The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
Genres
الشر المحض لا ينسب إلى الله ﷿
إن القدر منه ما هو خير، ومنه ما هو شر، ويجب الإيمان بالقدر بنوعيه.
أما قوله ﵊: (والشر ليس إليه) أي: ليس إلى الله ﷿، هذا باعتبار المقدور لا باعتبار القدر، فالشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله ﷿ له، لكن باعتبار المقدور، فلدينا قدر ولدينا مقدور، كما أن هناك خلقًا ومخلوقًا وإرادة ومرادًا، فاعتبار تقدير الله ﷿ لهذا الفعل ليس شرًا محضًا، وكل ما يراه الناس شرًا ففيه وجه من وجوه الخير، أنت تتعاطى الدواء المر وهو بالنسبة لك شر، ومع هذا تتعاطاه لأنك تعلم أن هذا الدواء سبب للشفاء، فأنت تسلك الشفاء وإن كان الطريق إليه مرًا، الله ﷿ أذن في وقوع الزنا مع أنه قد نهى عنه، وبين في كتابه كما بين رسوله في سنته أنه لا يحب ذلك ولا يرضاه: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر:٧]، وأذن في وقوعه لحكمة عظيمة جدًا.
إذًا: كل أمر في الكون من خير أو شر بحكمة الله ﷿، فمن الحكم ما أطلعنا الله ﷿ عليها، ومن الحكم ما استأثر بها في علم الغيب عنده، فلو أننا أخذنا مثالًا كالقتل فإنه بالنسبة إلى الناظر شر محض مع أنه ليس كذلك، فالقتل يكفر الله ﷿ به ذنوب المقتول، كما أن القاتل لو تاب من فعلته تاب الله ﷿ عليه، فاستشعر رحمة الله، وإذا أقيم عليه الحد على ملأ من الناس كان هذا جديرًا بأن يفكر كل إنسان أنه لو فعل فِعل فلان لفعل به مثلما نزل به من العذاب وإقامة الحد، فكان هذا أعظم رادع لكل من سولت له نفسه أن يرتكب ما يستوجب حدًا من حدود الله ﷿، فالزاني يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في الزنا، والقاتل يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في القتل، وشارب الخمر يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في الشرب وهكذا في سائر المعاصي والذنوب.
ولذلك لما ارتفعت الحدود هاجت البشرية في أوحال المعصية، فلا تكاد تجد إنسانًا يعرف المعروف أو ينكر المنكر؛ لأنه اطمأن جانب العقوبة، فانطلق في أوحال المعصية وهو مطمئن أنه لا عقاب يقع عليه من أحد، فلما كان الأمر كذلك وارتفع شرع الله ﷿ من قلوب الخلق استحقوا الذل والمهانة على أيدي شر الخليقة وهم اليهود، الذين يسومون المسلمين بالليل والنهار سوء العذاب وسوء الأدب، وأنزلوا بهم النكال، والبعض يقول: لا نكال ولا عذاب ولا إهانة، فهذا شر ممن يعلم يقينًا أن النكال والخسف واقعان في الأمة، فهذا مسخ قلبه تمامًا، وشر البلية أنه لا يعلم ذلك، وهذا أيضًا من قدر الله ﷿، ومن سننه الكونية في الخلق أنهم إذا فرطوا في شرعه واستغنوا عن الله ﷿ جعلت أمور المسلمين ومقاليدهم وزمامهم بيد غير الله ﷿، فيلهثون خلفهم بالليل والنهار طلبًا للمصلحة ودفعًا للمضرة، مع أن الذي يملك ذلك هو الله ﷿ وحده، فهذا باب عظيم من أبواب القدر.
أيها السياسيون! تقولون: لو رفعت راية الجهاد ضد اليهود فإننا مغلوبون مقهورون لا محالة! هذا سوء ظن بالله ﷿، الله ﷿ وعد عباده الصالحين بالنصر والتمكين في الأرض، وذلك إن حققوا شرط الصلاح، وحققوا شرط التقوى.
فبدلًا من أن ندندن أن المعركة لصالح اليهود، والكرة على المسلمين ينبغي -بل يجب علينا وجوبًا شرعيًا أكيدًا- أن نشغل أنفسنا بأسباب الهزيمة النفسية، وأن نوقن أن النصر والتمكين لا محالة إنما يكون للمسلمين الصالحين القانتين المؤمنين الموحدين، فنشغل أنفسنا بما أوجب الله ﷿ علينا.
قال الله ﷿: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم:٤١]، فبين الله ﷿ أن الفساد واقع والذي يباشره هم العباد، هم الذين يفسدون في الأرض والبر والبحر والجو، وأن ذلك لا يكون إلا بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية، ومع ذلك فإن لظهور هذا الفساد حكمة عظيمة: «لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا»، ليكفر عنهم بعض ما ارتكبوا من ذنوب وآثام.
6 / 5