The Prayer of the Believer
صلاة المؤمن
Publisher
مركز الدعوة والإرشاد
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
Publisher Location
القصب
Genres
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
صلاة المؤمن
مفهوم، وفضائل، وآداب، وأنواع، وأحكام، وكيفية
في ضوء الكتاب والسنة
(١ - ٣)
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Unknown page
٢ - صلاة المؤمن في ضوء الكتاب والسنة
ح
مركز الدعوة والإرشاد بالقصب، ١٤٣١هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر.
القحطاني، سعيد بن علي بن وهف
أركان الإسلام./ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - القصب، ١٤٣١هـ
٥ مج.
ردمك: ٥ - ٠ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٢ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج٢)
(خمسة أجزاء في صندوق واحد)
١ - الإسلام ٢ - العبادات (فقه إسلامي) ٣ - التربية الإسلامية.
أ. العنوان
ديوي ٢٥٢ ... ٤٣٩٦/ ١٤٣١
رقم الإيداع: ٤٣٩٦/ ١٤٣١
ردمك: ٥ - ٠ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٢ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج٢)
الطبعة الثانية: ١٤٢٤هـ- ٢٠٠٤م
الطبعة الثالثة: صفر ١٤٣١هـ- يناير ٢٠١٠م
الطبعة الرابعة: شوال ١٤٣١هـ- ٢٠١٠م
حقوق الطبع محفوظة
إلا لمن أراد طبعه، وتوزيعه مجانًا، بدون حذف، أو إضافة، أو تغيير، فله ذلك، وجزاه الله خيرًا .. بشرط أن يكتب على الغلاف الخارجي
وقف لله تعالى
1 / 2
بسم الله الرحمن ... الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في الصلاة: قرة عين النبي ﷺ؛ لقوله ﵊: «حبب إليَّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» (١) بينت فيها بإيجاز: كل ما يحتاجه المؤمن في صلاته، وقرنت ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنّان، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله ﷺ (٢).
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، قدّس الله روحه ونور ضريحه ورفع منزلته في الفردوس الأعلى.
وقد قسمت البحث إلى أربعة وثلاثين مبحثًا على النحو الآتي:
المبحث الأول: مفهوم الطهارة وأنواعها.
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها.
المبحث الثالث: سنن الفطرة وأنواعها.
_________
(١) النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، برقم ٣٩٤٠، وأحمد في المسند، ٣/ ١٢٨، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ٣/ ٨٢٧.
(٢) اقتداء بما قاله عبد الله بن مسعود ﵁ أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسمّ صداقًا حتى مات، برقم ٢١١٦، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٣٩٧، وانظر: الروح لابن القيم، ص ٣٠.
1 / 3
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة.
المبحث الخامس: الوضوء.
المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة.
المبحث السابع: الغسل.
المبحث الثامن: التيمم.
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس.
المبحث العاشر: مفهوم الصلاة.
المبحث الحادي عشر: حكم الصلاة.
المبحث الثاني عشر: منزلة الصلاة في الإسلام.
المبحث الثالث عشر: خصائص الصلاة في الإسلام.
المبحث الرابع عشر: حكم تارك الصلاة.
المبحث الخامس عشر: فضل الصلاة.
المبحث السادس عشر: الأذان والإقامة.
المبحث السابع عشر: شروط الصلاة.
المبحث الثامن عشر: صفة الصلاة.
المبحث التاسع عشر: أركان الصلاة وواجباتها وسننها.
المبحث العشرون: مكروهات الصلاة ومبطلاتها.
المبحث الحادي والعشرون: الخشوع في الصلاة.
المبحث الثاني والعشرون: سجود السهو.
المبحث الثالث والعشرون: صلاة التطوع.
المبحث الرابع والعشرون: صلاة الجماعة.
المبحث الخامس والعشرون: مكان صلاة الجماعة: المساجد.
المبحث السادس والعشرون: الإمامة في الصلاة.
المبحث السابع والعشرون: صلاة المريض.
المبحث الثامن والعشرون: صلاة المسافر.
المبحث التاسع والعشرون: صلاة الخوف.
المبحث الثلاثون: صلاة الجمعة.
المبحث الحادي والثلاثون: صلاة العيدين.
المبحث الثاني والثلاثون: صلاة الكسوف.
1 / 4
المبحث الثالث والثلاثون: صلاة الاستسقاء.
المبحث الرابع والثلاثون: صلاة الجنائز وةأحكامها.
وأسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا خالصًا لوجهه الكريم، مقربًا لمؤلفه، وقارئه، وطابعه، وناشره من جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة
١٤/ ٨/١٤٢١هـ
1 / 5
المبحث الأول: تعريف الطهارة وأنواعها
أولًا: مفهوم الطهارة:
١ - الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية.
