The Curriculum: Past and Present
المنهج بين الماضي والحاضر
Publisher
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
السنة الحادية عشرة
Publication Year
العدد الثاني غرة ذي الحجة عام ١٣٩٨هـ
Genres
أرى مجتمعًا هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعيًا، والخصم الجائر قاضيًا وأصبح المجرم فيه سعيدًا والصالح محرومًا شقيًا، لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر.
ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية وتسوقها إلى هوة الهلاك، رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال، ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة، ورأى القسوة والظلم إلى حد وأد وقتل الأولاد.
رأى ملوكًا اتخذوا بلاد الله دولًا وعباد الله خولًا، ورأى أحبارًا ورهبانًا أصبحوا أربابًا من دون الله يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائفة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح فعادت وبالًا على أصحابها وعلى الإنسانية. فقد تحولت الشجاعة فتكًا وهمجية والجود تبذيرًا وإسرافًا، والأنفة حمية جاهلية والذكاء خديعة، والعقل وسيلة لارتكاب الجنايات والإبداع في إرضاء الشهوات.
رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح خشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة رأى الأمم قطعانًا من الغنم ليس لها راع. والسياسة كجمل هائج على غاربه، والسلطات كسيف في يد سكران يجرح به نفسه ويجرح به أولاده واخواته.
قلت: وإذا كان الأستاذ الندوي نقل هذه الصورة الصادقة عن المصادر العلمية والتاريخية فإن صورة العالم اليوم لا تختلف عن تلك الصورة إلا في أن صورة عالم اليوم ابتكرت لشره وبلائه وتحطيمه وسائل أكثر هدمًا وأسرع فتكًا وأشد بريقًا ولمعانًا تزخرف وتنفذ بسرعة هائلة يصعب على المرء متابعتها حيث ينسى بلاء اليوم محنة الأمس.
ومصادرها الحس والمشاهدة، ودليلها النتائج المدمرة..
وأصبحت الذبابة نحلة هل رأي أحد يوما الذبابة القذرة التي لا تعيش إلا على العفن والأوساخ والتي
وأصبحت الذبابة نحلة هل رأي أحد يوما الذبابة القذرة التي لا تعيش إلا على العفن والأوساخ والتي
1 / 250