The Jurisprudential Summary
الملخص الفقهي
Publisher
دار العاصمة،الرياض
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٣هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
المجلد الأول
مقدمة
...
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فهذا ملخص في الفقه، مقرون بأدلته من الكتاب والسنة، كنت ألقيته في الإذاعة على حلقات، وقد تكرر الطلب ممن سمعوه وألحوا علي بطباعته، ليبقى الانتفاع به إن شاء الله، وما كنت أنوي ذلك حال إعداده، ولكن نزولًا عند رغبة الكثير، أعدت النظر فيه، ورتبته، وقدمته للطباعة.
وها هو بين يديك أيها القارئ الكريم، فما وجدت فيه من صواب وفائدة، فالفضل فيه راجع إلى الله وحده، وما وجدت فيه من خطأ، فهو مني، وأستغفر الله.
وقد لخصته من كتاب "شرح الزاد/ الروض المربع"، ومن
1 / 5
حاشيته، للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مع بعض التنبيهات مني إذا مرت مناسبة.
هذا، وأسأل الله ﷾ أن يوفقنا جميعا للعم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
1 / 6
فضل التفقه في الدين
فضل التفقه في الدين
...
فضل التفقه في الدين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير:
قال ﷺ: "من يرد به خيرًا، يفقهه في الدين"، وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ﴾، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح.
1 / 7
وقد أمر الله سبحانه نبيه ﷺ أن يسأله الزيادة من العلم:
قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ .
قال الحافظ ابن حجر: "وهذا واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله لم يأمر نبيهصلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء، إلا من العلم، وقد سمى النبي ﷺ المجالس التي يتعلم فيها العلم النافع ب "رياض الجنة"، وأخبر أن العلماء هم ورثة الأنبياء.
ولا شك أن الإنسان قبل أن يقدم على أداء عمل ما، لا بد أن يعرف الطريقة التي يؤدي بها العمل على وجهه الصحيح، حتى يكون هذا العمل صحيحا، مؤديا لنتيجة التي ترجى من ورائه، فكيف يقدم الإنسان على عبادة ربه التي تتوقف عليها نجاته من النار ودخوله الجنة، كيف يقدم على ذلك بدون علم؟!.
ومن ثم افترق الناس بالنسبة للعلم والعمل ثلاث فرق:
الفريق الأول: الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، وهؤلاء قد هداهم الله صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
الفريق الثاني: الذين تعلموا النافع ولم يعملوا به، وهؤلاء هم المغضوب عليهم من اليهود ومن نحا نحوهم.
1 / 8
الفريق الثالث: الذين يعلمون بلا علم، وهؤلاء هم أهل الضلال من النصارى ومن نحا نحوهم.
ويشمل هذه الفرق قوله تعالى في سورة الفاتحة التي نقرؤها في كل ركعة من صلواتنا: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ .
قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀: وأما قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾، فالمغضوب عليهم هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون العاملون بلا علم، فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى ضالون، ظن الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يقرأ أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق هذه الصفات!!، فيا سبحان الله! كيف يعلمه الله ويختار له ويفرض عليه أن يدعو ربه دائما، مع أته لا حذر عليه منه، ولا يتصور أن فعله هذا هو ظن السوء بالله؟! " انتهى كلام الشيخ ﵀.
وهو يبين لنا الحكمة في فريضة قراءة هذه السورة العظيمة سورة
1 / 9
الفاتحة في كل ركعة من صلاتنا، فرضها، ونفلها، لما تشمل عليه من الأسرار العظيمة، التي من جملتها هذا الدعاء العظيم: أن يوفقنا الله لسلوك طريق أصحاب العلم النافع والعمل الصالح، الذي هو النجاة في الدنيا والآخرة، وأن يجنبنا طريق الهالكين، الذين فرطوا بالعمل الصالح أو بالعلم النافع.
ثم اعلم أيها القارئ الكريم أن العلم النافع إنما يستمد من الكتاب والسنة، تفهما وتدبرًا، مع الاستعانة على ذلك بالمدرسين الناصحين وكتب التفسير وشرح الحديث وكتب الفقه وكتب النحو واللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، فإن هذه الكتب طريق لفهم الكتاب والسنة.
فواجب عليك يا أخي المسلم ليكون عملك صحيحا أن تتعلم ما يستقيم به دينك، من صلاتك وصومك وحجك، وتتعلم أحكام زكاة مالك، وكذلك تتعلم من أحكام المعاملات ما تحتاج إليه، لتأخذ منها ما أباح الله لك، وتتجنب منها ما حرم الله عليك، ليكون كسبك حلالًا، وطعامك حلالًا، لتكون مجاب الدعوة، كل ذلك مما تمس حاجتك إلى تعلمه، وهو ميسور بإذن الله متى ما صحت عزيمتك وصلحت نيتك.
