The Commentary on the Perfect Rules

Abd al-Rahman bin Nasir al-Barrak d. Unknown

The Commentary on the Perfect Rules

التعليق على القواعد المثلى

Publisher

دار التدمرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م

Genres

التعليق على القواعد المثلى تأليف فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك إعداد عبدالله بن محمد المزروع دار التدمرية الطبعة الأولى ١٤٣١

1 / 2

التعليق على القواعد المثلى

1 / 3

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد: فقد أذنت للشيخ عبد الله بن محمد المزروع بإعداد وإخراج تعليقاتي على كتاب "القواعد المثلى" لفضيلة الشيخ محمد العثيمين ﵀، والتي ألقيتها في مسجد الخليفي بالرياض، وقد قرأها عليَّ الشيخ عبد الرحمن بن صالح السديس. فجزاهما الله خيرًا، وبارك في جهودهما، ونفع بهما. أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك

1 / 5

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهَّالَ الناس بما يشبهون عليهم - فنعوذ بالله من فتن المضلين - (١)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإنَّ ممن سار على منهج أهل السنة والجماعة في هذا العصر، وكانت له جهود في نشر العقيدة السلفية، عن طريق التأليف والتدريس فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀، فقد سارت بكتبه وأشرطته الركبان، وذاع صيته في المشرق والمغرب، وعرفه القاصي والداني. وإنَّ من آثار هذا العَلَم كتابه: (القواعد المثلى، في صفات الله - تعالى - وأسمائه الحسنى)، والذي أخذ مكانه في المكتبة الإسلامية منذ

(١) من مقدمة الإمام أحمد لكتابه الرد على الزنادقة والجهمية (ص ١٧٠).

1 / 7

تأليف الشيخ له، فتداوله طلاب العلم ولَقِيَ استحسانًا منهم؛ ومما يَدُلُّ على ذلك: تقديم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز ﵀ له، وثناؤه عليه بقوله: (فألفيته كتابًا جليلًا)، وتوالي طباعة الكتاب عدة مرات، وتأليف شروحٍ وحواشٍ عليه (١)؛ فضلًا عن تدريسه في حلقات العلم. ومن هذا المنطلق قام فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك - حفظه الله - بالتعليق على الكتاب في مجالس علمية عقدها في مسجده. وكان عملي في إعداد هذه الطبعة بتعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك على النحو التالي: ١ - فُرِّغَ شرح الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله - من قبل الأخ / زيد العشبان - وفقه الله -، وقام ببعثه لي الأخ / عبد الرحمن السديس - وفقه الله -؛ فجزاهما الله عني خيرَ الجزاء. ٢ - مقابلة المتن المقروء على الشارح بالطبعة التي أشرفت عليها مؤسسة الشيخ ابن عثيمين ﵀ والذي طُبِعَ في مدار الوطن عام ١٤٢٩ هـ، وأثبتُّ النصَّ بتعليقات الشيخ ﵀ دون تخريجه للأحاديث. ٣ - قمت بتنسيق كلام الشارح، ومحاولة ضبطه بما يتناسب مع الكتاب المقروء، ثم قرأه على الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله - الأخ / عبد الرحمن بن صالح السديس - وفقه الله - فحرر الشيخ وأضاف ما رآه مناسبًا.

(١) ذكر صاحب كتاب (دليل المكتبة العقدية) (ص ٣٨) أربعةَ شروحٍ مطبوعة، وهي كالتالي: ١ - التعليقات الفضلى من القواعد المثلى، لمحمد الصغير بن قائد المقطري. ٢ - شرح القواعد المثلى، لمؤلفها الشيخ محمد بن صالح العثيمين. ٣ - فتح العلي الأعلى بشرح القواعد المثلى، لعبيد بن عبد الله الجابري. ٤ - المُجَلَّى في شرح القواعد المثلى، لكاملة الكواري.

