The Comprehensive Collection of Jurisprudence Principles and Their Applications According to the Preferred Doctrine
الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح
Publisher
مكتبة الرشد-الرياض
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
ـ[الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح]ـ
المؤلف: عبد الكريم بن علي بن محمد النملة
الناشر: مكتبة الرشد - الرياض - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
عدد الأجزاء: ١
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Unknown page
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنه بعد أن صنفت كتاب: " إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر في أصول الفقه " وطبع في ثمانية مجلدات، وصنفت كتاب: " المهذب في أصول الفقه المقارن " وطبع في خمسة مجلدات، وشرحتهما لطلاب الجامعة، وطلاب الدراسات العليا في كلية الشريعة، والمعهد العالي للقضاء، وكلية التربية للبنات، وكنت قد أكثرت في هذين الكتابين من المسائل الخلافية؛ حيث أني أذكر مذاهب العلماء في كل مسألة، وأدلة كل مذهب، والترجيح ومناقشة المذهب المرجوح.
بعد ذلك طلب مني كثير من طلاب العلم أن أصنّف كتابًا يجمع مسائل أصول الفقه بدون التطويل بذكر المذاهب حتى يكون مفيدًا للطالب المبتدي وتذكيرًا للطالب المنتهي، وقالوا في تعليل هذا الطلب: إن المختصرات الموجودة في هذا الفن لم تذكر إلا اليسير النادر من مسائل أصول الفقه، وإذا ذكرها أحدهم فإما أن يذكر أدلة على ما قال أو لا.
1 / 5
فإن كان من الذاكرين للأدلة، فإنه يصعب علينا فهمها.
وإن كان من غير الذاكرين للأدلة: فإنه يصعب فهم المسألة بدون أدلة.
فأجبت لهم طلبهم؛ لأن الشارع قد أمرنا ببيان الشريعة للناس، وكشف الشبه والالتباس، والأمر المطلق يقتضي الوجوب، فوجب علي أن أجيبهم، فقمت بتأليف هذا الكتاب؛ إجابة لطلب هؤلاء الطلاب؛ رجاء الأجر والمثوبة، ولتكثير طرق الخير ونشره، لأنه كلما كثر التأليف كلما كثرت طرق تعلمه، لأن بعض الطلاب قد يفهم المراد من كتاب دون كتاب آخر مع أنهما في نفس الفن.
وجعلته - أي هذا الكتاب - في ستة فصول.
الفصل الأول: في المقدمات.
الفصل الثاني: في الحكم الشرعي.
الفصل الثالث: في أدلة الأحكام الشرعية.
الفصل الرابع: في الاجتهاد.
الفصل الخامس: في التقليد.
الفصل السادس: في التعارض والترجيح.
فتكلمت في الفصل الأول - الذي هو في المقدِّمات - عن تعريف أصول الفقه، والفرق بينه وبين الفقه، والفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، وموضوع أصول الفقه، وحكم تعلمه، وفوائده، وأيهما الذي يقدم في التعلم: أصول الفقه أو الفقه؟ ومصادر أصول الفقه، ونشأته، وطرق التأليف فيه، وأهم الكتب المؤلفة على كل طريقه.
1 / 6
وتكلمت في الفصل الثاني - الذي هو في الحكم الشرعي - عن تعريف الحكم الشرعي، وتقسيمه إلى حكم تكليفي وحكم وضعي، وعرَّفت كل نوع من أنواع الحكم التكليفي وهي: الواجب والمندوب، والمباح والمكروه، والحرام، وذكرت كل ما يتعلق بكل نوع من المسائل بالتفصيل، وبينت التكليف وشروطه وما يتعلق به.
وعرَّفت كل نوع من أنواع الحكم الوضعي، وهي: السبب، والشرط، والمانع، والعزيمة، والرخصة، وذكرت كل ما يتعلق بكل نوع من المسائل بالتفصيل.
ثم فرَّقت بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي من وجوه.
