»
Investigator
محمد عزير شمس
Publisher
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٤ هـ
Genres
الرسالة الثامنة
حقيقة "الوتر" ومُسماه في الشرع
16 / 257
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي لا تنحصر مواهبُه، ولا تنقطع رغائبُه، ولا تُقلِعُ عن الجود سحائبُه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تثبت حقَّ الإيمان، وتُذهِب كيدَ الشيطان، وتوجب رضا الملك الديّان. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الذي به استقام من الحق سبيلُه، ومُحِيَتْ شُبَهُ الشرك وأباطيلُه. اللهمّ صلِّ على محمدٍ نبيك الأمين، وآله المطهَّرين، وأصحابه الهُداة المهديين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فإنه لمّا كان أوائل رمضان سنة ١٣٤٢ سألني بعض الإخوان عن شيء من أحكام الوتر المختلف فيها، طالبًا بيانَ الراجح من الأقاويل مع بيان الدليل. ولما أخذتُ أتصفَّح الأدلة وجدتُ أحكام الوتر آخذًا بعضُها برقابِ بعضٍ، فانجرَّ بي الحالُ إلى توسعة المجال، فعزمتُ ــ متوكلًا على الله تعالى ــ على جمع كتابٍ يشتمل على عامة أحكام الوتر. على أن الباع قصير، والجناح كسير، ولكن لي في الله ﷾ حُسن الظنِّ وصادق الرجاء، والفضلُ بيد الله يؤتيه من يشاء.
قال الحافظ في "الفتح" (^١): (فائدة) قال ابن التين: اختلف في الوتر في سبعة أشياء: في وجوبه، وعدده، واشتراط النية فيه، واختصاصه بقراءة، واشتراط شَفْعٍ قبلَه، وفي آخر وقته، وصلاته في السفر على الدابة. قلت: وفي قضائه، والقنوت فيه، وفي محلّ القنوت منه، وفيما يقال فيه، وفي فصله ووَصْله، وهل تُسَنُّ ركعتان قبله؟ وفي صلاته من قعود. لكن هذا
_________
(^١) (٢/ ٤٧٨).
16 / 259
الأخير ينبني على كونه مندوبًا أو لا. وقد اختلفوا في أول وقته أيضًا، وفي كونه أفضل صلاة التطوع، أو الرواتب أفضل منه، أو خصوص ركعتي الفجر. هـ.
مقدمة في حقيقة الوتر
الوتر عند أصحابنا صلاةٌ مندوبة مؤكَّدة، أقلُّها ركعة، وأكثرها إحدى عشرة، وقتها ما بين العشاء والفجر. ولا فرقَ عندهم في إطلاق الوتر على الإحدى عشرة بين فَصْلها بتسليمةٍ واحدةٍ وفَصْلها بأكثر.
وأما تحقيق حقيقة الوتر في السُّنَّة فنقول:
بعد استقراء الأحاديث والآثار تلخَّص لنا أن الوتر قد أُطلِق على ثلاثة معانٍ:
أولها: أن يُطلَق مرادًا به صلاةُ الليل التي غايتها ثلاث عشرة، سواءٌ صُلِّيتْ وصلًا أو فصلًا، وعلى هذا حديث الحاكم والبيهقي ومحمد بن نصر (^١) عن النبي ﵌ أنه قال: "لا توتروا بثلاثٍ تُشبِّهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك".
وعليه أيضًا حديث أحمد وأبي داود (^٢) بإسنادٍ صحيح عن عائشة وقد سُئلتْ: بكَمْ كان رسول الله ﵌ يُوتر؟ فقالت: كان يُوتر بأربعٍ وثلاث، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث، ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ
_________
(^١) "المستدرك" (١/ ٣٠٤) و"السنن الكبرى" (٣/ ٣١) و"مختصر قيام الليل وكتاب الوتر" (ص ١٢٥) من حديث أبي هريرة.
(^٢) "المسند" (٢٥١٥٩) وأبو داود (١٣٦٢).
16 / 260
ولا بأكثر من ثلاثَ عشرةَ.
وهذا الوجه هو الأقرب لمذهبنا.
الثاني: أن يُطلَق مرادًا به الركعة الفردة، سواء أوقعتْ موصولةً أو مفصولةً. وعلى هذا حديث الصحيحين (^١) ــ واللفظ لمسلم ــ: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبح فأوتِرْ بركعةٍ".
وعليه حديث مسلم (^٢) عن ابن عمر وابن عباس عن النبي ﵌ أنه قال: "الوتر ركعة من آخر الليل". هكذا ورد عنهما.