1 / 8

٤ - قمت بتوثيق النقول التي ذكرها الشارح، وإضافة بعض التعليقات التي رأيت أهميتها، واعتنيت في ذلك بكتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم، مع تخريج الأحاديث والآثار الواردة في المتن أو الشرح؛ فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اقتصرت على العزو لهما، وإن كان خارجًا عنهما ذكرت من أخرجه باختصار، ونقلت كلام أهل العلم عليه. ٥ - حاولت قدر المستطاع ربط المسائل التي تكلم عنها الشارح والماتن في هذا الكتاب بكتب الشارح الأخرى؛ وأَخُصُّ منها شرحه على التدمرية لتقارب ما في الكتابين في الجملة؛ فما كان من عزوٍ في حواشي هذا الكتاب إلى (التدمرية) فالمقصود: تلك الطبعة التي عليها شرح الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله -. ٦ - جعلت في خاتمة الكتاب فهرسًا للمراجع التي ذكرتها في الحواشي، وأبقيت الفِهرس الذي خَطَّهُ قَلَمُ الشيخ ابن عثيمين ﵀ كما هو، وأضفت عليه الفوائد الواردة في الشرح بعلامة توضحها. ٧ - أعرضتُ عن ذكر ترجمة صاحب المتن والشرح لشهرتها وتداولها. واللهَ أسأل أن يغفر للشيخ ابن عثيمين، ويجزي الشيخ عبد الرحمن البراك خيرَ الجزاء على شرحه، وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم. وكتب عبد الله بن محمد المزروع ٢٠/ ٨ / ١٤٢٩ هـ mzroa@hotmail.com

1 / 9

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسَلَّم تسليمًا (١). وبعد: فإن الإيمان بأسماءِ الله وصفاته أحدُ أركان الإيمان بالله تعالى؛ وهي: الإيمان بوجود الله تعالى، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته. وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات (٢). فمنزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن أحدًا أَنْ (٣) يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على عِلْمٍ بأسماء الله - تعالى - وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله تعالى: " وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" [الأعراف: ١٨٠]. وهذا يشمل دعاء المسألة،

(١) انظر تعليق الشارح على خطبة الحاجة وما يتعلق بها من مسائل في: شرح الرسالة التدمرية (١٣ فما بعدها). (٢) شرح العقيدة الطحاوية (٢٦). (٣) في المطبوع: ولا يمكن أن أحدًا ...، والصواب ما أثبت.

1 / 11

ودعاء العبادة (١). فدعاء المسألة: أَنْ تُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَي مطلوبك من أسماء الله - تعالى - ما يكون مناسبًا مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني، ويا حفيظ احفظني، ونحو ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله - تعالى - بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا. ومن أجل منزلته هذه، ومن أجل كلام الناس فيه بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل أو التعصب تارة أخرى، أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد، راجيًا من الله - تعالى - أن يجعل عملي خالصًا لوجهه، موافقًا لمرضاته، نافعًا لعباده. وسميته: (القواعد المُثْلَى في صفات الله - تعالى - وأسمائِهِ الحسنى). التعليق الإيمان بالله هو الأصل الأول من أصول الإيمان الستة، لكن الإيمان بالله يشمل عدةَ معانٍ، كما سماها الشيخ أركان الإيمان بالله. فبالإيمان بأسماء الله وصفاته، يعرف العبد ربه، ويعرف أنه - تعالى - هو الإله الحق، وأنه رب كل شيء ومليكه؛ بل إن معرفة الله بأسمائه وصفاته بهذا العموم يشمل كل الجوانب الثلاثة (٢)، لأن ربوبيته وإلهيته

(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٣٧)، بدائع الفوائد (١/ ٢٨٨)، الفوائد (٣٦)، شرح الرسالة التدمرية (٤٦ وما بعدها)، شرح العقيدة الطحاوية (٢٦ وما بعدها). (٢) والتي هي أقسام التوحيد الثلاثة.