وتكلمت في الفصل الثالث - الذي هو في أدلة الأحكام الشرعية - عن الأدلة المتَّفَق عليها، والأدلة المختلف فيها.
فذكرت الدليل الأول وهو الكتاب، وما يتعلق به من مسائل.
وذكرت الدليل الثاني وهو السنة وما يتعلق به من مسائل.
ثم ذكرت ما يشترك فيه الكتاب والسنة وهو: النسخ والألفاظ ودلالتها على الأحكام.
فبدأت بذكر النسخ وما يتعلق به من مسائل.
وفضلت في ذكر الألفاظ ودلالتها على الأحكام فتكلَّمت عن اللغات والاشتقاق، والاشتراك، والترادف، والتأكيد، والتابع، والحقيقة، والمجاز، والنص، والظاهر، والتأويل، والمجمل، والمبين، والبيان، وحروف المعاني، والأمر والنهي، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، وذكرت كل ما يتعلق بكل نوع مما سبق من المسائل بالتفصيل.
1 / 7
ْثم ذكرت الدليل الثالث - وهو الإجماع - وما يتعلق به من مسائل.
ثم ذكرت الدليل الرابع - وهو القياس - وما يتعلق به من مسائل.
ثم تكلمت عن الأدلة المختلف فيها وهي: الاستصحاب،
وشرع مَن قبلنا، وقول الصحابي والاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والعُرف، والاستقراء.
ثم تكلَّمت في الفصل الرابع - عن الاجتهاد - وذكرت ما يتعلق به من مسائل بالتفصيل.
وكذلك فعلت في الفصل الخامس - الذي هو في التقليد -، وفي الفصل السادس الذي هو في التعارض والترجيح.
هذا ما وضعته في هذا الكتاب، وقد سلكت فيه المنهج التالي:
أولًا: جمعت كل مسائل أصول الفقه في هذا الكتاب.
ثانيًا: أذكر المسألة والمذهب الراجح فيها فقط، وأستدل لذلك بدليل أو دليلين أو أكثر.
ثالثًا: أذكر مثالًا أو مثالين يتبين فيهما تطبيق هذا المذهب من الفروع الفقهية.
رابعًا: أشير في الهامش إلى أن من أراد التوسع في معرفة المذاهب الأخرى فليراجع كتبي الأخرى، سواء كانت عامة لجميع مسائل أصول الفقه مثل كتاب: " إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر "، وكتاب: " المهذب في أصول الفقه المقارن ".
1 / 8
أو كانت خاصة في بعض موضوعات ومسائل أصول الفقه مثل: " كتاب الواجب الموسع عند الأصوليين "، و" الخلاف اللفظي عند الأصوليين "، و" أقل الجمع عند الأصوليين وأثر الاختلاف فيه "، و" مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف "، و" الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الإسلام "، و" الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس "، و" إثبات العقوبات بالقياس ".
خامسًا: كتبت هذا الكتاب بأسلوب عصري مفهوم.
هذا ما فعلته في هذا الكتاب وقد سمَّيته بـ " الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقها على المذهب الراجح "، أرجو أن يكون كما سمَّيته.
وأخيرًا: لا أدعي أني أصبت في كل ما كتبت، لأن الكمال لله وحده، ويكفيني أني لم أقصد بهذا المصنف إلا نفع طلاب العلم، وإعانتهم على فهم مسائل أصول الفقه، وأسأل الله العلي القدير أن ينفع به مؤلفه، وقارئه، ومن أعان على نشره، وأن يجعله مقرِّبًا إلى الله مبلغًا إلى رضوانه، إنه سميع مجيب.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
كتبه
أ. د. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة
الأستاد في قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
1 / 9
الفصل الأول
في المقدِّمات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
تعريف أصول الفقه:
الأصول: جمع أصل، والأصل لغة، ما يُبنى عليه غيره؛ لأن الأصل هو أسفل الشيء وأساسه، ولا شك أن أسفل الشيء وأساسه هو الذي يعتمد عليه في البناء.