وقد رواه أبو داود والنسائي (^٣) كلاهما بإسنادٍ صحيح تحت ترجمة (باب كم الوتر)، ولفظه: عن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية سأل النبي ﵌ عن صلاة الليل، فقال بإصبعَيْه هكذا "مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل".
ولا يخفى أن تعريف المسند إليه ظاهره الحصر، فهو في قوةِ "ليس الوتر إلا ركعة من آخر الليل". مع أنه قد ثبت أن النبي ﵌ وصلَ بين ثلاثٍ وبين خمسٍ وبين سبعٍ وبين تسعٍ. والجمعُ بين ذلك أن الوتر في قوله: "الوتر ركعة من آخر الليل" يُرادُ به تلك الركعة الفردة وإن وُصِلَتْ.
الثالث: أن يُطلَق مرادًا به ما كان وترًا بتسليمةٍ واحدةٍ، سواءً أكان واحدةً أو ثلاثًا أو خمسًا ... إلخ. وعلى هذا أكثر الأحاديث.
_________
(^١) البخاري (١١٣٧) ومسلم (٧٤٩/ ١٤٦) عن ابن عمر.
(^٢) رقم (٧٥٣).
(^٣) أبو داود (١٤٢١) والنسائي (٣/ ٢٣٣).
16 / 261
منها حديث عائشة عند أحمد والشيخين (^١) بلفظ: "كان رسول الله ﷺ يصلِّي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتر بخمسٍ".
ومنها حديثها المتفق عليه (^٢): "كان النبي ﷺ يصلِّي وأنا راقدةٌ معترضةٌ على فراشِه، فإذا أراد أن يُوتِر أيقظَني فأوترتُ".
وفي رواية لمسلم (^٣): فإذا أوتر قال: "قُومي فأوتري يا عائشة". وفي روايةٍ له أيضًا (^٤): فإذا بقي الوترُ أيقظَها فأوترتْ.
أقول: وقد رأيت أن أقدِّم تحقيق حقيقة الوتر، أعني المعنى الذي يكون إطلاقُ لفظ الوتر عليه حقيقةً شرعية، ثم أشرعُ في بيان الوجوه المختلَف فيها، مفردًا كلَّ وجهٍ بمقالةٍ إن شاء الله تعالى.
* * * *
_________
(^١) "المسند" (٢٤٢٣٩) ومسلم (٧٣٧). ولم أجده عند البخاري بهذا اللفظ.
(^٢) البخاري (٩٩٧) ومسلم (٧٤٤).
(^٣) رقم (٧٤٤/ ١٣٤).
(^٤) رقم (٧٤٤/ ١٣٥).
16 / 262
المقالة الأولى
في حقيقة الوتر
قال الربيع في كتاب "اختلاف مالك والشافعي" (^١): "باب ما جاء في الوتر بركعةٍ واحدة. سألتُ الشافعي عن الوتر: أيجوز أن يُوتِر الرجلُ بواحدةٍ ليس قبلها شيء؟ قال: نعم. والذي أختار أن أُصلِّي عشر ركعاتٍ ثم أُوتِرَ بواحدةٍ".
ثم ساق الأدلة إلى أن قال (^٢): "فقلتُ للشافعي: فإنا نقول: لا نُحِبُّ لأحدٍ أن يُوتِر بأقلَّ من ثلاثٍ، ويُسلِّمَ بين الركعة والركعتين من الوتر".
ثم ساق جواب الشافعي، وفي آخره: "قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ﵌ كان يُوتِر بخمس ركعاتٍ لا يجلس ولا يُسلِّم إلّا في الآخرةِ منهن.
فقلت للشافعي: فما معنى هذا؟ قال: هذه نافلةٌ، يَسَع أن يُوتِر بواحدةٍ وأكثر، ونختار ما وصفتُ من غيرِ أن نُضيِّق غيرَه. وقولكم ــ والله يَغفِر لنا ولكم ــ لا يوافق سنةً ولا أثرًا، ولا قياسًا ولا معقولًا، قولُكم خارجٌ من كل شيء من هذا وأقاويلِ الناس. إما أن تقولوا: لا يوتر إلا بثلاثٍ كما قال بعض المشرقيين، ولا يسلّم إلا في واحدةٍ منهن لئلا يكون الوتر واحدةً. [وإما أن
_________
(^١) ضمن كتاب "الأم" (٨/ ٥٥٤) ط. دار الوفاء.