فاحرص على قراءة الكتب النافعة، واتصل بالعلماء، لتسألهم عما أشكل عليك، وتتلقى عنهم أحكام دينك، وكذلك تعنى بحضور الندوات والمحاضرات الدينية
1 / 10
التي تقام في المساجد وغيرها، وتستمع إلى البرامج الدينية من الإذاعة، وتقرأ المجلات الدينية والنشرات التي تعني بمسائل الدين، فإذا حرصت وتتبعت هذه الروافد الخيرية، نمت معلوماتك، واستنارت بصيرتك.
ولا تنس يا أخي أن العلم ينمو ويزكو مع العمل، فإذا علمت، زادك علما، كما تقول الحكمة المأثورة: "من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم"، ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
والعلم أحق ما تصرف فيه الأوقات، ويتنافس في نيله ذوو العقول، فبه تحيا القلوب وتزكو الأعمال.
ولقد أثنى الله جل ذكره وتقدست أسماؤه على العلماء العاملين، من شأنهم في كتابه المبين.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ .
وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾؛ فبين ﷾ ميزة الذين أوتوا العلم المقرون الإيمان، ثم أخبر أنه خبير بما نعمله، ومطلع عليه؛ ليدلنا على أنه لابد من العلم والعمل معا، وأن يكون كل ذلك صادرًا عن الإيمان ومراقبة الله سبحانه.
ونحن عملًا بواجب التعاون على البر والتقوى سنقدم لك بحول
1 / 11
الله من خلال هذا الكتاب بعض المعلومات من الرصيد الفقهي الذي استنبطه لنا علماءنا ودونوه في كتبهم، سنقدم لك ما تيسر من ذلك، لعله يكون دافعا لك على الاستفادة والاستزادة من العلم النافع.
ونسأل الله أن يمدنا وإياك بالعلم النافع، ويوفقنا للعمل الصالح، ونسأله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب.
1 / 12
كتاب الطهارة
باب في أحكام الطهارة والمياه
إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، وأول ما يحاسب عنه العبد، فإن صحت وقبلت؛ قبل سائر عمله، وإن ردت؛ رد سائر علمه.
وقد ذكرت الصلاة في مواطن كثيرة من القرآن الكريم على صفات متنوعة؛ فتارة يأمر الله بإقامتها، وتارة يبين مزيتها، وتارة يبين ثوابها، وتارة يقرنها مع الصبر ويأمر بالاستعانة بهما على الشدائد.
ومن ثم كانت قرة عين الرسول ﷺ من هذه الدنيا؛ فهي حلية النبيين، وشعار الصالحين، وهي صلة بين العبد وبين رب العالمين، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ولما كانت هذه الصلاة لا تصح إلا بطهارة المصلي من الحدث والنجس حسب القدرة على ذلك، وكانت مادة التطهر هي الماء أو ما يقوم مقامه من التيمم عند عدم الماء؛ صار الفقهاء ﵀ يبدؤون بكتاب الطهارة؛ لأنها لما قدمت الصلاة بعد الشهادتين على غيرها من بقية
1 / 15
أركان الإسلام؛ ناسب تقديم مقدماتها، ومنها الطهارة، فهي مفتاح الصلاة؛ كما في الحديث: "مفتاح الصلاة الطهور"، وذلك لأن الحدث يمنع الصلاة؛ فهو كالقفل يوضع على المحدث، فإذا توضأ؛ انحل القفل.
فالطهارة أوكد شروط الصلاة، والشرط لا بد أن يقدم على المشروط.
ومعنى الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية.
ومعناها شرعا: ارتفاع الحدث وزوال النجس.
وارتفاع الحدث يحل باستعمال الماء مع النية في جميع البدن إن كان حدثا أكبر، أو في الأعضاء الأربعة إن كان حدثا أصغر، أو استعمال ما ينوب عن الماء عند عدمه أو العجز عن استعماله وهو التراب على صفة مخصوصة، وسيأتي إن شاء الله بيان لصفة التطهر من الحدثين.
وغرضنا الآن بيان صفة الماء الذي يحصل به التطهر والماء الذي لا يحصل به ذلك.
قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ .
1 / 16
والطهور هو الطاهر في ذاته المطهر لغيره، وهو الباقي على خلقته أي صفته التي حلق عليها، سواء كان نازلًا من السماء كالمطر وذوب الثلوج والبرد، أو جاريا في الأرض كماء الأنهار والعيون والآبار والبحار، أو كام مقطرًا.
