The Case and Dialogue of Violence in Contemporary Islamic Work
قضية وحوار العنف في العمل الإسلامي المعاصر
Publisher
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Genres
[تقديم]
قضية وحوار العنف
في العمل الإسلامي
المعاصر
Unknown page
تقديم الحمد لله القائل: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله القائل: «بلغوا عني ولو آية» أما بعد:
فإن مما امتن الله ﷾ به على المملكة العربية السعودية، أن قيّض لها قيادة رشيدة أرست دعائمها وفقًا لعقيدة الإسلام وشريعته، الذي تلتزمه دستورًا ونظامًا لتسيير جميع مناشط الحياة فيها، وتبذل في سبيل نصرته غاية وسعها، حتى غدت نموذجًا يعتز به المسلمون في العالم.
وإن مركز البحوث والدراسات الإسلامية حلقة من حلقات الدعم السخي من لدن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وحكومته الرشيدة، لحقل الدعوة إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة. ذلك أن من أهم الواجبات المنوطة بالمركز: إعداد الدراسات والبحوث عن القضايا الإسلامية الكبرى، مما يعضد مسيرة الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
وإن من توفيق الله ﵎ للمركز، أنه نجح في إصدار بواكير أعماله في مدة يسيرة، على الرغم من متطلبات التأسيس المضنية.
فلقد أصدر العدد الأول من سلسلة الكتاب الإسلامي.
1 / 5
كما نشر العددان الأول والثاني من نشرة الباحثون لفتح قناة اتصال مباشر بين المركز ونخبة الباحثين من رجال العلم والدعوة في أنحاء العالم.
وها هو المركز يقدم اليوم باكورة إنتاجه في سلسلة قضية وحوار التي تمتاز بطرح علمي يسهم فيه عدد من العلماء، من خلال حوار حضاري من أبرز خصائصه: التزام آداب الشرع المطهر، وتحري الحق والصواب، والحرص على وحدة الصف المسلم في وجه التحديات المختلفة، وبث الوعي، وتحذير الأمة من كيد المتربصين وانحرافات الجانحين.
وقد آثر المركز أن يستهل هذه السلسلة بقضية العنف في العمل الإسلامي المعاصر، الذي يثير الأسى في قلب كل مؤمن يهمه مستقبل الإسلام ومصير المسلمين.
وإننا ندعو الله ﷿ أن يوفّق المركز إلى تناول المشكلات الأخرى بالتشخيص الدقيق وتلمس سبل العلاج الناجع - بإذن الله -.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور / عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
[ضيوف القضية]
ضيوف القضية ١ - الشيخ محمد بن صالح العثيمين - الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم، وعضو هيئة كبار العلماء.
٢ - الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان - عضو الإفتاء بالإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
٣ - الأستاذ الدكتور صالح بن غانم السدلان - أستاذ الفقه بكلية الشريعة بالرياض.
٤ - الدكتور عبد الرحمن بن سليمان المطرودي - وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.
٥ - الدكتور علي بن إبراهيم النملة - عضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية.
٦ - الشيخ فيصل أنور مولوي - الأمين العام للجماعة الإسلامية ورئيس بيت الدعوة والدعاة في لبنان.
٧ - الدكتور كامل الشريف - الأمين العام للمجلس العالمي للدعوة والإغاثة، ووزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية بالأردن سابقا.
1 / 6
٨ - الدكتور محمود بن أحمد شوق - مستشار رابطة الجامعات الإسلامية.
٩ - الدكتور إبراهيم بن محمد أبو عباة رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني في المملكة العربية السعودية.
١٠ - الشيخ إبراهيم محمود جوب - الأمين العام لرابطة علماء المغرب والسنغال، ورئيس جمعية الدراسات والبحوث في الإسلام والتنمية، وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
١١ - الدكتور أبو الخير بريغش - رئيس اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا.
١٢ - الشيخ أبو الكلام محمد يوسف - نائب أمير الجماعة الإسلامية في بنغلادش.
١٣ - الدكتور أحمد جاب الله - وكيل الكلية الأوربية للدراسات الإسلامية في فرنسا، ونائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا.
١٤ - الدكتور جمال الدين محمود - عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
[بين يدي الكتاب]
1 / 10
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنه يحز في نفس المسلم ظهور فئات ترفع راية الدين الحنيف، وشعارات تطبيق الشريعة السمحة، لكن هذه الفئات لا تحتكم في مشكلاتها إلى شرع الله القويم، فليس أهون عندها من إراقة الدماء المعصومة، وانتهاك الحرمات بزعم إنكار المنكر!
ولم يكن أعداء الصحوة الإسلامية المعاصرة ليحلموا بأن يسدي إليهم الغلاة ذرائع يستغلونها لتشويه صورة الإسلام، ومحاربة كل مسعى إسلامي مهما كان معتدلًا ومسالما.