(^٢) المصدر نفسه (٨/ ٥٥٦).
16 / 263
لا تكرهوا الوتر بواحدةٍ، وكيف تكرهون الوتر بواحدةٍ] (^١) وأنتم تأمرون بالسلام فيها، فإذا أمرتم به فهي واحدة. وإن قلتم: كرهناه لأن النبي ﵌ لم يُوتِر بواحدةٍ ليس قبلها [شيء]، فلم يُوتِر النبي ﵌ بثلاثٍ ليس قبلهن شيء، وقد استحسنتم أن تُوتِروا بثلاثٍ".
فأول كلامه ﵁ ــ ولاسيَّما قوله: "لئلا يكون الوتر واحدة" ــ يُفِيد أن الوتر هو ما صُلِّي بتسليمةٍ واحدةٍ: ركعة أو ثلاثًا أو أكثر، ولا يَشْرَكُه في اسم الوتر ما سبقَه من شَفْعٍ مفصولًا عنه. وآخر كلامه يُشبه خلافَ ذلك. وكلام المزني في "المختصر" (^٢) يؤيِّد الأول.
وقد يقال: إن قول الشافعي: "وقد استحسنتم أن تُوتِروا بثلاث" تسليمٌ جدلي، كأنه قال: لا يخلو قولكم: "يُوتِر بثلاثٍ مفصولة" أن يكون وجهه كراهية الوتر واحدةً، أو كراهية مخالفة السنة في الوتر بواحدةٍ لم يسبقها شَفْعٌ، فإن كان الأول فإن اشتراطكم الفصلَ هو عينُ ما فررتم منه، إذ الركعة صُلِّيتْ مفردةً، فهي الوتر، ولا تَشْرَكها الركعتان في اسم الوتر لوجود الفصل، وإن كان الثاني فمن تأمل كلام الإمام ﵁ حقَّ تأمُّلِه تبيَّن أن الوتر عنده هو ما صُلِّي بتسليمةٍ واحدة وترًا: ركعةً أو ثلاثًا أو أكثر. ولا يقدح في هذا قوله في آخر كلامه: "وقد استحسنتم أن تُوتروا بثلاثٍ"، لأنه على سبيل التسليم الجدلي، لما ستراه.
وتفسير كلام الإمام بعبارةٍ أخرى: قولكم: "لا نحب أن يوتر [إلا]
_________
(^١) ساقط من الأصل، استدركناه من "الأم".
(^٢) (ص ١١٤) (ضمن المجلد الثامن من كتاب "الأم" طبعة دار الفكر بيروت).
16 / 264
بثلاثٍ مفصولة" لا يخلو عن أحد أربعة وجوه:
إما أن يكون كراهيةَ إيقاع ركعةٍ منفردة، ولم يُعهَد ذلك في الصلاة.
وإما أن يكون كراهيةَ الاقتصار عليها، والنبي ﵌ لم يقتصر.
وإما أن يكون ذهابًا إلى حديث "مثنى مثنى".
وإما أن يكون كراهيةَ إيقاعها بدون سَبْقِ شَفْعٍ قبلها.
فأما الأول فشرطكم الفصلَ وقوعٌ فيما فررتم منه، ووجودُ الركعتين قبلها لا يُخلِّصها من كونها مفردة.
وأما الثاني فإن النبي ﵌ لم يقتصر على الثلاث أيضًا، فلِمَ اقتصرتم عليها؟
وأما الثالث فإن أقلَّ ما يقع عليه "مثنى مثنى" أربع، فلِمَ اقتصرتم على ركعتين؟
وأما الرابع فإن النبي ﵌ لم يُوتِرْ بثلاثٍ لم يَسْبِقْها شَفْع، وأنتم تزعمون أن الثلاث المفصولة وترٌ ولا تشترطون قبلها شفعًا.
إذا تقرر ما ذُكِر علمتَ أن الوتر في كلام الإمام عبارة عمّا صُلِّي وترًا بنيته موصولًا بتسليمةٍ واحدة: ركعة أو ثلاث أو خمس أو أكثر. وأما أهل مذهبه فإن الوتر في كلامهم عبارةٌ عما صُلِّي بنية الوتر، من ركعةٍ إلى أحد عشر، مع الوصل أو الفصل.
قلت: وظاهر قول الربيع: "فإنا لا نحب لأحدٍ أن يُوتِر بأقلَّ من ثلاثٍ، ويُسلِّم بين الركعة والركعتين من الوتر": أن مذهب مالك أن الوتر عبارة عن
16 / 265
تلك الثلاث المفصولة، وعليه بنى الشافعي جوابَه في الوجه الرابع حيث قال: "وقد استحسنتم أن توتروا بثلاثٍ"، والظاهر أن ذلك قولٌ في مذهب مالك. والراجح عنده أن الوتر هو الركعة المفصولة.