٢ - شرعًا: ارتفاع الحدث بالماء أو التراب الطهورين المباحين، وزوال النجاسة والخبث، فالطهارة هي زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها (١).
ثانيًا: الطهارة نوعان: معنوية وحسية:
النوع الأول: الطهارة الباطنة المعنوية، وهي: الطهارة من الشرك والمعاصي، وتكون بالتوحيد والأعمال الصالحة، وهي أهم من طهارة البدن، بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن مع وجود نجس الشرك ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (٢)، وقال النبي ﷺ: «إن المؤمن لا ينجس» (٣)، فيجب على كل مُكلَّفٍ أن يُطَهّرَ قلبه من نجاسة الشّرك، والشَّكّ، وذلك بالإخلاص والتوحيد، واليقين. ويُطَهّر نفسه وقلبه من أقذار المعاصي، وآثار الحسد، والحقد، والغلّ، والغِشّ، والكبر، والعجب، والرّياء والسُّمعة ... وذلك بالتوبة الصادقة من جميع الذنوب والمعاصي. وهذه الطهارة هي شطر الإيمان والشطر الثاني هي الطهارة الحسية.
النوع الثاني: الطهارة الحسية: وهي الطهارة من الأحداث والأنجاس، وهذا هو شطر الإيمان الثاني، قال النبي ﷺ: «الطهور شطر الإيمان» (٤).
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ١/ ١٢،وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام لعبد الله البسام، ١/ ٨٧.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٢٨.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، برقم ٢٨٣، ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، برقم ٣٧١ من حديث أبي هريرة ﵁.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم ٢٢٣.
1 / 6
وتكون بما شرع الله من الوضوء، والغسل، أو التيمم عند فقد الماء. وزوال النجاسة أو إزالتها من اللّباس، والبدن، ومكان الصلاة (١).
ثالثًا: تكون الطهارة بطهورين:
الأول: الطهارة بالماء، وهي الأصل، فكلُّ ماءٍ نزل من السماء، أو خرج من الأرض وهو باقٍ على أصل خلقته فهو طهور، يُطهّر من الأحداث والأخباث، ولو تغير طعمه، أو لونه، أو ريحه بشيء طاهر، لقوله ﷺ: «إن الماء طَهورٌ لا ينجّسُهُ شيء» (٢)، ومن ذلك: ماء المطر، ومياه العيون، والآبار، والأنهار، والأودية، والثلوج الذائبة، والبحار، قال ﷺ في ماء البحر: «هو الطّهور ماؤه الحِلُّ ميتته» (٣).
أما ماء زمزم فقد ثبت من حديث علي ﵁: «أن رسول الله ﷺ دعا بسجلٍ من زمزم فشرب منه وتوضأ» (٤)، فإن تغير: لون الماء، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة فهو نجس بالإجماع يجب اجتنابه (٥).
_________
(١) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين،١/ ١٩،ومنهاج المسلم لأبي بكر الجزائري، ص١٧٠، وشرح عمدة الأحكام للمقدسي لسماحة العلامة ابن باز ص٢ مخطوط في مكتبتي الخاصة.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة، برقم ٦٧، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، برقم ٦٦، والنسائي في كتاب المياه، باب ذكر بئر بضاعة، برقم ٣٢٥، وصححه أحمد، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١٦.
(٣) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، برقم ٨٣، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، برقم ٦٩، والنسائي في كتاب المياه، باب الوضوء بماء البحر، برقم ٣٣١، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر، برقم ٣٨٦. وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١٩، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٤٨٠.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في «زوائد المسند» ١/ ٧٦، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، ١/ ٤٥، برقم ١٣، وتمام المنة، ص ٤٦.
(٥) انظر فتاوى ابن تيمية، ٢١/ ٣٠، وسبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني، ١/ ٢٢.
1 / 7
الثاني: الطهارة بالصعيد الطاهر، وهو بدل عن الطهارة بالماء، إذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة، أو بعضها لعدمه، أو خوف ضرر باستعماله فيقوم التراب الطاهر مقام الماء (١).
_________
(١) انظر: منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص ١٣.
1 / 8
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها
النجاسة: هي القذارة التي يجب على المسلم أن يتنزَّه عنها ويغسل ما أصابه منها، قال الله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ﴾ (١)، وقال سبحانه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهّرِينَ﴾ (٢)، ومن هذه النجاسات ما يأتي:
أولًا: بول الآدمي وغائطه، ويكون تطهيره بالغسل والإزالة على النحو الآتي:
١ - تطهير بول الغلام والجارية . قال النبي ﷺ: «بول الغلام يُنضَح (٣) وبول الجارية يُغْسَل» (٤) وهذا «ما لم يطعما، فإن طعما غُسِلا جميعًا» (٥).