1 / 12

هي من جملة صفاته، فهو الله يعني: الإله، وهو رب العالمين، وهو الخالق، وهو الرازق، وهو المدبر، وهو الذي له الملك وله الحمد، فمعرفة أسمائه وصفاته في الحقيقة إذا أخذت بالمفهوم العام، تشمل كل معانِ الإيمان بالله؛ لكن أهل العلم درجوا على التقسيم، تقول: توحيد الله يعني: الإيمان بتفرده سبحانه. واعتقاد تفرده ووحدانيته وأنه واحد، هذا له متعلقات، فاعتقاد تفرده بالإلهية هذا هو توحيد الإلهية وهو يقضي إفراده بالعبادة، والإيمان بتفرده بالربوبية، معناه الإيمان أنه الخالق الرازق المالك وحده، فلا رب غيره ولا خالق سواه، وأن له الملك وحده، والثالث من أنواع التوحيد توحيده بأسمائه وصفاته وهو: اعتقاد تفرده بما له من الأسماء والصفات، كاسمه الملك، القدوس، السلام، المؤمن؛ فالإيمان بالله يشمل كل هذه المعاني. وابن القيم يقول: إن العلم الشرعي أقسام ثلاثة: ١ - العلم بالله، بأسمائه وصفاته وأفعاله. ٢ - العلم بدينه، أمره ونهيه. ٣ - العلم بجزاء العاملين. كما قال (١): فالعلم أقسام ثلاث مالها * من رابعٍ والحقُّ ذو تبيان عِلْمٌ بأوصافِ الإله وفعله * وكذلكَ الأسماءُ للرحمن والأمرُ والنهيُّ الذي هو دينه * وجزاؤه يوم المعادِ الثاني فالإيمان بالله يشمل هذه الأمور.

(١) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص ٢٢٥ المتن المفرد) الأبيات (٤٢٥٣ - ٤٢٥٥).

1 / 13

والشيخ ﵀ جعل أركان الإيمان بالله أربعة، وجعل أولها الإيمان بوجوده، وهذا لا نحتاج إليه إذا قررنا الثلاثة، لكن لما كان هناك - والعياذ بالله - من يجحد وجود الله ذكر بعضهم أولًا الإيمان بوجود الله، ثم من آمن بوجود الله عليه أن يؤمن بالأركان الثلاثة، لكن من آمن بأسماء الله وصفاته وآمن بربوبيته فهو مؤمن بوجوده، لأن هذه المعاني لا تتحقق إلا لموجود، فالله - تعالى - موجود وهو أكمل الموجودات، لأنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، ولأنه الخالق وكل ما سواه مخلوق، وهو الملك المتصرف، وهو الإله المستحق للعبادة وحده دون ما سواه. وللناس في الإيمان بالله مذاهب وطرق: ١ - فأجهلهم وأضلهم وأكفرهم: الجاحد لوجود الله؛ وهم قلة في العالم، وحتى من يجحد وجود الله الغالب عليهم أنهم يفعلون ذلك تلبيسًا وتجاهلًا وتضليلًا، كما صنع فرعون حين قال: " وما رب العالمين " [الشعراء: ٢٣]، وقال: " ما علمت لكم من إله غيري " [القصص: ٣٨] وهذا تلبيس " فاستخف قومه فأطاعوه " [الزخرف: ٥٤]، وهو يعرف لكن وَجَدَ أقوامًا يخدعهم ويضللهم، وأخبر الله عن موسى أنه قال لفرعون: " لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض " [الإسراء: ١٠٢]، وقال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " [النمل: ١٤]، وقال في الذين جحدوا الرسالة: " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " [الأنعام: ٣٣]. ٢ - وهناك من يؤمن بوجود الله لكن لا يؤمن به على الوجه الصحيح الذي دلت عليه العقول والفطر والشرائع؛ فالفلاسفة يثبتون وجود الله ويسمونه العلة الأولى، لكن يقولون فيه أقوالا تناقض العقول والفطر وما جاءت به الرسل.

