151

Al-sīra al-nabawiyya bayna al-āthār al-marwiyya waʾl-āyāt al-qurʾāniyya

السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

Genres

ثم نعود فنسأل متى عرفت هذا النصيب الضخم ومن الذي أدراك به، وبحثنا هل حدث ذلك عند ميلاده أم لا؟ إن الذين نقلوا لك هذا النصيب الضخم هم في مجملهم من نقلوا هذه الإرهاصات فلماذا التحكم؟ وما التحكم إلا بالهوى المغلف بالعقل المدعوم بعقدة الخواجة.
ونعود إلى القرآن الكريم لنبين أن الإرهاصات العظيمة مع مولد عظماء الدنيا والآخرة هي إرادة الله تعالى المتبعة، وأن ذلك واقع لا خلاف عليه، وما يمكن ليقع ذلك في خلقه سبحانه عبثًا لا حكمة فيه أو لا معنى له، وإن ذلك الواقع الذي ذكره القرآن الكريم مع بعضهم لا شك وقع مع سيدهم وسيد البشر سيدنا محمد رسول الله ﷺ، ونذكر اثنين من رسل الله وقع في ميلادهم شيء من عظيم الإرهاص، عيسى وموسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ندلل بهما على ذلك.
ونبدأ بعيسى ﵇ لقرب عهده من النبي ﷺ، ولكثرة المنتسبين إليه اليوم ولنرد من خلاله على "وات" حيث يدعي هنا التوحيد، حتى إذا جاء لرسول الله ﷺ انقلب التوحيد إلى مادية وعلمانية، وهي إحدى أسس "وات" (١) وغيره في التعامل مع السيرة، ونحن نغفل من بحثنا من اتسموا بالوقاحة والتدني الخلقي.
أوائل الآيات التي نشير إليها هي في سورة مريم لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي

(١) وهي تعامل "وات" المادي والعلماني مع السيرة، بعد أن أشرنا إلى الهدم والبناء وإلى التشكيك.

1 / 158