٢ - تطهير النعل يكون بالدَّلك في الأرض؛ لقوله ﷺ: «إذا وَطِئَ أحدكم بنعليه الأذى؛ فإن التراب له طهور» (٦).
٣ - تطهير ذيل ثوب المرأة: يُطَهّرُهُ التراب، فقد ثبت عن النبي ﷺ أن
_________
(١) سورة المدثر، الآية: ٤.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٢٢.
(٣) النضح: هو البل بالماء والرش. فبول الغلام الذي لم يطعم ولم يأكل يكفي فيه أن يرش فيُتبع بالماء دون فرك ولا عصر حتى يشمله كله. انظر: النهاية في غريب الحديث، ٥/ ٦٩، والقاموس المحيط، ص٣١٣، والمصباح المنير، ٢/ ٦٠٩، والشرح الممتع، ١/ ٣٧٢.
(٤) أخرجه أحمد في المسند، ١/ ٧٦، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، برقم ٦١٠، والترمذي في كتاب الجمعة، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع، برقم ٦١٠، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم، برقم ٥٢٥. وصححه الألباني في إرواء الغليل، ١/ ١٨٨، برقم ١٦٦.
(٥) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، برقم ٣٧٨، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٧٦، برقم ٣٦٤، وأصل نضح بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام. متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، برقم ٢٢٣، ومسلم في كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، برقم ٢٨٧ من حديث أم قيس بنت محصن.
(٦) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الأذى يصيب النعل، برقم ٣٨٥، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٧٧، برقم ٣٧١.
1 / 9
المرأة إذا مشت في الطريق القذر، وبعده مكان طاهر أطيب منه، فإن ذيل ثوبها يطهر بذلك؛ ولهذا قال ﷺ: «يطهره ما بعده» (١).
٤ - تطهير الأرض والفراش، إذا أصاب البول أو الغائط الأرض أو الفراش، فإن الغائط يزال ويصب مكانه ماء، أما البول فيكاثر بالماء؛ ولهذا قال ﷺ في الأعرابي الذي بال في المسجد: «دعوه وأهريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (٢)، وتزال آثار الغائط والبول بالاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: دم الحيض، يُطهر بالدَّلْك والغسل، قال ﷺ في دم الحيض يصيب الثوب: «تَحتُّهُ، ثم تَقْرُصُه بالماء، ثم تَنْضَحُهُ، ثم تُصلي فيه» (٣).
ثالثًا: ولوغ الكلب في الإناء (٤)، قال ﷺ: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه
_________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الأذى يصيب الذيل، برقم ٣٨٣، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من الموطَئ، برقم ١٤٣.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، برقم ٢٢٠، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، برقم ٢٨٤.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب غسل الدم، برقم ٢٢٧، ومسلم في كتاب الطهارة، باب نجاسة الدم وكيفية غسله، برقم ٢٩١.
(٤) آسار البهائم، والحيوانات، والسباع فيه تفصيل: ولا شك أن السؤر: هو الفضلة وبقية الشراب أو الطعام. ومعلوم أن الحيوان قسمان: نجس وطاهر. فالقسم الأول نجس وهو نوعان: النوع الأول نجس قولًا واحدًا: وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهو نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه. النوع الثاني مختلف فيه، وهو الحمار الأهلي والبغل، وجوارح الطير: كالصقر والحدأة، وسباع البهائم: كالذئب، والنمر. والأسد. والراجح كما ذهب إليه أكثر أهل العلم أن آسار هذه الحيوانات طاهر؛ لأنه يشق التحرز منها غالبًا. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٥/ ٣٨٠، والمغني، ١/ ٦٨، والشرح الممتع، ١/ ٣٩٦. القسم الثاني: طاهر في نفسه وسؤره وعرقه وهو ثلاثة أنواع: النوع الأول الآدمي فهو طاهر وسؤره طاهر؛ لأن المؤمن لا ينجس، وحيضة المرأة ليست في يدها. النوع الثاني مأكول اللحم: طاهر وسؤره طاهر بالإجماع، إلا الجلاّلة مختلف في سؤرها، فتكون من النوع الثاني من القسم الأول، وتقدم الترجيح. النوع الثالث: الهرة سؤرها طاهر؛ لأنها من الطوافين. انظر: المغني لابن قدامة، ١/ ٦٤ - ٧٠، ومعلوم أن الحيوان نوعان: ما ليس له نفس سائلة، وما له نفس سائلة: النوع الأول: ما ليس له نفس سائلة، أي لا يسيل دمه إذا قتل أو جرح، وهو على قسمين: الأول: ما يتولد من الطاهر فهو طاهر، حيًا وميتًا: كالديدان، والذباب ونحو ذلك، ولكن الذباب إذا وقع في الإناء يغمس فيه؛ لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء. والثاني ما يتولد من النجس كالصراصير متولدة من نجاسة البالوعة فهو نجس حيًا وميتًا. النوع الثاني ما له نفس سائلة، وهو ثلاثة أقسام: الأول ما تباح ميتته وهو السمك والجراد، وجميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في الماء فهو طاهر حيًا وميتًا. الثاني ما لا تباح ميتته كحيوان البر المأكول، وحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والتمساح ونحو ذلك فهذا نجس بعد الموت. النوع الثالث: الآدمي طاهر حيًا وميتًا. المغني، ١/ ٥٩ - ٦٣، والشرح الممتع، ١/ ٧٤، و٧٧، و٣٧٨، و٣٩٣ - ٣٩٧.