والأصل اصطلاحًا هو: الدليل، لمناسبته وموافقته لمعناه لغة، وهو: ما يُبنى عليه غيره؛ حيث إن الدليل يبنى عليه الحكم، فأصول الفقه هي: أدلة الفقه.
والفقه: لغة هو: الفهم مطلقًا، لوروده ووقوعه في القرآن، كقوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ)، وقوله: (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (٧٨).
1 / 11
والفقه اصطلاحًا هو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية.
وأصول الفقه هو: معرفة أدلة الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
* * *
المسألة الثانية:
الفرق بين أصول الفقه والفقه هو: أن أصول الفقه يكون في البحث عن أدلة الفقه الإجمالية بالتفصيل، فهو عبارة عن المناهج والأسس التي يجب أن يسلكها ويتَّبعها الفقيه.
أما الفقه: فهو يبحث في العلم بالأحكام الشرعية العملية المأخوذة من أدلتها التفصيلية، فهو عبارة عن استخراج الأحكام من الأدلة التفصيلية مع التقيد بتلك المناهج. فأصول الفقه بالنسبة للفقه كعلم المنطق بالنسبة لسائر العلوم الفلسفية، حيث إنه ميزان يضبط العقل، ويمنعه من الخطأ في التفكير.
* * *
المسألة الثالثة:
أهم الفروق بين القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، هي كما يلي:
الأول: إن القواعد الأصولية كلية تضم جميع جزئياتها، بخلاف القواعد الفقهية؛ حيث إنها أغلبية.
الثاني: أن القواعد الأصولية أدلة للأحكام الشرعية، بخلاف القواعد الفقهية، حيث إنها مجموعة من الأحكام المتشابهة ترجع إلى علة واحدة تجمعها، والغرض منها هو تسهيل المسائل الفقهية فقط.
1 / 12
الثالث: إن القواعد الأصولية قد وجدت قبل الفروع، بخلاف القواعد الفقهية فإنها قد وجدت بعد وجود الفروع.
* * *
المسألة الرابعة:
موضوع أصول الفقه: هو الأدلة الإجمالية الموصلة إلى الأحكام الشرعية العملية وأقسامها، واختلاف مراتبها وكيفية أخذ الأحكام الشرعية على وجه كلي، فيبحث الأصولي عن العوارض اللاحقة لهذه الأدلة من كونها عامة، أو خاصة، أو مطلقة، أو مقيدة، أو مجملة، أو مبينة، أو منطوقًا، أو مفهومًا وهكذا.
وليس موضوع أصول الفقه الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية ثمرة الأدلة، وثمرة الشيء تابعة له.
* * *
المسألة الخامسة:
تعلم أصول الفقه فرض عين بالنسبة لمن يريد بتعلم هذه الشريعة الوصول إلى درجة الاجتهاد، وذلك ليقدر بواسطة تعلم هذا العلم على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وهو فرض كفاية لطالب العلم بصورة عامة.
* * *
المسألة السادسة:
فوائد علم أصول الفقه هي:
الأولى: تعلم طرق استنباط الأحكام للحوادث المتجددة. الثانية: أن من تعلمه فإنه يكون قادرًا على الدفاع عن وجهة نظر إمامه؛ حيث إنه بتعلمه لأصول الفقه قد اطلع على مأخذ إمامه وقواعده التي اعتمد عليها ذلك الإمام.
الثالثة: أن العارف بالحكم وأدلة هذا الحكم أعظم أجرًا من الذي يعلم الحكم بدون أدلته.
1 / 13
الرابعة: أن العارف بالقواعد الأصولية يستطيع أن يدعو إلى الله وإلى دينه بأسلوب مقنع.
الخامسة: أن العارف بتلك القواعد يستطيع أن يبين لأعداء الإسلام أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.
السادسة: أنه لا يمكن لأي شخص أن يقوم بتفسير القرآن أو شرح الأحاديث إلا إذا كان عالمًا بأصول الفقه؛ حيث لا يمكنه معرفة دلالة النص هل هي قطعية أو ظنية، أو أي نوع من أنواع الدلالات إلا بعد معرفته بأصول الفقه.