قال الباجي في "شرح الموطأ": فأما المسألة الثانية في عدد الوتر، فإن مالكًا ﵀ ذهب إلى أن الوتر ركعة واحدة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: الوتر ثلاث ركعات. والدليل على ما نقوله قول عائشة ﵂ في الحديث: "يُوتِر منها بواحدةٍ" (^١).
قال ابن رشد في "بداية المجتهد" (^٢): وأما صفته ــ أي الوتر ــ فإن مالكًا ﵀ استحبَّ أن يُوتر بثلاثٍ يُفصَل بينها بسلام. وقال أبو حنيفة: الوتر ثلاث ركعات من غير أن يُفصَل بينها بسلام. وقال الشافعي: الوتر ركعة واحدةٌ. ولكلِّ قولٍ من هذه الأقاويل سلفٌ من الصحابة والتابعين.
إلى أن قال: فمن ذهب إلى أن الوتر ركعة واحدة، فمصيرًا إلى قوله ﵊: "فإذا خشيتَ الصبحَ فأوْتِرْ بواحدة" (^٣)، وإلى حديث عائشة أنه كان يُوتِر بواحدة (^٤). ومن ذهب إلى أن الوتر ثلاث من غير أن يُفصَل بينها، وقصرَ حكم الوتر على الثلاث فقط ... إلخ.
_________
(^١) (٢/ ١٦١) ط. دار الكتب العلمية.
(^٢) (١/ ٢٣٦ - ٢٣٨) ط. دار الكتب الإسلامية بمصر.
(^٣) أخرجه البخاري (١١٣٧) ومسلم (٧٤٩) من حديث ابن عمر.
(^٤) أخرجه أبو داود (١٣٣٦، ١٣٣٧) والنسائي (٢/ ٣٠، ٣/ ٦٥) وابن ماجه (١١٧٧، ١٣٥٨). وصححه ابن حبان (٢٤٢٢، ٢٤٢٣) وغيره.
16 / 266
إلى أن قال: وأما مالك فإنه تمسك في هذا الباب بأنه ﵊ لم يُوتر قطُّ إلّا في إثر شَفْعٍ، فرأى أن ذلك من سنة الوتر، وأن أقل ذلك ركعتان، فالوتر عنده على الحقيقة إما أن يكون ركعةً واحدةً، ولكن من شرطها أن يتقدمها شَفْع، وإما أن يرى أن الوتر المأمور به هو يشتمل على شَفْع ووتر، فإنه إذا زيد على الشفع وترٌ صار الكلُّ وترًا. ويشهد لهذا المذهب حديث عبد الله بن قيس المتقدم (^١)، فإنه سمَّى الوتر فيه العدد المركب من شفع ووتر، ويشهد لاعتقاده أن الوتر هو الركعة الواحدة أنه كان يقول: كيف يوتر بواحدة ليس قبلها شيء؟ وأي شيء يُوتِر له؟ وقد قال رسول الله ﵌: "تُوتِر له ما قد صلَّى" (^٢). فإن ظاهر هذا القول أنه كان يرى أن الوتر الشرعي هو العدد الوتر بنفسه، أعني الغير المركب من الشفع والوتر، وذلك أن هذا هو وتر لغيره، وهذا التأويل عليه أولى. هـ.
قلتُ: فكلام الباجي قاطعٌ بأن الوتر عند مالك ركعة واحدة، ومفادُه أن الشفع الذي قبلها لا يجوز أن يكون بنية الوتر. وأما ابن رشد فرجَّح ذلك أيضًا، وكلاهما نسباه إلى الشافعي. وأجاز ابن رشد أن يكون مالك يرى أن الوتر يشتمل على شفعٍ ووتر، أي مفصولين، لاستدلاله بحديث عبد الله بن قيس، ولفظه: "قلت لعائشة: بكم كان رسول الله ﵌ يُوتر؟ قالت: كان يُوتِر بأربعٍ وثلاثٍ، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث. ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ، ولا بأكثر من ثلاث عشرة". وأما مع الوصل فثلاثٌ
_________
(^١) أخرجه أبو داود (١٣٦٢) من حديث عبد الله بن أبي قيس عن عائشة. ويقال له "ابن قيس" أيضًا.
