بتدريسهما بالجامعة الشهيرة بمظاهر العلوم بسهارنفور، والكتب الباقية كان يدرِّسها والدي المرحوم، فلما شرعت في القراءة على والدي كتب الحديث سوى البخاري والترمذي فتركتهما للشيخ ﵀؛ لأنه كان أولًا في سفره للحجاز المقدس، ثم أسرته الحكومة الإنجليزية وحبسته في سجن "نَيْني تال" (^١) مدة لقيامه بحركة تحرير بلاده ضد الاستعمار الغاشم، ولكن بعدئذ نبَّهني بعض أقربائي على أن والدي متألم لعدم قراءتي عليه الجامعَيْن، فحرَّضني ذلك على قراءتهما عليه أيضًا.
وقد اهتم والدي نوَّر الله مرقده بتدريس البخاري اهتمامًا بليغًا حتى إنه وسع في وقت تدريس البخاري بضم ساعة [سنن] النسائي إليه، وجعل يدرِّس النسائي يوم الجمعة، وأنا أيضًا بالغت في الاهتمام به حتى إنه لم يفتني أي حديث، ولم أقرأ حديثًا إلا على وضوء، وقد التزمت في ذلك الزمان أن أصلي العشاء بوضوء الظهر.
ثم إن والدي ﵀ رحمة واسعة لبَّى داعي ربه في ذي القعدة من تلك السنة فازداد قلبي حبًا وشغفًا به، وقد جرت العادة بأن المرء يعرف قدر النعمة بعد زوالها كما قيل:
فَقَدْتُ زَمَانَ الْوَصْلِ وَالْمَرْءُ جَاهِلٌ … بِقَدْرِ لَذِيذِ الْعَيْشِ قَبْلَ المْصَائِبِ
وكنت عازمًا في حياة والدي أن لا أقرأ جامعَي البخاري والترمذي إلا على شيخي حضرة المحدث السهارنفوري، ولذا لم أشرع فيهما عند والدي رحمه الله تعالى في أول الأمر كما تقدم، ثم كما ذكرت آنفًا أني اضطررت في القراءة عليه، ولكنه درَّسنيهما بصورة استأصلَتْ كل فكرة عن دراستهما مرة أخرى عند غيره رحمه الله تعالى، وبعد وفاته زاد هذا الأثر، حتى ثبت عكس ما قال في البداية.