فالحديث الأول عام إذ أنه يتناول ما بلغ خمسة أوسق وما لم يبلغها، ويقتضي ظاهره وجوب الزكاة في الجميع. والحديث الثاني خاص إذ أنه لا يتناول إلا ما لم يبلغ خمسة أوسق، ويقتضي ظاهره عدم وجوب الزكاة فيه. فاختلف حكم الحديثين فيما دون خمسة أوسق، حيث اقتضى الأول وجوب الزكاة فيه والثاني عدمه. وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى تخصيص العام بالخاص١. وذهب الحنفية إلى التوقف بقدر الخاص إلى ظهور دليل يرجح أحدهما على الآخر ويؤخر المحرم٢.
الأدلة:
استدل الجمهور على التخصيص في هذه الحالة بالدليل الآتي: إذا ورد خبران وجهل التاريخ بينهما، وجب حملهما على أنهما وردا معًا. كما إذا جهل الاقتران في الغريقين، حيث يحمل أمرهما على أنهما غرقا معًا ولا يقدم أحدهما على الآخر٣.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن اعتبار الغريقين أنهما غرقا معًا ليس متفقًا عليه حتى يقاس عليهما الخبران اللذان جهل تأريخهما. لأن من الصحابة ﵃ من جعل كل واحد منهما كأنه لم يوجد أبدا فقضى بعدم التوارث بينهما٤ وما ذلك إلا لاشتباه حالهما.
فإذا كان الخبران مجهولا التأريخ يقاسان على الغريقين اللذين لم يعرف اقتران غرقهما من جهة اعتبارهما غرقا معًا نظرًا إلِى أن بعض الصحابة ﵃ ورثا كلا منهما من الآخر٥ فإن الخبرين يقاسان أيضًا على الغريقين من جهة اشتباه حالهما والتوقف في أمرهما نظرًا إلى أن بعض الصحابة ﵃ لم يورث أحدهما من الآخر.