(^٢) أخرجه البخاري (٩٩٠) ومسلم (٧٤٩).
16 / 267
بتسليمة، أو خمسٌ أو سبع أو تسع، فآخر كلامه أن مالكًا ــ بناءً على الراجح عنه ــ يُسمِّي المجموع وترًا، إلّا أنه لم يُجِز الوصل.
فقد تبيَّن لك أن الراجح عنده عن مالك أن الوتر هو حقيقة شرعية في الركعة الواحدة، ولو أُجِيز الوصلُ بثلاثٍ أو أكثر لكان ذلك وِترًا أيضًا. وأما إذا حصل الفصل بين ركعتين وركعة مثلًا، فلا يكون الوتر إلّا الركعة، فتأمَّلْ.
وظاهر كلامهما نسبة ذلك إلى الشافعي، وهو صحيح.
* * * *
16 / 268
مبحث في الوتر [بواحدة]
أجاز الشافعية الاقتصار على واحدةٍ ليس بين العشاء وطلوع الفجر غيرُها، واستدلُّوا بأحاديث:
منها: حديث مسلم (^١) عن ابن عمر وابن عباس أن النبي ﵌ قال: "الوترُ ركعةٌ من آخر الليل".
ومنها: عن أبي أيوب الأنصاري ﵁ أن رسول الله ﵌ قال: "الوتر حقٌّ على كل مسلمٍ، من أحبَّ أن يُوتِر بخمسٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يُوتِر بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يُوتِر بواحدةٍ فليفعلْ".
رواه أبو داود (^٢) بإسناد صحيح، كما قاله النووي في "شرح المهذَّب" (^٣). ورواه النسائي وابن ماجه (^٤)، وصححه ابن حبان والحاكم (^٥)، كما في "الفتح" (^٦) وغيره.
وعند الدارقطني (^٧) بإسنادٍ قال بعض شُرَّاحه (^٨): رواتُه كلهم ثقات عن
_________
(^١) رقم (٧٥٣).
(^٢) رقم (١٤٢٢).
(^٣) "المجموع" (٤/ ١٧).
(^٤) النسائي (٣/ ٢٣٨، ٢٣٩) وابن ماجه (١١٩٠).
(^٥) "صحيح ابن حبان" (٢٤٠٧، ٢٤١٠، ٢٤١١) و"المستدرك" (١/ ٣٠٢، ٣٠٣).
(^٦) (٢/ ٤٨٢).
(^٧) في "سننه" (٢/ ٣٣).
(^٨) هو شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني" (٢/ ٣٤).
16 / 269
عائشة أن النبي ﵌ أوتر بركعة.
قال في "المغني" (^١): وفي "صحيح ابن حبان" (^٢) من حديث ابن عباس أنه ﵌ أوترَ بركعة.
قال بعضهم (^٣): قال العراقي: وممن أوترَ بعد العشاء بركعةٍ من الصحابة: الخلفاء الأربعة، وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء، وحذيفة، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وتميم الداري، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو هريرة، وفضالة بن عُبيد، وعبد الله بن الزبير، ومعاذ بن الحارث القاري. هـ
قلت: في البخاري (^٤) أن سعد بن أبي وقاص أوتر بواحدةٍ. وفيه أيضًا (^٥) كذلك عن معاوية، وأن ابن عباس أقرَّه على ذلك بقوله لمن اعترض عليه: دَعْه فإنه فقيهٌ.
والبحث معهم يتوقف على مقدمة، وهي تحقيق مسمَّى "الوتر" ما هو؟ أهو صلاة الليل التي يكون آخرها فردًا مطلقًا، أو الركعة الفردة منها مطلقًا، أو هو آخر صلاةٍ في الليل تكون وترًا بتسليمةٍ واحدة، سواء أكانت واحدةً أو أكثر؟
_________
(^١) "مغني المحتاج" (١/ ٢٢١).
(^٢) رقم (٢٤٢٤).
(^٣) هو الشوكاني، انظر "نيل الأوطار" (٣/ ٣٩).
(^٤) رقم (٦٣٥٦).
(^٥) رقم (٣٧٦٤).
16 / 270
بحث في حقيقة "الوتر" ومسمَّاه في الشرع
روينا في "صحيح مسلم" (^١) بسنده إلى أبي مِجْلَز قال: سالتُ ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعتُ رسول الله ﵌ يقول: "ركعةٌ من آخر الليل"، وسألتُ ابن عمر فقال: سمعتُ رسول الله ﵌ يقول: "ركعةٌ من آخر الليل".
