214

The Clearest Exegesis

أوضح التفاسير

Publisher

المطبعة المصرية ومكتبتها

Edition Number

السادسة

Publication Year

رمضان ١٣٨٣ هـ - فبراير ١٩٦٤ م

Genres

﴿أَيُشْرِكُونَ﴾ به في العبادة ﴿مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ يخلق الله تعالى الحجارة - التي هم من جنسها - ويخلق الإنسان منها الأصنام التي يعبدها
﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ أي لا تستطيع الأصنام ﴿لَهُمْ﴾ أي لعابديهم ﴿نَصْرًا﴾ على عدوهم ﴿وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ لو أراد أحد الناس بهم سوءًا؛ وها هو إبراهيم ﵊ قد حطمها تحطيمًا، وتركها جذاذًا؛ وقال لعبدتهم ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ﴾ أي وإن تدعوا هذه الآلهة ﴿إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ﴾ لأنهم لا يسمعونكم، ولا يرونكم ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ أي سيان عندهم دعاؤكم وصمتكم؛ فكيف يهديكم إلى الرشاد؛ من إذا دعي إليه: استوى عنده دعاؤكم وصمتكم؛ لأنه لا يسمع ولا يعقل
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تعبدون ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ مملوكون له؛ كما أنتم له مماليك ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ يجيبوكم لما دعوتموهم إليه. وإلا فكيف تعبدون ما لا يسمع ولا يعقل؟
﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾ كأرجلكم ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ﴾ كأيديكم ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ﴾ كأعينكم ﴿أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ كآذانكم؟ فإذا كانوا لم يبلغوا بعد حد العابدين المخلوقين؛ فكيف تسوونهم بأحسن الخالقين؟ ﴿فَلاَ تُنظِرُونِ﴾ تؤجلون وتمهلون
﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ العفو: ضد الجهد؛ أي تسهل في معاملة الناس من غير كلفة، ولا تطالبهم بما يشق عليهم، أو ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أي الزيادة. والمعنى: لا تأخذ للصدقات إلا مما زاد عن حاجتهم. قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ﴾ وقيل: إنها نسخت بعد نزول آية الزكاة ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ المعروف والجميل من الأعمال. وقد ورد عن الرسول الكريم صلوات الله تعالى وسلامه عليه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾: هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك وحقًا إن من يرى ما فعله الرسول ﵊ بأعدائه؛ بعد أن أوسعوا في الكيد له، وأفرطوا في إيذائه والنيل منه إن من يرى ذلك الإيذاء والبلاء، ويرى بعد ذلك معاملته لهم؛ بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، ودخل مكة - فاتحًا ظافرًا - بجيش عرمرم لجب؛ لم تر جزيرة العرب مثله من قبل؛ يكتسح مكة، وتطؤها خيله؛ والبلاد جميعًا في قبضته وتحت رحمته؛ وقد شملها - مع القدرة - عفوه، وعمها - مع القوة - عدله فلم تثره عليهم حفيظة، أو تحفزه على الفتك بهم ضغينة في حين أن مثلهم قليل عليه هلاك النفوس، وقطع الرؤوس ⦗٢٠٩⦘ انظروا إلى أبي سفيانبن حرب؛ وقد فعل بالمؤمنين ما فعل، وآذاهم أبلغ الإيذاء، وأنزل بهم صنوف البلاء: فهو الذي نكل بهم أشد التنكيل في أحد، وزلزلهم في الخندق، وهاج عليهم القبائل، وحرض عليهم الكفار والمنافقين وانظروا عفو الرسول عنه، بعد أن أمكن الله منه: فإن عفوه ﵊ لم يقف عند حد فك أسره وإنجائه من الموت فحسب؛ بل قد منَّ عليه بما أعظم شأنه، ورفع رأسه: فقد قال عند دخول مكة «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فأي معروف هذا، وأي فضل، وأي عفو؟ ورب قائل يقول: إن إكرام أبي سفيان وتكريمه، والعفو عنه: إنما كان لرفعته في قبيلته، وكرامته على قومه. فها هو ذا «وحشي» ذلك العبد الحبشي، الذي لا أهل له يدفعون عنه، ولا عشيرة تؤويه، ولا قبيلة تحميه؛ وهو الذي أدمى قلب المسلمين، بقتل إمام المجاهدين: عم الرسول ﵊ «حمزة» سيد الشهداء؛ وقد جيء بوحشي إلى رسولهالله؛ وقد أسلم - أو تظاهر بالإسلام وقتذاك خشية القتل - ولا شيء حينئذٍ أحب إلى سائر المسلمين من أن يروا دمه؛ كما رأوا أحشاء حمزة وقد طعنه وحشي بحربته خيانة وغدرًا فلم يكن شأن الرسول معه سوى أن قال له: «غيب عني وجهك فلا أرينك» فأي مثل هذا لضبط النفس، والعفو الجميل وإننا لو أردنا أن نورد طرفًا مما كان عليه من كريم الخصال، وحميد الفعال: لما وسعتنا الأسفار الضخام؛ فتبارك الذي خصه بمحاسن الأخلاق (انظر آية ٤ من سورة القلم)

1 / 208