1 / 10
الكلب أن يغسله سبع مرات أُولاهنَّ بالتُّراب»، وفي رواية: «فليرقه ...» الحديث (١).
رابعًا: الدم المسفوح ولحم الخنزير والميتة، ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ (٢).
وجلد الميتة - التي يؤكل لحمها في حياتها (٣) بعد ذكاتها - يطهر بالدباغ، كما قال ﷺ: «إذا دُبغ الإهاب فقد طَهُر» (٤).
_________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم ٢٧٩.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٤٥.
(٣) وسمعت سماحة شيخنا ابن باز ﵀ يقول أثناء شرحه على بلوغ المرام حديث رقم ٢٠: «واختلف في إهاب ما لا يؤكل لحمه هل يطهر بالدبغ أم لا فقيل: حديث الدباغ عام لجميع الجلود، حتى جلود السباع. وقيل: إنه خاص بما يؤكل لحمه، وأحسن الأقوال وأقربها، وأظهرها أن الدباغ خاص بما يؤكل لحمه، وإن كان القول الآخر قويًا. وانظر: فتاوى ابن تيمية، ٢١/ ٩٠ - ٩٦، والفتاوى الإسلامية، ١/ ٢٠٢، وتهذيب السنن، ٦/ ٦٤ - ٧٢، وزاد المعاد، ٥/ ٧٥٤ - ٧٥٦، والشرح الممتع، ١/ ٧٥.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، برقم ٣٦٦، وأما حديث عبد الله بن عكيم قال: إن النبي ﷺ، كتب إلينا «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»، أخرجه أحمد وأبو داود في كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة، برقم ٤١٢٨، والترمذي في كتاب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، برقم ١٧٢٩، والنسائي في كتاب الفرع، باب ما يدبغ به جلود الميتة، برقم ٤٢٤٩، وابن ماجه في كتاب اللباس، باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب، برقم ٣٦١٣. وصححه الألباني في الإرواء، ١/ ٧٦ - ٧٧. فهذا الحديث قيل فيه: إنه ضعيف، ولا يقابل الحديث الصحيح في مسلم، ولو صح وثبت أنه بعد حديث ميمونة لكان محمولًا على الإهاب قبل الدبغ، فحينئذ يحصل الجمع بينه وبين حديث ميمونة. ورجح هذا سماحة العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام، حديث رقم ٢٣،والعلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع،١/ ٧١،وانظر: التلخيص الحبير،١/ ٤٧.
1 / 11
أما ميتة الجراد والسمك، فقد جاء عنه ﷺ: «أُحلّ لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان الكبد والطحال» (١).
خامسًا: الوَدْيُ: ماء أبيض ثخين، يخرج كَدِرًا بعد البول، ويُطهّرُ بغسل الذكر، ثم الوضوء (٢)، وإذا أصاب البدن منه شيء غُسل.
سادسًا: المذي: وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير بالجماع أو عند الملاعبة، وهو من النجاسات التي يشق الاحتراز عنها فخُفّف تطهيره، فمن حصل له ذلك: «فليغسل ذكره وأنثييه (٣) وليتوضأ وضوءه للصلاة» (٤)، ويغسل ما أصاب البدن، ويرش كفًَّا من ماء على ما أصاب الثوب أو السراويل؛ لحديث سهل بن حنيف ﵁ (٥).