فهذا هو الذي يصح التطهر به من الحدث والنجاسة، فإن تغير بنجاسة؛ لم يجز التطهر به؛ من غير خلاف وإن تغير بشيء طاهر لم يغلب عليه؛ فالصحيح من قولي العلماء صحة التطهر به أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات؛ كالإشنان، والصابون، والسدر، والخطمي، والتراب، والعجين ... وغير ذلك مما قد يغير الماء، مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر أو خطمى، ووضع فيه ماء، فتغير به، مع بقاء اسم الماء؛ فهذا فيه قولان معروفان للعلماء".
ثم ذكرها مع بيان وجه كل قول، ورجح القول بصحة التطهر به، وقال: "هو الصواب؛ لأن الله سبحانه تعالى قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾، وقوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ نكرة في سياق النفي، فيعم كل ما هو ماء، لا فرق في ذلك بين نوع ونوع" انتهى.
فإذا عدم الماء، أو عجز عن استعماله مع وجوده؛ فإن الله قد جعل
1 / 17
بدله التراب، على صفة لاستعماله بينها النبي ﷺ في سنته، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله في بابه.
وهذا من لطف الله بعباده، ورفع الحرج عنهم، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ .
قال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أن الطهارة بالماء تجب على كل من لزمته الطهارة مع وجوده فإن عدمه؛ فبدله؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾، ولقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ انتهى.
وهذا مما يدل على عظمة هذا الإسلام، الذي هو دين الطهارة والنزاهة الحسية والمعنوية، كما يدل ذلك على عظمة هذه الصلاة، حيث لم يصح الدخول فيها بدون الطهارتين: الطهارة المعنوية من الشرك، وذلك بالتوحيد وإخلاص العبادة لله، والطهارة الحسية من الحدث والنجاسة، وذلك يكون بالماء أو ما يقوم مقامه.
واعلم أن الماء إذا كان باقيا على خلقته، لم تخالطه مادة أخرى؛ فهو طهور بالإجماع، وإن تغير أحد أوصافه الثلاثة ريح أو طعمه أو لونه بنجاسة؛ فهو نجس بالإجماع، لا يجوز استعماله، وإن تغير أحد أوصافه بمخالطة مادة طاهرة كأوراق الأشجار
1 / 18
أو الصابون أو الإشنان والسدر أو غير ذلك من المواد الطاهرة، ولم يغلب ذلك المخالط عليه؛ فلبعض العلماء في ذلك تفاصيل وخلاف، والصحيح أنه طهور، يجوز التطهر به من الحدث، والتطهر به من النجس.
فعلى هذا؛ يصح لنا أن نقول:
إن الماء ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: طهور يصح التطهر به، سواء كان باقيا على خلقته أو خالطته مادة طاهرة لم تغلب عيه ولم تسلبه اسمه.
القسم الثاني: نجس لا يجوز استعماله؛ فلا يرفع الحدث، ولا يزيل النجاسة، وهو مما تغير بالنجاسة.
والله تعالى أعلم.
1 / 19
باب في أحكام الآنية وثياب الكفار
الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره، سواء كانت من الحديد أو الخشب أو الجلود أو غير ذلك.
والأصل فيها الإباحة، فيباح استعمال واتخاذ كل إناء طاهر، ما عدا نوعين، هما:
١" إناء الذهب والفضة، والإناء الذي فيه ذهب أو فضة، طلاء أو تمويها أو غير ذلك من أنواع جعل الذهب والفضة في الإناء، ما عدا اليسيرة من الفضة تجعل في الإناء للحاجة إلى إصلاحه.
ودليل تحريم إناء الذهب والفضة قولهصلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"، رواه الجماعة،
1 / 20
وقوله ﷺ: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"، متفق عليه، والنهي عن الشيء يتناوله خالصا أو مجزءًا، فيحرم الإناء المطلي أو المموه بالذهب أو الفضة أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة، ما عدا الضبة اليسيرة من الفضة كما سبق؛ بدليل حديث أنس ﵁: "أن قدح النبي ﷺ انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة"، رواه البخاري.
قال النووي ﵀: "انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها، وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع". انتهى.
وتحريم الاستعمال والاتخاذ يشمل الذكور والإناث؛ لعموم الأخبار، وعدم المخصص، وإنما أبيح التحي للنساء لحاجتهن إلى التزين للزوج.
وتباح آنية الكفار التي يستعملونها ما لم تعلم نجاستها، فإن علمت نجاستها؛ فإنها تغسل وتستعمل بعد ذلك.