1 / 14

٣ - وآخرون يؤمنون بوجود الله، ويؤمنون بربوبية الله وبصفاته في الجملة، ولكنهم يعبدون معه غيره؛ وهذا هو الغالب على الأمم، فيكون انحرافهم في توحيد العبادة حيث جعلوا مع الله آلهة أخرى. ٤ - والرسل وأتباعهم بريئون من كل هذه المذاهب الباطلة، فيؤمنون بالله إيمانًا تامًا، ويوحدونه في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، ويخلصون له العبادة، ويكفرون بكل ما يُعبد من دونه. فبهذا التقسيم يمكن معرفة واقع الأمم وأحوالها، بتحديد ما أقروا به وما أنكروه، وتحديد ما معهم من حق وباطل. وزعم بعض المتعصبين أن تقسيم التوحيد إلى هذا التقسيم بدعة وأن هذا من اختراع ابن تيمية (١)، ولكن هذا الزعم من أقوال أهل الأهواء: ١ - لأن هذا التقسيم مستمد من الكتاب والسنة ومن واقع الناس؛ فالنصوص دلت على أنه سبحانه هو الإله الحق وأنه رب كل شيء، وأنه الموصوف بكل صفات الكمال، وأنه لا شبيه ولا شريك له. ٢ - ثم إن الفقهاء قسموا أفعال العبادات إلى أركان وواجبات وسنن مع أن هذا غير موجود لا في النصوص ولا في كلام السلف (٢)، لكنها تقسيمات صحيحة مستمدة من معان النصوص ودلالاتها؛ فالأركان واجبات لكن اصطلح الفقهاء على أن الركن هو واجب لكن يختلف عما سموه واجبًا من جهة الحكم، فأركان العبادة وجوبها آكد مما يقال فيه إنه من قبيل الواجبات، ولهذا قالوا: إن الركن يلزم من تركه بطلان العبادة بخلاف الواجبات فإنها تنجبر؛ فمثلًا: الواجبات في

(١) رَدَّ على هذه الفرية الشيخ عبد الرزاق البدر - وفقه الله - في كتابه (القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد)؛ وانظر - غير مأمورٍ - كلام الشارح في شرح الرسالة التدمرية (٤٧)، وشرح العقيدة الطحاوية (٢٧). (٢) جامع المسائل (المجموعة الأولى / ٢٤٧)، شرح العقيدة الطحاوية (٢٧).

1 / 15

الصلاة تنجبر بسجود السهو، وفي الحج تنجبر بفدية ... إلى آخره. واستدل الشيخ ﵀ على ذكر الأسماء بالآية: " ولله الأسماء الحسنى " [الأعراف: ١٨٠] فجميع أسمائه حسنى، بالغة في الحسن غايته، " له الأسماء الحسنى " جاء هذا في مواضع من القرآن (١)، وقال ﷾: " فادعوه بها " [الأعراف: ١٨٠] فنقول: يا الله، يا رحمن " قل ادعوا الله أو أدعو الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى " [الإسراء: ١١٠] يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين. وكلما كان العبد أعلمَ بالله وبأسمائه وصفاته وأكمل استشعارًا واستحضارًا لها = كان أكمل في الأحوال العبادية، خوفًا ورجاءً وتوكلًا (٢). وكل شيء من أحوال القلوب له مقتضيات من أسماء الله: ١ - فمن أسمائه وصفاته ما يقتضي من العبد الخوف مثل: أنه شديد العقاب. ٢ - ومنها ما يقتضي الرجاء، مثل: أنه غفور رحيم. ٣ - وربوبيته وكمال ملكه وقدرته تقتضي صدق التوكل عليه.

(١) الموضع الأول: " ولله الأسماء الحسنى " الأعراف: ١٨٠، والموضع الثاني: " فله الأسماء الحسنى " الإسراء: ١١٠، والموضع الثالث والرابع: " له الأسماء الحسنى " طه: ٨ وَالحشر: ٢٤. (٢) شرح الرسالة التدمرية (١٨).

1 / 16

قواعد في أسماء الله - تعالى -

1 / 17

القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى (١) أي: بالغة في الحُسْنِ غايته، قال الله تعالى: " وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى " [الأعراف: ١٨٠]، وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالًا ولا تقديرًا. * مثال ذلك: (الحي) اسم من أسماء الله تعالى، متضمن للحياة الكاملة التي لم تُسْبَق بعدم، ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من: العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، وغيرها. * ومثال آخر: (العليم) اسم من أسماء الله، متضمن للعلم الكامل، الذي لم يُسْبَق بجهل، ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى: " عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى " [طه: ٥٢]. العلم الواسع المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلًا، سواء ما يتعلق بأفعاله، أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " [الأنعام: ٥٩]. " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " [هود: ٦]،

(١) مجموع الفتاوى (٦/ ١٤١)، منهاج السنة (٥/ ٤٠٩)، بدائع الفوائد (١/ ٢٨٧).