* * *
المسألة السابعة:
يقدَّم تعلم أصول الفقه على تعلم الفقه: وذلك ليكون المتعلم على ثقة مما يدخل فيه، ويكون قادرًا على فهم مرامي جزئيات الفقه، فالفروع لا تدرك إلا بأصولها، والنتائج لا تعرف حقائقها إلا بعد تحصيل العلم بمقدماتها، وعلى هذا ينبغي أن تحفظ الأدلة، وتحكم الأصول، ثم حينئذِ تبنى عليها الفروع.
* * *
المسألة الثامنة:
المصادر التي استمد منها علم أصول الفقه مادته ثلاثة:
الأول: أصول الدين - وهو علم الكلام - وسبب استمداده من هذا العلم هو: توقف الأدلة الشرعية على معرفة البارئ ﷿، وصدق الرسول ﷺ المبلغ عنه فيما قال لتعلم حجيتها وإفادتها للأحكام الشرعية.
واستمد منه مسائل مثل: مسألة الحاكم، والتحسين والتقبيح العقليين، والتكليف بما لا يطاق، وتكليف المعدوم ونحوها.
1 / 14
الثاني: علم اللغة العربية، وسبب استمداده من هذا العلم هو: أن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ قد نزلا بلغة العرب، فمحتاج إلى معرفة قدر كبير من اللغة العربية ليستطيع معرفة دلالة الأدلة وفهمها وإدراك معانيها.
واستمد منه كثيرًا من المسائل ومنها: الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيد، ومعاني الحروف، والحقيقة والمجاز والاستثناء، والمنطوق والمفهوم، ونحو ذلك.
الثالث: الأحكام الشرعية، وسبب استمداده من هذا العلم هو: أن المقصود من هذا العلم إثبات الأحكام الشرعية، فلا بد للأصولي من معرفة قدرًا من الفقه والأحكام الشرعية ليتمكن به إيضاح المسائل الأصولية، وتصويرها.
* * *
المسألة التاسعة:
نشأة علم أصول الفقه وطرق التأليف فيه:
كان الصحابة ﵃ في زمن النبي ﷺ يرجعون إليه في بيان أحكام الحوادث التي تنزل بهم، فلما توفي ﷺ كان الصحابة يأخذون حكم حوادثهم ونوازلهم من الكتاب والسنة، فإذا لم يجدوا حكمها فيهما، اجتهدوا وأخذوا الحكم عن طريق الاجتهاد بأنواعه، ونهج التابعون ذلك، وزادوا أخذهم بفتاوى الصحابة واجتهاداتهم.
ثم بعد ذلك كثر الاجتهاد، وكثرت طرقه، ثم أصبح لكل إمام قواعد قد اعتمدها في الفتوى والاجتهاد، وهؤلاء الأئمة لم يدونوا تلك القواعد التي اعتمدوها في اجتهاداتهم سوى الإمام الشافعي، فقد دوَّنها في كتابه: " الرسالة "، فنبه الشافعي أنظار
1 / 15
العلماء والباحثين إلى متابعة البحث في هذا العلم، حتى أصبح علم أصول الفقه علمًا مستقلًا رُتبت أبوابه، وحُررت مسائله، وجُمعت مباحثه، وأُلفت فيه المؤلفات على اختلاف فى الطرق التي اتبعوها في التأليف.
وإليك ذكر طرق التأليف في هذا العلم ومميزات كل واحدة. الطريقة الأولى: طريقة الحنفية، وتتميز بأنها تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع والفتاوى الصادرة عن أئمة الحنفية المتقدمين كأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف وابن أبي ليلى، وزُفر.
وسميت هذه الطريقة بطريقة الفقهاء، لأنها أمس بالفقه وأليق بالفروع، ومن أهم كتب هذه الطريقة: الفصول في الأصول للجصاص، وتقويم الأدلة للدبوسي، وأصول البزدوي، وأصول السرخسي، ومسائل الخلاف للصيمري، وميزان الأصول للسمرقندي.
