إن المعدن الجيد يدلّ على نفسه بنفسه، والفاكهة الصالحة يدلُّ على صلاحها لونها وشكلها ورائحتها وطعمها، والمصباح الرائع ضوؤه يهدي إليه (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) [النور: ٣٥] .
بعض الناس لم يحتج إلى برهان ودليل ليستدل بذلك على صدق الرسول ﷺ، لأنّ شخصه وحياته وسيرته هي أعظم دليل، ومن هؤلاء أبو بكر الصديق، فإنّ الرسول ﷺ عندما دعاه لم يتردد. ونظر عبد الله بن سلام في وجه الرسول ﷺ نظرة واحدة، ولكنَّها كانت كافية لتدلّه على أنّ هذا وجه صادق ليس بكاذب، قدم الرسول ﷺ المدينة، وخرج عبد الله ابن سلام عالم اليهود مع الخارجين ينظر في وجه الرسول ﷺ قال: " فلما رأيت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب " (١) .
وخديجة التي عرفت الرسول زوجًا وخالطته عن قرب قبل أن تعرفه نبيًا رسولًا، لم تتردد في أنّ الله لن يخزيه أبدًا، ولن يصيبه ضير، ذلك أنّ سنة الله في أمثال الرسول ﷺ أن يكرّموا ويشّرفوا، ولذلك قالت له عندما جاءها قائلًا: " لقد خشيت على نفسي " وذلك بعد أن فجأه الوحي في غار حراء قالت: " كلاّ والله لا يخزيك الله أبدًا، إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " (٢) .
هرقل وأبو سفيان:
وقد أعمل هرقل ملك الروم عقله وفكره وعلمه بأحوال الرسل وصفاتهم، فاهتدى إلى أنّ محمدًا مرسل من ربّه، ولكنه لم يؤمن ضنًّا بملكه.
أرسل الرسول ﷺ إلى ملوك الأرض في عصره يدعوهم إلى الإسلام، وكان هرقل ملك الروم من هؤلاء الذين أرسل إليهم، فلما جاءه كتاب الرسول ﷺ