سابعًا: المني: هو ما يخرج دفقًا بِلَذَّةٍ، ويوجب الغسل، وهو طاهر على الصحيح (٦)، ولكن يستحب غسله إذا كان رطبًا، وفركه إذا كان يابسًا، فقد ثبت عن عائشة ﵂ أنها قالت لرجل يغسل ثوبه من المني:
_________
(١) أخرجه أحمد في المسند، ٢/ ٩٧، وابن ماجه في كتاب الصيد، باب صيد الحيتان والجراد، برقم ٣٢١٨، وفي كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم ٣٣١٤، والدارقطني في كتاب الأشربة وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، برقم ٤٦٨٧.
(٢) المغني لابن قدامة،١/ ٢٣٣،قال الإمام العلامة ابن باز: غسل الأنثيين خاص بالمذي دون الودي.
(٣) أنثييه: خصيتيه.
(٤) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المذي، برقم ٢٠٦، ٢٠٨،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤١، برقم ١٩٠ - ١٩٢، وأصله متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه، برقم ٢٦٩، ومسلم في كتاب الحيض، باب المذي، برقم ٣٠٣.
(٥) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المذي، برقم ٢١٠، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في المذي يصيب الثوب، برقم ١١٥، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من المذي، برقم ٥٠٦، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، ١/ ١٤٢.
(٦) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٣/ ١٩٧ - ١٩٩، وهو الذي يرجحه ويفتي به سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى.
1 / 12
«إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تَرَ نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله ﷺ فيصلّي فيه» (١)، وفي رواية: «وإني لأحكُّهُ من ثوب رسول الله ﷺ يابسًا بظفري» (٢)، وقالت: «إن رسول الله ﷺ كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه» (٣).
ثامنًا: الجلاّلة: وهي الدابة التي تأكل العذرة، فإذا حُبِست حتى يزول عنها اسم الجلاّلة فلحومها وألبانها طاهرة حلال بعد الحبس، فقد ثبت عن ابن عمر، ﵄، أنه قال: «نهى رسول الله ﷺ عن لحوم الجلاّلة وألبانها» (٤)، وكان ابن عمر إذا أراد أكل الجلاّلة حبسها ثلاثًا (٥)، وعنه يرفعه: «نهى عن الجلاّلة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها» (٦).
تاسعًا: الفأرة: إذا وقعت الفأرة في السمن - سواء كان مائعًا أو جامدًا - تُلْقَى وما حولها، فعن ميمونة ﵂، أن رسول الله ﷺ سُئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: «ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم» (٧)، هذا إذا لم يكن في السمن المتبقي أثر النجاسة في طعمه، أو لونه، أو رائحته، وإلا أُلقي ما تبقى، فيكون كالماء: إذا لم يتغير أحد
_________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم ٢٨٨.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم ٢٩٠.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم ٢٨٩.
(٤) أخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها، برقم ٣٧٨٥، والترمذي في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها، برقم ١٨٢٤، وابن ماجه في كتاب الذبائح، باب النهي عن لحوم الجلالة، برقم ٣١٨٩، وانظر: إرواء الغليل للألباني، ٨/ ١٤٩ - ١٥١.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة ولفظه: «أنه كان يحبس الدجاجة الجلاّلة ثلاثًا»، انظر: إرواء الغليل، ٨/ ١٥١، برقم ٢٥٠٥.
(٦) أخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها، برقم ٣٧٨٧.
(٧) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، برقم ٢٣٥، ورقم ٥٥٣٨، و٥٥٣٩، و٥٥٤٠.
1 / 13
أوصافه بنجاسة فهو طهور والله أعلم (١).
عاشرًا: بول وروث ما لا يؤكل لحمه نجس؛ لحديث جابر ﵁: «نهى رسول الله ﷺ أن يُتمسح بعظم أو ببعر» (٢)، وثبت أنه ﷺ امتنع من الاستجمار بالروث، وقال: «هذا ركس» (٣).
أما بول وروث مأكول اللحم فطاهر؛ لأمر النبي ﷺ الصحابة بالشرب من بول الإبل (٤)، ولهذا كان النبي ﷺ: «يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبني المسجد» (٥).
الحادي عشر: إذا كان في الثوب أو البدن أو البقعة نجاسة، وذكرها المصلي في الصلاة أو بعد الصلاة؛ فإن ذلك فيه تفصيل:
١ - إذا ذكر ذلك وهو في الصلاة، أزال النجاسة، أو ألقى ما عليه نجاسة بشرط عدم كشف العورة، واستمر في صلاته، وصلاته صحيحة.
٢ - إذا لم يستطع إزالتها أثناء الصلاة بحيث لو ألقى ما عليه النجاسة انكشفت عورته، أو كانت النجاسة على بدنه، فحينئذ ينصرف من صلاته ثم يزيل النجاسة ثم يعيد الصلاة.