صحيح أن المتربصين بالإسلام والمسلمين لن يكفوا عن حقدهم الموروث حتى لو زالت تلك الذرائع، إلا أن ممارسات الغلو والشطط من قبل بعض المنتسبين إلى الإسلام، آزرت أهدافهم الخبيثة، وهي مؤازرة لا تشرّف مسلمًا مهما ادعى حسن النية.
ورب قائل يقول: إن دعاة التطرف والغلو هم قلة منبوذة في خضم التيار الإسلامي العريض، وهو أمر نعترف به، غير أن صوت هؤلاء الجانحين شديد القعقعة، وآثار توجهاتهم المدمرة تستفحل، لا سيما أن
1 / 13
بعض الشباب المتحمسين لإسلامهم قد ينخدعون بدعاواهم التي يزرّقونها بغايات لا خلاف عليها، ويسوقونها مشفوعة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بعد تحريف دلالاتها.
إن الإشفاق على مستقبل الصحوة الإسلامية المباركة - بإذن الله - هو الحافز الأول لهذا الجهد المتواضع.
ولقد حرص المركز على استضافة عدد من العلماء المسلمين، يمثلون مختلف التخصصات، ويعملون في حقل الدعوة في أنحاء شتى من العالم، لكي تأتي الآراء أقرب ما تكون إلى الدقة والحياد العلمي المطلوبين في معالجة هذه الظاهرة المؤسفة.
وكانت الأسئلة التي عرضت على الشيوخ والأساتذة الأفاضل هي:
- ما عوامل نشوء تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في زماننا، وما صلتها بتيارات الغلو القديمة؟
- ما ضوابط تغيير المنكر باليد؟
- ما مدى مشروعية الجماعات الإسلامية المعاصرة؟
- كيف يمكن التصدي لدعوات التكفير والخروج المسلح على الحاكم المسلم؟
1 / 14
- ما السبيل إلى تحكيم شرع الله في البلدان الإسلامية التي تحكمها نظم علمانية؟
- ما تأثير تيارات العنف هذه في مستقبل الصحوة الإسلامية؟
ولقد التزمنا الأمانة التامة التي يأمر بها ديننا، في تقديم إجابات أهل الذكر المشاركين في هذه القضية، ولذلك سيلمس القارئ الكريم أن الضيوف الأفاضل أجمعوا على إدانة العنف المنتسب - زورًا - إلى الإسلام، وعلى ضرورة مواجهة فتنة تكفير المجتمعات والحكومات المسلمة، وعلى تطبيق الشريعة في كل بلد مسلم، وعلى أن ظاهرة العنف الضال تهدد الصحوة الإسلامية تهديدًا خطيرًا.
وختامًا: ندعو الله ﷿ أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به. ثم نزجي الشكر خالصًا إلى أصحاب الفضيلة والسعادة الذين لبوا دعوتنا، وأسهموا في بيان الحق في هذه القضية الحساسة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هيئة تحرير السلسلة
1 / 15
[المحور الأول النشأة والأسباب]
[بين مكة والمدينة]
المحور الأول
النشأة والأسباب
1 / 17
بين مكة والمدينة إن من يتدبر كتاب الله ﷿ ويطّلع على الأحاديث النبوية، ويتأمل سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ وصحابته الكرام، يتضح له أن الإسلام دين السلام؛ فهو يأبى العنف ويقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومخاطبة الفطرة لإزالة الصدأ الذي علاها بفعل البيئة المنحرفة. بل إن نبينا ﷺ لم يختر إبادة مشركي مكة إبادة ربانية محضة، وذلك كما جاء في حديث عائشة ﵂ قالت: قلت للنبي ﷺ: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت
1 / 19
أطبقت عليهم الأخشبين، قال رسول الله ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (١) .
ولما أُمِر النبي ﷺ وأصحابه بالهجرة إلى يثرب وأقام هناك دولة التوحيد، لم يمارس العنف ضد رءوس الكفر الذين لم يدخروا وسعًا في محاربة الإسلام، فحاربهم حرب جيش لجيش إلى أن تحقق الوعد الإلهي الكريم، ففتحت مكة المكرمة وتطهرت الجزيرة العربية من رجس الوثنية، وانطلق النور إلى أنحاء المعمورة مبشرًا بحضارة جديدة لا نظير لها.
إن هذه البدهيات المعلومة من دين الإسلام ومن تاريخه الناصع بالضرورة، تدحض الغلاة الذين يبيحون اليوم دماء المسلمين باسم إقامة دولة الإسلام، على الرغم من أنهم - علموا أو جهلوا - يناصرون بمنهجهم العليل أكذوبة المنصرين والمستشرقين القائلة: إن الإسلام انتشر بالسيف.