وهذا الحديث بعض حديث. أقول: رويناه في "سنن أبي داود" و"سنن النسائي" و"سنن ابن ماجه". قال أبو داود (^٢): (باب كم الوترُ؟) حدثنا محمد بن كثير أنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية سأل النبي ﵌ عن صلاة الليل، فقال بإصبعَيْه هكذا: "مَثْنَى مَثْنَى، والوتر ركعة من آخر الليل".
قلت: وهذا الإسناد صحيح.
وقال النسائي (^٣): (باب كم الوترُ؟) أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا شعبة عن أبي التيَّاح عن أبي مِجْلَز عن ابن عمر أن النبي ﵌ قال: "الوتر ركعةٌ من آخر الليل".
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى ومحمد قالا: حدثنا ــ ثم ذكر كلمةً معناها ــ شعبة عن قتادة عن أبي مِجْلَز عن ابن عمر عن النبي ﵌ قال: "الوتر ركعةٌ من آخر الليل".
_________
(^١) رقم (٧٥٣).
(^٢) في "سننه" (٢/ ٦٢) رقم (١٤٢١).
(^٣) (٣/ ٢٣٢).
16 / 271
أخبرنا الحسن بن محمد عن عفان قال: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية سأل رسول الله ﵌ عن صلاة الليل، قال: "مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل".
وهذا الإسناد الأخير صحيح.
وقال ابن ماجه (^١): حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عاصم عن أبي مِجْلَز عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﵌: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة". قلت: أرأيتَ إن غلَبتْني عيني، أرأيتَ إن نِمْتُ؟ قال: "اجعَلْ "أرأيتَ" عند ذلك النجم". فرفعتُ رأسي، فإذا السِّماكُ. ثم أعاد فقال: قال رسول الله ﵌: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ قبلَ الصبح". وإسناده صحيح، ولفظ "قبل الصبح" هو بمعنى اللفظ الآخر: "من آخر الليل".
وقد ورد إطلاق الوتر على الركعة الواحدة الموصولة بالشفع، كما في روايةٍ لأبي داود (^٢) في حديث سعد بن هشام عن عائشة، وفيها: "فصلَّى ثماني ركعاتٍ يُخيَّلُ إليَّ أنه يُسوِّي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعةٍ ... " الحديث. مع أن عامة طرق الحديث عند أبي داود (^٣) وعند مسلم (^٤) وغيرهما مبينةٌ أن الركعة متصلة بالثمان، وذلك أنه ﵌ صلَّى تسعًا جميعًا، وإنما أفردت الركعة في هذه الرواية لأنه فصلَ بينها وبين الثمان
_________
(^١) رقم (١١٧٥).
(^٢) رقم (١٣٥٢).
(^٣) رقم (١٣٤٢، ١٣٤٣، ١٣٤٦، ١٣٤٧).
(^٤) رقم (٧٤٦).
16 / 272
بتشهدٍ، ولم يُسلِّم إلّا في التاسعة، كما في عامة الروايات.
وقد تُحمل هذه الرواية على أن يُوتِر بركعة بمعنى يُوتِر الثمانَ، أي يُصيِّرها وترًا. وإن لم يُقبل هذا التأويل فهذا إطلاق ثالث مجازًا، ومنه أيضًا رواية أبي سلمة عند مسلم (^١) قالت (^٢): "كان يصلِّي ثلاث عشرة ركعةً، يُصلِّي ثمانَ ركعات ثم يُوتِر، ثم يُصلِّي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يُصلِّي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح".
كما ثبت عنها في مسلم (^٣) وغيره من رواية سعد بن هشام، وفيه: "ويُصلِّي تسعَ ركعاتٍ لا يجلس فيها إلّا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يُسلِّم، ثم يقوم فيصلِّي التاسعة ... " الحديث.
وأصرحُ منه رواية النسائي (^٤) في حديث سعد بن هشام المذكور، ولفظه: "قالت: كان رسول الله ﵌ إذا أوتر بتسع ركعاتٍ لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله ويذكره ويدعو، ثم ينهض ولا يُسلِّم، ثم يُصلِّي التاسعة ... " الحديث.
وهذا الإطلاق مجازٌ أيضًا.
وقد يُطلق الوتر مجازًا على مطلقِ صلاة الليل، لاشتمالها على الوتر، رواه بعضهم عن الطيبي، ومرَّ نَقْلُه فيه عن "سنن الترمذي"، واقتضاه كما
_________
(^١) رقم (٧٣٨/ ١٢٦).
