Al-sīra al-nabawiyya bayna al-āthār al-marwiyya waʾl-āyāt al-qurʾāniyya
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Genres
فوجدنا مكانة النبي ﷺ الأدبية في المجتمع القرشي لا يدانيها مكانة سموًا وعلوًا تدل على ما وصل إليه توفيق الله له، وحفظ الله إياه، ومن ذلك اختلافهم في وضع الحجر الأسود عند تجديد بناء الكعبة، إذ انتهوا بالرضا بتحكيم أول داخل من باب بني شيبة، فإذا هو رسول الله ﷺ فقالوا: «أتاكم الأمين» (١)، أما ما كان من عبادة قريش ووثنيتها، فكان يفيض عن عرفة في الحج، كما ذكره جبير بن مطعم حين رآه واقفًا بعرفة فقال: هذا والله من الحمس فما شأنه ها هنا؟!! (٢)
علي حين تفيض الحمس، وهم قريش من مزدلفة، وكان يستمسك بإرث إبراهيم وإسماعيل في حجهم وبيوعهم ونكاحهم (٣) وهذا من توفيق الله له قبل البعثة أما أصنامهم فلم يمس صنمًا فضلًا عن الطواف به، أو السجود له والاعتكاف عنده، فيذكر مولاه زيد بن حارثة ﵁ أنه كان يطوف مع الرسول ﷺ أي قبل البعثة بالبيت العتيق، فلمس زيد بعض الأصنام فنهاه رسول الله ﷺ عن ذلك، ثم عاد زيد لمسها ليتأكد من الأمر، فنهاه ثانية فانتهى حتى كانت البعثة، وقد حلف زيد بن حارثة بأن رسول الله ﷺ ما مس منها صنما حتى أكرمه الله بالوحي (٤). وكذلك ما كان يأكل ما ذبح على النصب، حيث التقى بزيد بن عمرو بن نفيل وهو أحد الحنفاء الذين تركوا دين قريش بأسفل مكة، وقدمت للنبي ﷺ سفرة فخشي أن يكون مما ذبح على النصب فأبى أن يأكل، ولم يكن يعلم ذلك عن رسول الله ﷺ، وقد بين شراح الحديث أنه ما كان يأكل ما يذبح على النصب (٥)، وهذا قليل من كثير في سيرته وأخلاقه ومعاملاته قبل البعثة مما يبين الإعداد الإلهي له ﷺ لتحمل هذا العبء
(١) أحمد، "المسند" (٤٢٥/ ٣)، والحاكم، "المستدرك" (٤٥٨/ ٣).
(٢) البخاري (١٥٥٣)، ومسلم (٢١٤٢).
(٣) البيهقي، "دلائل النبوة" (٣٧/ ٢).
(٤) الطبراني، "المعجم الكبير" (٨٨/ ٥)، والبيهقي، "دلائل النبوة" (٣٤/ ٢) والحاكم في المستدرك وحسنه الذهبي في السيرة النبوية من تاريخ الإسلام راجع د. أكرم العمري، "السيرة النبوية الصحيحة" (١١٧/ ١).
(٥) صحيح البخاري (فتح الباري ١٤٢/ ٧، ٦٣٠/ ٩).
1 / 206