189

The Constitution of Ethics in the Quran

دستور الأخلاق في القرآن

Publisher

مؤسسة الرسالة

Edition Number

العاشرة ١٤١٨ هـ

Publication Year

١٩٩٨ م

Genres

وتحقيقه، يجب مطلقًا أن تتوفر فيه بعض الشروط الخاصة، وأن تكون له علة تقتضيه اقتضاء تامًّا، يجعل من المستحيل أن يختار النقيض، وإذا عدم هذا ظل الجانب المختار في حالة الإمكان، دون أن يبلغ مطلقًا درجة الفعل١. وتأتي بعد ذلك نظرية الخوارزمي والزمخشري، وقد اكتفيا ببعض الأسباب المرجحة، بدلًا من اشتراط ضرورة علة موجبة٢. ثم تأتي أخيرًا نظرية أكثرية المعتزلة، وهم يرون أن الاختيار الإرادي لا يتطلب وجود شيء سوى ذاته، وفي رأيهم أن الفاعل المختار لا يمكن تحديده أو تميزه عن الموجب بالذات إلا بقدرته المزدوجة على الفعل أو الترك، بحسب إرادته وحدها، وبنفس الإمكان، دون أن يخضع أو يستمال ببعض الأمور الخارجة عن اندفاعه الخاص. ومن المألوف في هذا الصدد مثال الإنسان الذي يواجه عدوه، فيأخذ في الهرب، ويجد نفسه في مفترق طرق، فيختار أي الطريقين المفتوحين أمامه، ولقد تردد الرازي وبعض الأشاعرة بين النظريتين المتطرفتين٣.

١ انظر: منهاج السنة، لابن تيمية، جـ١ ص١١٠. ٢ المرجع السابق ٢/ ٥، قال ابن تيمية: "وهو باطل، فإنه إذا لم ينته إلى حد الوجوب كان ممكنًا فيحتاج إلى مرجح، فما ثم إلا واجب أو ممكن، والممكن يقبل الوجود والعدم". "المعرب". ٣ منهاج السنة ١/ ١١١، وقد صور ابن تيمية تردد هؤلاء على هذا النحو، قال: كانوا "إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر أبطلوا هذا الأصل، وبينوا أن الفعل يجب وجوده عند وجود المرجح التام، وأنه يمتنع فعله بدون المرجح التام، وينصرون أن القادر المختار لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بالمرجح التام، وإذا ناظروا الفلاسفة في مسألة حدوث العالم وإثبات الفاعل المختار. وإبطال قولهم بالموجب بالذات سلكوا مسلك المعتزلة والجهمية في القول بأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وعامة الذين سلكوا مسلك أبي عبد الله بن الخطيب وأمثاله تجدهم يتناقضون هذا التناقض". "المعرب".

1 / 186