٣ - إذا ذكر بعد الانصراف من الصلاة أنه صلى في ثوب فيه نجاسة، أو صلى على بقعة فيها نجاسة، أو صلى وفي جسده نجاسة، فصلاته
_________
(١) انظر فتاوى ابن تيمية، ٢١/ ١٩ - ٢١ و٣٨ - ٣٩، و٤٨٨ - ٥٠٢، ورجح هذا القول ابن باز في شرح بلوغ المرام، مخطوط.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم ٢٦٣.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا يستنجى بروث، رقم ١٥٦.
(٤) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم ٢٣٣، ومسلم في كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين، برقم ١٦٧١.
(٥) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم ٢٣٤، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ابتناء مسجد النبي ﷺ،برقم ٥٢٤، وانظر: شرح العمدة «كتاب الطهارة» لابن تيمية، ص١٠٨.
1 / 14
صحيحة، ويدل على ذلك كله حديث أبي سعيد الخدري ﵁، حيث قال: صلّى بنا رسول الله ﷺ ذات يوم، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته ﷺ قال: «ما بالكم ألقيتم نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال ﷺ: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا - أو قال أذى - فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذرًا -أو قال: أذىً - فليمسحهما وليصلّ فيهما» (١).
وهذا خاص بإزالة النجاسة، أما من صلَّى وذكر وهو في صلاته أو بعد الانصراف منها أنه على غير وضوء، أو ذكر أنَّ عليه جنابة؛ فإنَّ صلاته باطلة من أولها؛ سواء ذكر أثناء الصلاة أو بعد الانصراف منها، وعليه أن يرفع الحدث ثم يُعيد الصلاة؛ لقوله ﷺ: «لا تُقبل صلاة بغير طهور ...» (٢).
الثاني عشر: الخمر: جماهير العلماء على أن الخمر نَجِسَة العين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى: «... والمائعات المسكّرة كلها نَجِسة؛ لأنَّ الله سمَّاها رِجسًا، والرّجس هو القَذِر والنّجس الذي يجب اجتنابه، وأمر باجتنابه مطلقًا وهو يَعُمُّ الشُّرب، والمسّ وغير ذلك، وأمر بإراقتها ولعن النبي ﷺ عينها ...» (٣) وقال الشنقيطي ﵀: «وجماهير العلماء على أن الخمر نّجِسَة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة، والليث، والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره، واستدلُّوا
_________
(١) أخرجه أحمد في المسند، ٣/ ٢٠، ٩٢، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم ٦٥٠، وصححه الألباني في الإرواء، برقم ٢٨٤.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم ٢٢٤.
(٣) شرح العمدة في الفقه، (كتاب الطهارة)، لشيخ الإسلام، ص ١٠٩.
1 / 15
لطهارة عينها بأنَّ المذكورات معها في الآية (١): من مال مَيْسرَ، ومال قِمَار، وأَنْصاب، وأزْلام ليست نجسة العين وإن كانت محرمة الاستعمال، وأُجيب من جهة الجمهور بأنَّ قوله: ﴿رجس﴾ يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لايسقط الاحتجاج به في الباقي كما هو مقرر في الأصول .. وعلى هذا فالمسكّر الذي عمَّت به البلوَى اليوم بالتَّطيُّب به المعروف في اللّسان الدارج: (بالكلونيا) نجس لا تجوز الصَّلاة به، ويُؤَيّدُهُ أنَّ قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكّر، وما معه في الآية بوجهٍ من الوجوه .. فلا يخفى على منصف أن التضمخ بالطيب المذكور والتّلذُّذ بريحه واستطابته واستحسانه - مع أنه مسكر، والله يُصَرّحُ في كتابه بأنَّ الخمر رجس - فيه ما فيه، فليس لمسلم أن يتطيب بما سمع ربه يقول فيه: ﴿إنَّهُ رِجْسٌ﴾ كما هو واضح، ويُؤَيّدُهُ أنّه ﷺ، أمر بإراقة الخمر، فلو كانت فيها منفعة أخرى لبيّنها كما بيَّن جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولَما أراقها (٢).
الثالث عشر: والخلاصة: أنَّ الأصل في الأشياء: الطَّهارة والإباحة، فإذا شكَّ المسلم في نجاسة ماء، أو ثوب، أو بُقعة أو غيرها فهو طاهر، وكذلك إذا تيقَّن الطهارة ثم شك هل تنجس أم لا؟ بنى على ما تَيَقَّنَهُ من طهارةٍ، وكذلك إذا تَيقَّن النجاسة وشكَّ في الطهارة بنى على ما تيقَّنه،
_________
(١) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. المائدة، الآية: ٩٠.
