144

The Critique and Clarification in Dispelling the Illusions of Khuzayran

النقد والبيان في دفع أوهام خزيران

Publisher

مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م

Publisher Location

فلسطين

Genres

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد: فإنَّ تشييع الجنائز في نظر الإسلام من المسائل الدينية، التي لا يجوز شرعًا أن يذهب بها العرف، أو تتحكّم فيها العادة، وليس الدِّين الإسلامي إلا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله محمد ﷺ، وقد بيَّنتْ السُّنةُ العمليَّةُ الصَّحيحة حُكمَ الله في هذه المسألة، وأنه الصَّمتُ والتَّفكير في الموت، وفيما بعد الموت، وقد سار الصَّحابة -رضوان الله عليهم-، والتَّابعون، والسَّلفُ الصالح على هذا الحكم بعد وفاة النبي ﷺ (١)، ولم يحدث فيه تغيير، فكان ذلك إجماعًا منهم على ما قررته السّنة، من أنَّ الصَّمت والتفكير هو المطلوب، ولم يخالف أحد من المجتهدين في هذا الحكم؛ لأنَّ المذاهب الفقهية المعوَّل عليها لا تعتمد إلا على الدلائل الشرعية، وليس لنا دليل شرعي يخالف حكم هذه المسألة؛ ولأنَّ الغرض الذي يرمي إليه الدِّين من التّشييع هو التَّأدب والتَّفرغ للخشوع واستحضار ما يؤول إليه الإنسان، وأنَّ المنتهى إلى الله، كما كان منه المبدأ، مع ما في رفع الصَّوت من الجلبة والضَّوضاء، وصرف النفس عن التّفكر في الموت، وهو أمسُّ شيء بسعادة الإنسان في تلك الحالة، وقد شرع الله العبادات كلها في صورها المختلفة، وأشكالها المتعددة، لترمي إلى غاية واحدة، هي: السعادة الأبديَّة، إلا أنه -جلَّ شأنُه- جعل لكل عبادة شكلًا خاصًا، وروحًا خاصة، يتناسبان مع كل طريق موصل إلى تلك السعادة، وقد أمرنا بالتفكر في الموت في أكثر شؤوننا، وأن حالة تشييع الجنازة أعون على الامتثال، وأدعى إلى تأكّد الطّلب، حيث المشيعون قد تفرَّغوا إلى توديع واحد منهم -وقد كان معهم بالأمس- ليذهبوا به إلى مقرِّه في دار الجزاء، فالوقت إذًا: وقت العظات البالغات، والتَّفكير العميق، ومن هذا يتبين لنا: حكم الله في هذه المسألة.

(١) انظر ما علقناه (ص ١١-١٤) ..

1 / 144