الطريقة الثانية: طريقة الجمهور - وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة، والمعتزلة -، وتتميز بالميل الشديد إلى الاستدلال العقلي، والبسط في الجدل والمناظرات وتجريد المسائل الأصولية عن الفروع الفقهية، ومن أهم كتب هذه الطريقة:
١ - كتب مالكية: التقريب والإرشاد للباقلاني، وأحكام الفصول للباجي، ومنتهى السول لابن الحاجب، وشرح تنقيح الفصول، والنفائس للقرافي.
٢ - كتب شافعية: الرسالة للشافعي، واللمع، وشرح اللمع، والتبصرة لأبي إسحاق الشيرازي، والبرهان والتلخيص،
1 / 16
والورقات لإمام الحرمين وقواطع الأدلة لابن السمعاني، والمستصفى، والمنخول للغزالي، والوصول إلى الأصول لابن برهان، والإحكام للآمدي، والمحصول لفخر الدين الرازي، ومنهاج الوصول للبيضاوي، والبحر المحيط للزركشي.
٣ - كتب حنبلية: العدة لأبي يعلى، والتمهيد لأبي الخطاب، والواضح لابن عقيل، وروضة الناظر لابن قدامة وقد قمت بتحقيقه في ثلاث مجلدات، ثم شرحته في ثمانية مجلدات.
٤ - كتب ظاهرية: الإحكام لابن حزم، والنبذ له.
٥ - كتب على مذهب المعتزلة: العمد للقاضي عبد الجبار، وشرح العمد والمعتمد لأبي الحسين البصري.
الطريقة الثالثة: الجمع بين طريقة الحنفية وطريقة الجمهور؛ حيث إن من سار على هذه الطريقة حقَّق القواعد الأصولية، وأثبتها بالأدلة النقلية والعقلية، وطبق ذلك على الفروع، ومن أهم كتب هذه الطريقة: بديع النظام لابن الساعاتي، وتنقيح أصول الفقه، وشرحه التوضيح لصدر الشريعة، وجمع الجوامع لتاج الدين ابن السبكي، والتحرير لكمال الدين ابن الهمام، ومسلم الثبوت لمحب الدين بن عبد الشكور، والمهذب في أصول الفقه المقارن، وهذا قد قمت بتأليفه وطبع في خمسة مجلدات، وهذا الكتاب وهو الجامع يعتبر من هذه الطريقة.
الطريقة الرابعة: تخريج الفروع على الأصول، وهي طريقة: ربط الفروع بالأصول، ومن أهم كتب هذه الطريقة: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، والتمهيد للأسنوي، ومفتاح الوصول للتلمساني، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحَّام.
1 / 17
الطريقة الخامسة: وهي طريقة عرض أصول الفقه من خلال المقاصد والمفهوم العام الكلي للتكليف، ومن أهم كتب هذه الطريقة الموافقات للشاطبي.
1 / 18
الفصل الثاني
في الحكم الشرعي وأقسامه
الحكم الشرعي:
هو خطاب الله المتعلِّق بفعل المكلَّف اقتضاء، أو تخييرًا، أو وضعًا.
فالحكم عند الأصوليين هو نفس خطاب الشارع.
أما الحكم عند الفقهاء فهو: ما ثبت بالخطاب الشرعي، أي: أثره المترتب عليه، لا نفس النص الشرعي.
فمثلًا قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) هو الحكم عند الأصوليين.
ووجوب الصلاة هو: الحكم عند الفقهاء.
والحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين هما:
القسم الأول: الحكم التكليفي هو: خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير.
1 / 19
القسم الثاني: الحكم الوضعي، وهو: خطاب الله تعالى
المتعلق بجعل الشيء سببًا لشيء آخر، أو شرطًا له، أو مانعًا منه، أو رخصة، أو عزيمة.
وكل قسم يتنوَّع إلى أنواع، إليك بيانها:
1 / 20
القسم الأول
الحكم التكليفي وأنواعه
الحكم التكليفي هو: خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف اقتضاءًا أو تخييرًا.