1 / 19

" يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " [التغابن: ٤]. * ومثال ثالث: (الرحمن) اسم من أسماء الله - تعالى -، متضمن للرحمة الكاملة، التي قال عنها رسول الله ﷺ: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها " (١) يعني: أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن - أيضًا - للرحمة الواسعة التي قال الله عنها: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [الأعراف: ١٥٦]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين:" رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا " [غافر: ٧]. والحُسْنُ في أسماء الله - تعالى - يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمالٌ فوق كمالٍ. * مثال ذلك: (العزيزُ الحكيم) فإن الله - تعالى - يجمع بينهما في القرآن كثيرًا؛ فيكون كلٌ منهما دالًا على الكمال الخاصِّ الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحُكْمُ والحِكْمَةُ في الحكيم، والجمع بينهما دالٌ على كمالٍ آخر وهو أن عزته - تعالى - مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلمًا وجورًا وسوء فعل، كما قد يكون من أَعِزَّاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم، فيظلم ويجور ويسيء التصرف؛ وكذلك حُكْمُهُ - تعالى - وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته، فإنهما يعتريهما الذُّل.

(١) أخرجه البخاري (٥٩٩٩)، ومسلم (٢٧٥٤) من حديث عمر بن الخطاب ﵁.

1 / 20

التعليق أخبر الله - تعالى - بأن له الأسماء الحسنى: " ولله الأسماء الحسنى " [الأعراف: ١٨٠] في مواضع من القرآن (١)، ففي ذلك دلالة على: ١ - أنَّ له أسماء. ٢ - وأن هذه الأسماء حسنى. وحسنى أفعل تفضيل، لأن أهل اللغة يقولون: حسنى مؤنث أحسن (٢)، فأسماؤه حسنى، وهذا أكمل من أن يقال: إن أسماءه حسنة، لأن هذا لا يعطي معنى حسنى، فحسنى تدل على الحسن وكماله، فأسماؤه أحسن الأسماء، فلا بد أن يكون حسنها هو الغاية التي ليس فوقها غاية. وفي هذه الآية رد على: ١ - الجهمية؛ نفاة الأسماء مطلقًا. ٢ - وعلى المعتزلة؛ نفاة المعاني الذين ينفون معاني الصفات، لأنها إذا كانت لا تدل على صفات لم تكن حسنى، أفتكون حسنى لألفاظها فقط؟! فعند الجهمية هذه الأسماء التي في القرآن وفي السنة ليست أسماءً لله، وإضافتها إليه مجاز، وهي أسماء لبعض المخلوقات. وعند المعتزلة: هي أسماء لله، لكن لا تدل على معان، فعلى مذهبهم لا فرق بين عزيز وحكيم ورحيم وقدير، فكلها تدل على الذات، ولا تدل على إثبات صفات، ولهذا يقال: إنها على مذهبهم أعلام محضة، بمعنى: خالصة،

(١) سبقت الإشارة إليها في صفحة (١٦). (٢) لسان العرب (١٣/ ١١٦)، النحو الوافي (٣/ ٤١٣)، وانظر: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (٣١١)، وأسماء الله الحسنى للغصن (٦٧).

1 / 21

فإن الاسم: ١ - تارة يكون عَلَمًا محضًا. ٢ - وتارة يكون صفةً. ٣ - وتارة يكون عَلَمًا وصفةً. فمثال الأول: الإنسان الذي اسمه صالح وليس فيه من الصلاح شيء؛ فصالح بالنسبة له عَلَمٌ محض. ومثال الثاني: الرجل الذي اسمه محمد وهو رجل صالح، نقول: محمدٌ صالح، فصالح صفة وليس بِعَلَم. ومثال الثالث: إذا اجتمع الوصف والعلمية؛ كما في اسم الرسول محمد، فمحمد اسم نبينا ﵊ هو عَلَمٌ وصفة، ليس هو مثل مَنْ يُسمى مِنْ سائر الناس، فمحمد كما يسمى به بعض الناس هذا عَلَمٌ عليه فقط، لكن بالنسبة لنبينا هو علم وصفة، فهو عَلَم دال على شخصه الكريم، ويدل على ما يتصف به من كثرة المحامد، فمحمد اسم مفعول من حُمِّد، فهو كثيرًا ما يحمد لكثرة محامده ﵊، وضد محمد: مذمم؛ كما يفتري المشركون ويسبون الرسول ويقولون عنه: مذمم، وهو محمد ﵊ (١)، وسيأتي توضيحٌ أكثر لهذه المسألة (٢).

