225

The Clearest Exegesis

أوضح التفاسير

Publisher

المطبعة المصرية ومكتبتها

Edition Number

السادسة

Publication Year

رمضان ١٣٨٣ هـ - فبراير ١٩٦٤ م

Genres

﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ التحريض: المبالغة في الحث على الأمر ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ على مرضات ربهم وطاعته، يجاهدون أعداء الله تعالى ابتغاء جنته ﴿يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ نتيجة العدد في الفرضين واحدة؛ وهو أن الواحد من المؤمنين الصابرين؛ يغلب العشرة من الكافرين؛ وإنما كررها تعالى ليبين لنا أن زيادة العدد أو نقصانه لا يؤثران في الغلبة: فسواء كان المجاهد واحدًا أو ألفًا؛ فإن الواحد يغلب العشرة، والألف يغلب العشرة الآلاف؛ مع اشتراط الصبر في هذا، والكفر في ذاك ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي تلك الغلبة بسبب أن الكافرين ﴿قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ لأنهم يقاتلون بغير احتساب وطلب ثواب؛ فيقل ثباتهم، وتضعف عزيمتهم. وقد كان ذلك عند بدء الإسلام، وقلة معتنقيه، وكثرة أعدائه ومحاربيه؛ فلما نما الإسلام، وزاد المسلمون: خفف الله تعالى عنهم:
﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بقوته ومعونته ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالعون والنصر، والإمداد
﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ ما صح وما جاز ﴿أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ الإثخان: كثرة القتل؛ وذلك حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام والمسلمين بالاستيلاء والقهر؛ ثم يكون بعد ذلك الأسر. وقد روي أن النبي أتى بسبعين أسيرًا - فيهم العباس عمه وعقيل - فاستشار النبي أصحابه فيهم؛ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: كذبوك وأخرجوك، فقدمهم واضرب أعناقهم؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله قد أغناك عن الفداء: مكن عليًا من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان - لنسيب له - فلنضرب أعناقهم فقال ﵊: مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم؛ حيث قال: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ومثلك يا عمر كمثل نوح؛ حيث قال: ﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ ثم قال رسول الله ﷺ لهم: «إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم؛ فقالوا: بل نأخذ الفداء - فاستشهدوا بأحد - فلما أخذوا الفداء نزلت هذه الآية ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ أي متاعها؛ ويعني به ما أخذ من فدية الأسرى ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ﴾ لكم ﴿الآخِرَةَ﴾ وما فيها من نعيم مقيم وفي هذه القصة من احترام الشورى، والنزول على رأي الأغلبية ما فيه؛ وليس من أحد أوسع حكمة، وأسدّ رأيًا، وأهدى ⦗٢٢٠⦘ رشدًا؛ من الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ ولكنه استشار أصحابه، وأمضى رأي الجماعة؛ تنبيهًا لأمته، وتعليمًا لهم؛ وإقرارًا لنظم الشورى، وهذه هي الديمقراطية الحقة؛ التي يجب السير على نهجها ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ في ملكه، غالب لا يغلب ﴿حَكِيمٌ﴾ في صنعه

1 / 219