(^٢) أي عائشة ﵂.
(^٣) رقم (٧٤٦).
(^٤) (٣/ ٢٤٠).
16 / 273
ذكرنا صنيع الإمام النسائي، بل يقتضيه كلام أكثر العلماء لتأوُّلهم إطلاقَ الوتر على الثلاث عشرة في بعض الأحاديث على أنه أدخل فيه سنة العشاء أو افتتاح الوتر أو سنة الصبح، ومنه حديث أم سلمة وحديث الحاكم السابقانِ، وحديث أبي داود (^١) بإسناد صحيح إلى عبد الله بن أبي قيس قال: قلتُ لعائشة ﵂: بكَمْ كان رسول الله ﵌ يُوتر؟ قالت: كان يُوتِر بأربعٍ وثلاث، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث. ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ ولا بأكثر من ثلاث عشرة.
وهذا الحديث دليل واضح على ما قلناه؛ لأنه صُرِّح فيه بالتقطيع، وقد عرفتَ أن عامة الأحاديث على إطلاق الوتر على القطعة الأخيرة. وقوله: "ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ" مع أن القطعة الأخيرة قد صحَّ وقوعُها ركعةً واحدةً. وليس من هذا بعض روايات حديث ابن عمر (^٢): "صلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قد صلَّى"؛ إذ لا يتعين أن يكون معنى "تُوتِر له ما قد صلَّى" أي تُصيِّره وترًا، بل المعنى: تكون منه وترًا. وهذا الإطلاق هو الأقرب إلى مذهبنا؛ لأن الوتر عند أصحابنا عبارة عن صلاةٍ مخصوصةٍ، أقلُّها ركعةٌ وأكثرها أحد عشر. قالوا: وما ورد من أنه ثلاثة عشر أو خمسة عشر، فهو بضمِّ ركعتين خفيفتين عند افتتاح الوتر، وركعتين قبليَّة الصبح.
قلت: وهذا هو المجاز الذي قلناه، وقلنا: إنه كذلك إذا ورد مطلقًا على أحد عشر مقطعة أو نحوها، وحقيقة فيما صُلِّي وترًا بتسليمةٍ واحدةٍ، ولم يثبت ذلك في أكثر من تسعٍ.
_________
(^١) رقم (١٣٦٢).
(^٢) عند البخاري (٩٩٠) ومسلم (٧٤٩).
16 / 274
ولا ينافي ما ذكرناه من وَصْل الثلاث والخمس والسبع والتسع قولُه ﵌: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وإن اقتضى ذلك الحصر؛ لأننا نقول: صلاة الليل غير الوتر، كما هو مفهوم من السنة. ولذلك ترى الأئمة كالشيخين وغيرهما يُفرِدون كلًّا بترجمة (^١).
وحينئذٍ فالصلاة التي تُقدَّمُ على الوتر ينبغي أن تكون مثنى مثنى، فإذا جاء الوتر كان الإنسان بالخيار: إن شاء صلَّى واحدةً، وإن شاء صلَّى ثلاثًا، وإن شاءَ سبعًا، وإن شاء تسعًا، كما مرَّ. ويَدُلُّك على ذلك أنه لو قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ثلاث" أو نحو ذلك لكان الكلام
_________
(^١) ذكر المؤلف في هامشه ما يلي:
قال في "الفتح" في أول أبواب الوتر: ولم يتعرَّض البخاري لحكمه، لكن إفراده بترجمةٍ عن أبواب التهجد والتطوع يقتضي أنه غير ملحقٍ بها عنده. ثم ذكر أن ذلك يقتضي أنه يُوجِبه، ولكنه أورد ما يُنافي الوجوب.
وأقول: بل المقتضي لإفرادِه بترجمة هو ما عرفتَ، ومما يدلُّك على ذلك أن صلاة الليل كانت مشروعةً من أول الإسلام، بخلاف الوتر، فإنما شُرِع أخيرًا. ويُبيِّن هذا حديثُ "السنن": "إنَّ الله أمدّكم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمر النعم. قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر". الحديث سيأتي إن شاء الله.
لا يقال: إن شرطَ وقوعه في الليل يُدخِلُه في صلاة الليل، فإنا نقول: هذا وإن اقتضَتْه اللغة، لكن صلاة الليل أُطلِقَتْ شرعًا على صلاةٍ مخصوصة، ولا تَشْمَلُ كلَّ ما وقع بالليل، إذ لا تَشْمَلُ المغربَ والعشاء ورَواتبَها اتفاقًا، فكذا الوتر.