1 / 21
٢" جلود الميتة يحرم استعمالها؛ إلا إذا دبغت؛ فقد اختلف العلماء في جواز استعمالها بعد الدبغ، والصحيح الجواز، وهو قول الجمهور؛ لورود الأحاديث الصحيحة بجواز استعماله بعد الدبغ، لأن نجاسته طارئه، فتزول بالدبغ؛ كما قال النبي ﷺ: "يطهره الماء والقرظ"، وقوله ﷺ: "دباغ الأديم طهوره".
وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها، لأن الأصل الطهارة؛ فلا تزول بالشك، ويباح ما نسجوه أو صبغوه؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه.
والله تعالى أعلم.
1 / 22
باب فيما يحرم على المحدث مزاولته من الأعمال
هناك بعض من الأعمال التي يحرم على المسلم إذا لم يكن على طهارة أن يزاولها لشرفها ومكانتها، وهذه الأعمال نبينها لك بأدلتها؛ لتكون منك على بال؛ فلا تقدم على واحد منها إلا بعد التهيؤ له بالطهارة المطلوبة.
اعلم يا أخي أن هناك أشياء تحرم على المحدث، سواء كان حدثه أكبر أو أصغر، وهناك أشياء يختص تحريمها بمن محدث حدثا أكبر.
فالأشياء التي تحرم على المحدث أي الحدثين:
١ مس المصحف الشريف؛ فلا يمسه المحدث بدون حائل؛ لقوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾؛ أي: المتطهرون من الحدث جنابة أو غيرها، على القول بأن المراد بهم المطهرون من البشر، وهنالك من يرى أن المراد بهم الملائكة الكرام.
وحتى لو فسرت الآية بأن المراد بهم الملائكة؛ فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة، وكما وردفي الكتاب الذي كتبه الرسول ﷺ إلي
1 / 23
أهل اليمن من حديث عمرو بن حزم؛ قوله: "لا يمس المصحف إلا طاهر"، رواه النسائي وغيره متصلًا.
قال ابن عبد البر "إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول".
قال شيخ إسلام عن منع مس المصحف لغير المتطهر: "هو مذهب الأئمة الأربعة".
وقال ابن هبيرة في "الإفصاح": "أجمعوا "يعني: الأئمة الأربعة" أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف" انتهى.
ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غلاف أو كيس من غير أن يمسه، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ويتصفحه من غير مس.
٢ ويحرم على المحدث الصلاة فرضا أو نفلًا، وهذا بإجماع أهل العلم، إذا استطاع الطهارة؛ لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ الآية،
1 / 24
وقال النبي ﷺ: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، رواه مسلم وغيره، وحديث: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ"؛ فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارة مع القدرة عليها، ولا تصح صلاته، سواء كان جاهلا أو عالما، ناسيا أو عامدًا، لكن العلم العامد إذا صلى من غير طهارة؛ يأثم ويعزر، وإن كان جاهلًا أو ناسيا؛ فإنه لا يأثم، لكن؛ لا تصح صلاته.
٣ يحرم على المحدث الطواف بالبيت العتيق؛ لقوله ﷺ: "الطواف بالبيت صلاة؛ إلا أن أباح فيه الكلام"، وقد توضأ النبي ﷺ للطواف، وصح عنه ﷺ أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر، كل ذلك مما يدل على تحريم الطواف على المحدث حتى يتطهر.
1 / 25
ومما يدل على تحريمه على المحدث حدثا أكبر قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾؛ أي: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا ماري طريق، فمنعه من دخول المسجد للبقاء فيه يقتضي منعه من الطواف من باب أولى.
وهذه الأعمال تحرم على المحدث سواء كان حدثه أكبر أو أصغر.
وأما الأشياء التي تحرم على المحدث حدثا أكبر خاصة؛ فهي:
١ يحرم على المحدث حدثا أكبر قراءة القرآن؛ لحديث علي ﵁: "لا يحجبه" يعني: النبي ﷺ "عن القرآن شيء، ليس الجنابة"، رواه الترمذي وغيره، ولفظ الترمذي: "يقرئنا مالم يكن جنبا"؛ فهذا يدل على تحريم قراءة القرآن على الجنب، وبمعناه الحائض والنفساء، ولكن رخص بعض العلماء كشيخ الإسلام للحائض أن تقرأ القرآن إذا خشيت نسيانه.
ولا بأس أن يتكلم المحدث بما وافق القرآن إن لم يقصد القرآن بل على وجه الذكر؛ مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب
1 / 26