216

Taʿaddud al-khulafāʾ wa-waḥdat al-umma fiqh-an wa-tārīkh-an wa-mustaqbal-an

تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا

Genres

لظهر أثرها على فتاوى الفقهاء بجواز تعدد الخلفاء، ولَمَا نقلوا الإجماع على عدم جواز تعددهم!!، إلا أن نعتبر أن هذا الاتفاق ليس إقرارًا بجواز التعدد، بقدر ما هو قَبولٌ بأمرٍ واقعٍ لم يمكن إزالته بكل الوسائل فهو قَبولٌ مبني على الضرورة.
وقد وردت أخبار موضوعة تروي مثل هذا (١).
ثم إنَّ معاوية ﵁ لم يدَّع الخلافة قبل واقعة التحكيم، ولم يكن يعلن إلا المطالبة بقتلة عثمان ﵁، وبعد حادثة التحكيم تمكن من أن يعلن نفسه خليفة ويُبايَع بذلك، وهذا الإعلان مبني على حكم الواقع، لا على حكم الشرع، وليس هذا دليلًا شرعيًا على جواز التعدد، وخاصة إذا لاحظنا أن أبا موسى الأشعري قد عزل عليًا ﵁ عن الخلافة فاهتبلها عمرو بنُ العاص فرصةً فأعلن تثبيت ولاية معاوية (٢).
وقد اعتبر كثير من العلماء أن معاوية ﵁ كان باغيًا، ولم يقولوا إنه كان إمامًا مع علي ﵁ (٣).
ويقول رشيد رضا مستدلًا على التعدد - بعد أن نقل قول صديق حسن خان في التعدد -: «هذا أَوْجَهُ تفصيلٍ قيل في جواز التعدد للضرورة وهو اجتهاد وجيه ويشبهه عند بعض الأئمة تعدد الجمعة في البلد الواحد، فالأصل في الشرع أن يجتمع أهل البلد كلهم في مسجد واحد لأن للشارع حكمة جليلة في الاجتماع، فإن تعددت فالجمعة للسابق، والمتأخر لا يعتد بجمعته، فمتى علم أنها أقيمت في مسجد لم يجز أن تقام ثانية فيه ولا في غيره من ذلك البلد، وجوَّز التعددَ للضرورة بقدرها

(١) ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب: ١/ ٤١١ أن حوشب الحميري نادى عليًا يوم صفين فقال: «يا ابن أبي طالب فإنا ننشدك الله في دمائنا ودمك ونخلى بينك وبين عراقك وتخلى بيننا وبين شامنا وتحقن دماء المسلمين. فقال علي ﵁: هيهات يا ابن أم ظليم والله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت ولكان أهون علي في المؤونة، ولكن الله لم يرض من أهل القرآن بالسكوت والإدهان إذا كان الله يعصى وهم يطيقون الدفاع والجهاد حتى يظهر أمر الله». وفيه نصر بن مزاحم وهو واهي الحديث، متروك، كذاب، غال في الرفض (انظر في جرحه: أحوال الرجال للجوزجاني: ١/ ٨٢. والجرح والتعديل للرازي: ٨/ ٤٦٨. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي: ٣/ ١٦٠. وغيرهم). والحديث روي في حلية الأولياء للأصبهاني: ١/ ٨٥ بسند فيه نصر بن مزاحم أيضًا. وانظر أيضًا: صفين لنصر بن مزاحم: ص ٤٧٤.
(٢) وقعة صفين لنصر بن مزاحم: ص ٨٢. العواصم من القواصم لابن العربي: ص ١٧٧ - ١٧٨. الصواعق المحرقة للهيتمي: ص ٢١٦. سير أعلام النبلاء للذهبي: ٣/ ١٤٠. الطبقات الكبرى لابن سعد: ٣/ ٣٣.
(٣) انظر ص (٧٨) الحاشية (١) من هذه الأطروحة.

1 / 216