ولا يَرِدُ على هذا أن الوتر يكفي عن صلاة الليل، لأننا نقول: ذلك مثل سنة الوضوء وتحية المسجد، يكفي عنهما وقوعُ صلاةٍ في وقتهما. فتأمَّل. [المؤلف].
والحديث الذي ذكره أخرجه أبو داود (١٤١٨) والترمذي (٤٥٢) وابن ماجه (١١٦٨) من حديث خارجة بن حُذافة. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن حبيب.
16 / 275
صحيحًا. وسيأتي بحث صلاة الليل مثنى مثنى إن شاء الله تعالى.
وصنيع الإمام النسائي ﵀ يقتضي أن الوتر عنده هو ما صُلِّي وترًا بتسليمةٍ واحدةٍ، سواء أكان واحدةً أو ثلاثًا أو سبعًا أو تسعًا، وأنه قد يُطلَق على الإحدى عشرة والثلاث عشرة مجازًا. وهذا هو الحق عندي، وعامة الأحاديث والآثار تدلُّ عليه إلا ما ندر.
قال أولًا (^١): (باب كم الوتر؟)، فأورد فيه حديث: "الوتر ركعة من آخر الليل" بروايتين، ثم ختمه بأصله أن رجلًا من أهل البادية سأل رسول الله ﵌ عن صلاة الليل، قال: "مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل".
ثم قال (^٢): (باب كيف الوتر بواحدة؟) وأورد فيه حديث ابن عمر بلفظ: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردتَ أن تنصرفَ فاركعْ بواحدة" وروايات أخرى بألفاظ مختلفة. وختمه بحديث عروة عن عائشة: "كان يُصلِّي من الليل إحدى عشرة ركعة يُوتِر منها بواحدة ... " إلخ.
ثم قال (^٣): (باب كيف الوتر بثلاث؟)، وأورد حديث عائشة، وفيه: "يُصلِّي أربعًا فلا تسأَلْ عن حسنهن وطولهن، ثم يصلِّي أربعًا فلا تسألْ عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلِّي ثلاثًا ... " الحديث. ثم ثنَّى بحديث سعد بن هشام عن عائشة "أن رسول الله ﵌ كان لا يُسلِّم في ركعتي الوتر". ثم أطال بالاختلافات الواقعة في بعض أحاديث [الوتر] بالثلاث.
_________
(^١) "سنن النسائي" (٣/ ٢٣٢).
(^٢) المصدر نفسه (٣/ ٢٣٣).
(^٣) المصدر نفسه (٣/ ٢٣٤).
16 / 276
ثم قال (^١): (باب كيف الوتر بخمسٍ؟)، وصدَّره بحديث الحكم عن مِقْسم عن أم سلمة: "كان رسول الله ﵌ يُوتِر بخمسٍ وبسبعٍ لا يَفصِل بينها بسلامٍ ولا بكلام". ورواه أخرى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة بلفظ "بسبعٍ أو بخمسٍ". ثم رواه بسنده إلى الحكم عن مقسم قال: "الوتر سبع، فلا أقلَّ من خمس". فذكرتُ ذلك لإبراهيم فقال: عمن ذكره؟ قلت: لا أدري. قال الحكم: فحججتُ فلقيتُ مِقْسمًا، فقلت له: عمن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وعن ميمونة.
قلت: وفي "تهذيب التهذيب" (^٢): قال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مقسم ــ كتاب ــ إلا خمسة أحاديث، وعدَّ منها حديث الوتر.
ومِقْسم من رجال البخاري، وممن طُعِن فيه منهم، وقد وثَّقه جماعة، ولكن في "تهذيب التهذيب" (^٣): وقال البخاري في "التاريخ الصغير": لا يُعرف لمِقسمٍ سماعٌ عن أمّ سلمة ولا ميمونة ولا عائشة.
قلتُ: والرواية الوسطى بواسطة ابن عباس.
قلتُ: ورجال الثالثة رجال الصحيح إلّا شيخ النسائي محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، فهو من أفراده، وقال عنه ــ كما في "الخلاصة" (^٤) وغيرها ــ: ثقة حافظ. وأما مِقْسم فقد علمتَ ما فيه.
_________
(^١) المصدر نفسه (٣/ ٢٣٩).
(^٢) (٢/ ٤٣٤).
(^٣) (١٠/ ٢٨٩).
(^٤) (ص ٣٢٧)، و"تهذيب التهذيب" (٩/ ٥٦).
16 / 277