غير أن موقفنا المعارض لهذه الضلالات، وهو موقف ندين لله به، لا يلغي الحاجة إلى البحث في العوامل التي أسهمت في نشأة تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في عصرنا، لا سيما أن أهل السنة والجماعة عُرفوا تاريخيّا. بمناوأة أهل التكفير الذين يستبيحون الدم المسلم المعصوم.
_________
(١) رواه البخاري ٦/ ٢٢٤، ٢٢٥ في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي التوحيد، باب وكان الله سميعا بصيرا، ومسلم رقم ١٧٩٥ في الجهاد باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين.
1 / 20
[الجهل والخوارج]
الجهل والخوارج سألنا أصحاب الفضيلة: ما عوامل نشوء تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في زماننا؟ وما صلتهم بتيارات الغلو القديمة؟
وهذه هي إجابتهم:
* الشيخ محمد بن صالح العثيمين: سبب كل داء وفتنة شيئان أحدهما: الجهل، الجهل بالشريعة الإسلامية المبنية على الحكمة، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣] (سورة النساء - الآية: ١١٣) .
والثاني: الهوى الذي يعمي عن رؤية الحق ويصم عن سماعه ويبكم عن النطق به، فأما صلة هذه التيارات بما قبلها فإنه من المعلوم أن البشر هم البشر منذ خلقهم الله تعالى إلى اليوم، وفيهم المتطرف المفرط وفيهم الغالي وفيهم الوسط، وهذا خير الأقسام لأن المتطرف من هنا أو هناك ينظر إلى الأمور من زاوية واحدة فيفوته القيام بالقسط الذي هو العدل.
* الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ظاهرة العنف المعاصر المنسوب إلى الإسلام - زورا وبهتانا - تعود في جذورها القديمة إلى الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة، الذين عُني أهل السنة والجماعة بدراسة مذاهبهم
1 / 21
ومعرفة شبَههم وتفنيدها في كتب العقيدة، بل قاوموا هذه الفرق بالسلاح لقمعهم ودفع شرهم عن الإسلام والمسلمين، وبخاصة أن أكثر الفرق الضالة كانت تحارب المسلمين وتنكص عن مقاتلة الكافرين (١) .
وإن من أسباب تفشي هذه الأفكار الضالة في زماننا: الجهل بالدين، وتمكن دعاة الفتنة المغرضين من مخاطبة الرأي العام، ونشر كتب فرق الضلال القديمة أو الكتب المعاصرة المستمدة منها.
* د علي بن إبراهيم النملة: أضيف إلى ما سبق: الحماس الجارف والعاطفة الجياشة لدى بعض شباب الصحوة الإسلامية، من ذوي البضاعة العلمية المحدودة، الأمر الذي يدفعهم إلى الاستعجال والتهور ومحاولة فرض ما يرونه حقّا على الآخرين عنوة، وهم بذلك يكونون لقمة سائغة للخبثاء الذين يرومون تحقيق مآرب سياسية وشخصية باسم الإسلام. بل إن من هؤلاء من لا يكتفي بجهله، وإنما يضم إليه الجرأة على الفتوى والافتئات على علماء الأمة العاملين، والانتقاص من قدرهم.
* د. أحمد جاب الله: الوجه الآخر للقضية هو الصد عن سبيل الله في بعض البلدان المحكومة بتوجهات علمانية متطرفة، سبقت ظهور الغلاة، حيث دأبت على محاربة دين الله واتهامه بأنه رجعي ومسئول عن حالة
_________
(١) بل إن كثيرا من الفتن والثورات الظالمة التي قام بها هؤلاء كانت تتم ضد الدولة الإسلامية وهى تسير جيوش غربًا وشرقًا.
1 / 22
الانحطاط الحضاري للأمة ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٥] (سورة الكهف، الآية ٥) .
* د أبو الخير بريغش: أرى أن المتنطعين الذين قال فيهم رسول الله ﷺ: «هلك المتنطعون» مسئولون عن كثير من مآسي المسلمين، دون أن يعني ذلك تبرير مسالك النظم العلمانية، التي تعادي الإسلام نفسه، لكنها تتخذ من مكافحة الغلاة ذريعة وستارًا.
ولا أبرئ علماء المسلمين من المسئولية - إلا القليل منهم - لأنهم لم ينهضوا بدورهم التربوي نحو الشباب، وذلك فضلًا عن التحريض الغربي - سياسيّا وإعلاميّا - ضد كل ما هو إسلامي (١) .
_________
(١) وخير مثال على ذلك الحملات الغربية والعلمانية الجائرة على المملكة العربية السعودية كلما طبقت حدًّا من حدود الله في قاتل أو سارق أو مهرب مخدرات، مع أن المملكة منذ نشأتها تحتكم إلى الكتاب والسنة وتناهض الغلو والانحراف عنهما.