وهو أنواع:
- النوع الأول: الواجب.
- النوع الثاني: المندوب.
- النوع الثالث: المباح.
- النوع الرابع: المكروه.
- النوع الخامس: الحرام.
وإليك بيان كل نوع وما يتعلق به من المسائل:
1 / 21
النوع الأول
الواجب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
تعريف الواجب:
الواجب لغة: الساقط، يقال: وجب الحائط: إذا سقط، وهو مرتبط بالحكم الشرعي؛ حيث إنا نتخيل الحكم الواجب جزمًا سقط ووقع على المكلف من الله تعالى.
والواجب اصطلاحًا هو: ما ذُم تاركه شرعًا مطلقًا.
* * *
المسألة الثانية:
صيغ الواجب هي:
١ - فعل الأمر كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).
٢ - الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
٣ - اسم فعل الأمر كقوله تعالى؛ (عَليكم أَنفُسَكم).
1 / 23
٤ - المصدر النائب عن فعل الأمر، كقوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ).
٥ - التصريح من الشارع بلفظ الأمر كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).
٦ - التصريح بلفظ الإيجاب أو الفرض، أو الكتب كقوله تعالى: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)، وقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ).
٧ - كل أسلوب يفيد الوجوب في لغة العرب كقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).
٨ - ترتيب الذم والعقاب على الترك كقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ. . .).
* * *
المسألة الثالثة:
" الواجب " و" الفرض " غير مترادفين، ويوجد فرق بينهما.
ووجه الفرق: أن " الفرض " اسم لما ثبت حكمه عن دليل مقطوع به، كالآية والحديث المتواتر اللَّذَين قد قطع بدلالتهما على الحكم، والإجماع الصريح الذي نقل إلينا نقلًا متواترًا.
أما " الواجب " فهو: اسم لما ثبت حكمه بدليل ظني كخبر الواحد، والإجماع السكوتي، والقياس، وجميع دلالات الألفاظ الظنية.
ودل على التفريق: أنه يوجد فرق بينهما من حيث اللغة، فالفرض لغة: الحز في الشيء والتأثير فيه، والوجوب لغة: السقوط.
ولا شك أن ما يؤثر آكد من السقوط، فقد يسقط الشيء ولا يؤثر، وعليه: فإنه يجب اختصاص الفرض بقوة في الحكم
1 / 24
كما اختص بقوة في اللغة، حملًا للمقتضيات الشرعية على مقتضياتها اللغوية، لأن الأصل عدم التغيير.
ولأن وجود التفاوت بينهما في الآثار والأحكام يجعلنا نخص كل نوع باسم، حيث إن حكم الفرض أنه يكفر جاحده بخلاف الواجب فلا يكفر جاحده، ويفسق تاركه إذا استخف به، أما إذا تأول: فلا، وأن الحج يشتمل على فروض وواجبات، وأن الفرض لا يتم النسك إلا به، والواجب يجبر بدم، وأن الصلاة مشتملة - أيضًا - على فروض وواجبات، والفروض هي الأركان فإذا ترك ركنًا كالركوع أو السجود فإن صلاته باطلة ولا يسقط في عمد ولا سهو، ولا تبرأ الذمة إلا بالإعادة، أما إذا ترك واجبًا من واجباتها فإنه يجبر بسجود السهو، وصلاته صحيحة، ولكنها ناقصة.
ولأن هناك فرقًا بينهما عن طريق العقل؛ حيث إن كل عاقل يجد في عقله أن صلاة الظهر آكد من الصلاة المنذورة، والزكاة آكد من النذر في الصدقة وإن كانتا لازمتين، وعلى هذا: فإنه ينبغي أن يفرق ما هو آكد عما هو دونه باسم يعرف به، فيجعل اسم الفرض لما هو آكد، والوجوب لما هو دونه فرقًا بين الاثنين.
* * *
المسألة الرابعة:
الواجب باعتبار ذاته - أي: بحسب الفعل المكلَّف به - ينقسم إلى قسمين:
1 / 25