(٢) أضواء البيان في إيضاح القرآن، ٢/ ١٢٩، بتصرف يسير جدًا، وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، ١/ ٣٦٦، فقد رجح عدم النجاسة. أما سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، فيرجح ما يراه الجمهور، وأن الخمر نجسة، ولا يجوز التطيب بالمسكر؛ ولأن التطيب به وسيلة إلى استخدامه وبيعه وشرائه وشربه.
1 / 16
وكذلك إذا تيقَّن الحدث وشكَّ في زواله بنى على ما تيقّنه، وإذا شكَّ في عدد الركعات، أو الأطواف، أو الطلقات بنى على اليقين وهو الأقل، وهذه قاعة عظيمة وهي استصحاب الحال المعلوم واطّراح الشكّ (١)؛ ولهذا قال ﷺ، للرجل الذي يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» (٢).
الرابع عشر: وجميع الأواني مباحة؛ لأن الأصل فيها الإباحة (٣) إلا ما خصَّه الدليل بالتَّحريم، كآنية الذَّهب والفضّة وما فيه شيء منهما - إلا الضبَّة اليسيرة من الفضة في الإناء للحاجة (٤) -؛ لقوله ﷺ: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (٥).
_________
(١) انظر: شرح العمدة «كتاب الطهارة» لابن تيمية، ص٨٣، ومنهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين لعبد الرحمن السعدي، ص٦.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، برقم ٢٣٧، ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك فله أن يصلي بطهارته تلك، برقم ٣٦١.
(٣) حتى آنية الكفار سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم؛ لأن الله أحل لنا ذبائح أهل الكتاب؛ ولأن النبي ﷺ أكل من الشاة المسمومة التي أهديت له في خيبر، واستعمل الماء من مزادة امرأة مشركة، وأما حديث أبي ثعلبة عند البخاري، برقم ٥٤٩٦، ومسلم، برقم ١٩٣٠: أن النبي ﷺ قال: «لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها»، فرجح سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى أن الأمر بالغسل للاستحباب، إلا إذا رأى المسلم أثر الخمر أو لحم الخنزير في الإناء وجب عليه أن يغسله. وانظر: الشرح الممتع، ١/ ٦٩.
(٤) لحديث أنس ﵁: «أن قدح النبي ﷺ انكسر فاتخذ مكان الشَّعْب سلسلة من فضة» أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي ﷺ، برقم ٣١٠٩، وفي كتاب الأشربة، باب الشرب من قدح النبي ﷺ وآنيته، برقم ٥٦٣٨. وانظر: الشرح الممتع، ١/ ٦٤.
(٥) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، باب الأكل من إناء مفضض، برقم ٥٤٢٦، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، برقم ٢٠٦٧.
1 / 17
المبحث الثالث: سنن الفطرة
الفطرة المقصودة في هذا المبحث: هي السُّنَّة عند أكثر أهل العلم.
قالوا: والمعنى: إنها من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا شكَّ أنّ بعض الخصال واجبة وبعضها مُستحبة، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره (١)، ومن هذه الخصال ما يلي:
١ - الختان: وهو قطع جميع الجلدة التي تُغطّي حشفة الرجل حتى تنكشف جميع الحشفة، وأما المرأة فَيُقطع الجزء الأعلى من اللَّحمة التي كالنَّواة، وهي تُشبه عُرف الدّيك، وهي في أعلى الفرج فوق محل الإيلاج، ويُستحبُّ أن لا تُؤخذ كُلُّها؛ لأنَّ المقصود تقليل شهوتها (٢)؛ لقوله ﷺ لبعض الختَّانات في المدينة: «إذا خفضت (٣) فأشمّي (٤) ولا تنهكي (٥) فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج» (٦).
والختان يجب على الرجال، ويُستحب في حق النساء على الصحيح من أقوال أهل العلم (٧)؛ ولهذا «اختتن إبراهيم ﵇ وهو ابن ثمانين سنة
_________
(١) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٣/ ١٤٨، وفتح الباري، ١٠/ ٣٤٠، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، ٣/ ٤٥٧، والمغني لابن قدامة ١/ ١١٤، ومعالم السنن، ٦/ ١٠١.
(٢) انظر: المراجع السابقة، نفس الجزء والصفحة، والروض المربع بحاشية ابن القاسم، ١/ ١٦٠، والشرح الممتع، ١/ ١٣٤.
(٣) الخفض للنساء كالختان للرجال، انظر: النهاية في غريب الحديث، ٢/ ٥٤.
(٤) شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنهك بالمبالغة فيه؛ أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها، النهاية، ٢/ ٥٠٣، و٥/ ١٣٧.