(١) أخرج البخاري في صحيحه (٣٥٣٣) عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريشٍ ولعنهم؟! يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا، وأنا محمد ". وانظر في معنى الحديث: مجموع الفتاوى (١٦/ ٦٠١)، والصارم المسلول (٢/ ٣١٨)، وشروح الصحيح. (٢) في صفحة (...).

1 / 22

فأسماء الله - إذن - أعلام وصفات، ومثل هذه يقول أهل العلم: إنها متحدة من وجه ومختلفة من وجه (١)، فيصح أن تقول: العزيز هو الحكيم، والحكيم هو الرحيم، ويصح أن تقول: إن العزيز غير الحكيم، والحكيم غير الرحيم؛ فهي متحدة في دلالتها على الذات، فالمسمى واحد والصفات مختلفة. والشيخ أوضح معنى كونها حسنى بما ذكره من الأسماء: كالحي والعليم والرحمن والعزيز والحكيم، فكل اسم متضمن لصفة؛ فمثلًا: الحياة هذه الصفة كاملة في حق الله لكنها في حق المخلوق حياة ناقصة مسبوقة بعدم وملحوقة بالموت، وأما حياة الرب فهي حياة كاملة؛ ولهذا نقول: إنها واجبة له تعالى " وتوكل على الحي الذي لا يموت " [الفرقان: ٥٨] " لا تأخذه سنة ولا نوم " [البقرة: ٢٥٥]. وهكذا اسمه العليم؛ فهو يدل على العلم المحيط بكل شيء من صغير وكبير مما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون. وهو ﷾ الرحمن الرحيم؛ وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم من الوالدة بولدها.

(١) انظر القاعدة الثانية من قواعد الأسماء وما ذكر هناك من مراجع، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (٣٣٣).

1 / 23

القاعدة الثانية: أسماء الله - تعالى - أعلام وأوصاف (١) أعلام باعتبار دلالتها على الذات. وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني. وهي بالاعتبار الأول: مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله ﷿. وبالاعتبار الثاني: متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ (الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم)، كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله ﷾ لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير ... وهكذا. وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف: ١ - لدلالة القرآن عليه؛ كما في قوله تعالى: " وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [يونس: ١٠٧]، وقوله: " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة " [الكهف: ٥٨]، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ٢ - ولإجماع أهل اللغة والعُرْف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له

(١) مجموع الفتاوى (٥/ ٢٠٦)، شرح العقيدة الأصفهانية (١٣٩ وما بعدها)، جواب الاعتراضات المصرية (ص ١٢٩)، بدائع الفوائد (١/ ٢٨٥)، توضيح مقاصد العقيدة الواسطية (١٠٥)؛ وانظر: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (٣٣١ مهم).

1 / 24

علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أَبْيَنُ من أن يحتاج إلى دليل. وبهذا عُلِمَ ضلالُ من سلبوا أسماء الله - تعالى - معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله - تعالى - سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة وهكذا .. وعللوا ذلك: بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء. وهذه العلة عليلة؛ بل ميتة لدلالة السمع (١) والعقل على بطلانها. أما السمع: فلأن الله - تعالى - وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى: " إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [البروج]، وقال تعالى: " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى* وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى " [الأعلى]؛ ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء. وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف، حتى يلزم من ثبوتها التعدد، وإنما هي مِنْ صفات مَن اتصف بها، فهي قائمة به، وكل موجود فلا بُدَّ له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود، أو ممكن الوجود، وكونه عينًا قائمًا بنفسه أو وصفًا في غيره. وبهذا - أيضًا - عُلِمَ أن: (الدهر) ليس من أسماء الله - تعالى -؛

(١) قال المؤلف ﵀: السمع هو: القرآن والسنة، وسيمر بك هذا التعبير كثيرًا فانتبه له. اهـ قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كما في جامع المسائل (المجموعة الخامسة / ص ١٩٣): وهذه الطرق الثلاثة: السمع، والبصر، والعقل = هي طرق العلم.

1 / 25