(٥) أي: لا تبالغي في استقصاء الختان. النهاية في غريب الحديث، ٥/ ١٣٧.
(٦) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه، (٥/ ٣٢٧، ٣٢٨)، والطبراني في الأوسط، واللفظ للطبراني، وذكره الهيثمي في المجمع، ٥/ ١٧٥، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن، وذكر الألباني له طرقًا كثيرة، وقال: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح، والله أعلم. انظر: سلسة الأحاديث الصحيحة، ٢/ ٣٥٧. وعند أبي داود بلفظ: «لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل» في كتاب الأدب، باب ما جاء في الختان، برقم ٥٢٧١.
(٧) انظر: المغني لابن قدامة، ١/ ١١٥، والشرح الممتع، ١/ ١٣٣، وشرح النووي، ٣/ ١٤٨، والفتح، ١٠/ ٣٤٠، وشرح العمدة، ص٢٤٣. وهو الذي يفتي به شيخنا العلامة ابن باز.
1 / 18
بالقَدُّوم» (١)؛ ولحديث: «ألقِ عنك شعر الكُفر واختتن» (٢).
٢ - حلق العانة
٣ - نتف الإبط
٤ - تقليم الأظفار
٥ - قصُّ الشَّارب. وهو واجب (٣)؛ لحديث أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: «الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقصّ الشَّارب» (٤). وقد وقَّت النبي ﷺ أكثر المُدَّة التي تُتْرَك فيها هذه الخصال، قال أنس ﵁: «وُقّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» (٥).
٦ - إعفاء اللحية. وهو واجب؛ لحديث ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «خالفوا المشركين، وفّروا اللحى وأَحفوا الشَّوارب» (٦). وعن أبي هريرة ﵁ يرفعه: «جُزُّوا الشوارب وأرخوا اللّحَى، خالفوا
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ برقم ٣٣٥٦، ومسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل ﵇، برقم ٢٣٧٠. ووقع في رواية البخاري بتشديد الدال، بينما وقع في رواية مسلم بتخفيفها. انظر: حاشية صحيح مسلم،
٢/ ١٨٣٩.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، برقم ٣٥٦، وحسنه الألباني في الإرواء، برقم ٧٩.
(٣) لحديث زيد بن أرقم ﵁: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا»، ويأتي تخريجه تحت عنوان: إعفاء اللحية.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قص الشارب، برقم ٥٨٨٩، ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم ٢٥٧.
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، رقم ٢٥٨،والنسائي، وفيه: «وقّت لنا النبي ﷺ».
(٦) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار، برقم ٥٨٩٢، ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم ٢٥٩.
1 / 19
المجوس» (١). ومن حديث ابن عمر يرفعه: «أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى» (٢). وقد جاء الوعيد فيمن لم يأخذ من شاربه، ففي حديث زيد بن أرقم ﵁: «من لم يأخذ من شاربه فليس منَّا» (٣).
٧ - السّواك: يُستحب السّواك في جميع الأوقات؛ لحديث عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «السّواك مطهرةٌ للفمّ مرضاةٌ للرّبّ» (٤).
ويتأكد استحباب السّواك في عدة أحوال:
الأول: عند الانتباه من النَّوم؛ لحديث حذيفة ﵁ قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يَشُوصُ فاهُ بالسّواك» (٥).
الثاني: عند كل وضوء؛ لحديث أبي هريرة ﵁،عن النبي ﷺ أنه قال: «لولا أن أشقَّ على أُمتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ وضوء» (٦).
الثالث: عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: «لولا أن أشقَّ على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسّواك مع كلّ
_________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم ٢٦٠.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب إعفاء اللحى، برقم ٥٨٩٣، ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم ٢٥٩، واللفظ للبخاري.
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في قص الشارب، برقم ٢٧٦١، والنسائي في كتاب الطهارة، باب قص الشارب، برقم ١٣، وأحمد، ٤/ ٣٦٦، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ١/ ٥، وصحيح الجامع، برقم ٦٤٠٩.
(٤) أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم ٥، والبخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، وصححه الألباني في الإرواء، برقم ٦٦، وفي صحيح النسائي، ١/ ٤.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب السواك، برقم ٢٤٥، ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم ٢٢٥.
(٦) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الصيام، باب السواك الرطب واليابس للصائم،
(٤/ ١٥٨ مع فتح الباري)، ومالك في الموطأ في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك، برقم ١١٥، وأحمد،٢/ ٤٣٣، برقم ٤٠٠ و٤٦٠ أحمد شاكر، وصححه ابن خزيمة، وغيرهم.
1 / 20