1 / 23
[ثقافة العنف]
[أولا الأسباب العامة]
ثقافة العنف * د. محمود بن أحمد شوق: لا نستطيع إرجاع ظاهرة العنف الإسلامي الحديثة إلى سبب واحد، وإنما هي ثمرة جملة من العوامل، بعضها إنساني عام، وبعضها الآخر وليد ظروفنا الذاتية.
أولًا - من الأسباب العامة ١) انتشار ظاهرة العنف في جميع أنحاء العالم، واستخدام العنف في العلاقات الدولية، والحروب التي لا ينطفئ لها سعير شاهد على هذا؛ فبالأمس كنا نتحدث عن حرب البوسنة والهرسك والصرب، وحرب أفغانستان والاتحاد السوفيتي، وحرب إيران والعراق، وعدوان إسرائيل على العرب، واعتداء العراق على الكويت، إلى آخر قائمة الحروب التي شهدناها.
واليوم، لا تزال طاحونة العنف تطحن البشر: روسيا ضد الشيشان، والهند ضد كشمير، وإسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين، رغم الاتجاه إلى السلام، وصراع الفصائل الأفغانية فيما بينها، وحرب نمور التاميل والجيش السيرلانكي، وتمرد جنوب السودان، وحرب القبائل في رواندا، وغيرها من طواحين الحرب التي تصم أخبارها آذان البشر كل يوم.
1 / 24
٢ -) انتشار ثقافة العنف في الإعلام إن المتابع للإعلام الغربي - على وجه الخصوص - يجد العنف قد تبوأ فيه مساحة كبيرة، فأفلام الحركة التي تعتبر اتجاها عصريّا في هذه الأيام تعتمد - بالدرجة الأولى - على العنف والاقتتال. ولكي يمكن تبرير هذا العنف لا بد أن تختل موازين العلاقة بين الأفراد أو الجماعات في أحداث هذه الأفلام من أجل أن يجد مخرجوها أسبابًا تقنع المشاهد بأن هذا العنف ينسجم مع سلسلة الأحداث التي تحتويها. وفي كثير من الأحيان يكون الغلو في الفكر أو الغلو في الاعتداء أو الغلو في فرض الإرادة والسيطرة أو غير ذلك من مجالات الانحراف في العلاقات - هو محور هذه الأفلام - وبذلك، فإن هذه الأفلام تغرس الانحرافات السلوكية إضافة إلى العنف في نفوس مشاهديها.
والمشاهد لأفلام الكراتيه والجودو وحتى برامج الأطفال يجد العنف هو الأساس في أحداثها. ولا يخفى على أحد أن التلفاز أداة جاذبة للصغار والكبار، وبكل أسف فإن الإعلام في كثير من بلدان العالم الإسلامي يعب من هذه المواد الإعلامية الغربية فتغرس في أبناء المسلمين الاتجاه إلى العنف، وبخاصة أن عرض المواد التي تحمل هذا الاتجاه يكون شائقًا. مما يجعلها بالنسبة لأبناء المسلمين مثل السم في العسل.
1 / 25
٣ -) الخواء العقدي لا شك أن العقيدة الإسلامية الراسخة تكون زادا للإنسان في رحلة الحياة، ورجاء له من الوقوع في المحظور، وعضدًا له في مواجهة مشكلات الحياة وخطوبها، وهى تحرر الإنسان من الخوف من غير الله، وتقيم سلوكه على الحق والعدل، وتشعره بعون الله الدائم ورعايته المستمرة، ومن ثم لا يشعر باليأس أو القنوط، بل تكون نفسه راضية مرضية.
أما عند غير المسلمين فإن هذا الخواء قد جعل كثيرًا من الناس - وبخاصة الشباب منهم - غير راضين عما يحيط بهم من معطيات الحياة، ومن ثم أصبح هؤلاء بين منتحر أو رافض. لذلك نجد نسبة الانتحار في دول الغرب قد زادت بصورة غير مسبوقة. كما أن الخروج على القوانين والأعراف والتقاليد السليمة أصبح أمرا مألوفا. ليس هذا فحسب، فإن التقاليد والعادات الفاضلة أصبحت تتوارى خجلًا من القيم النقيضة الغازية التي أضحت أعلى صوتًا وأكثر شيوعًا. وإذا كان الانتحار - ولله الحمد - لم ينتشر في بلاد المسلمين، لأن ديننا يحمينا من هذا، فإن الخروج على إلى المألوف والرفض لكثير من القيم والأعراف أصبح ظاهرة في كثير من المجتمعات الإسلامية ولا سيما عند الشباب.
1 / 26
٤ -) انتشار الحضارة المادية على حساب القيم الروحية والأخلاقية فما تطلعات شباب اليوم؟ سيارة فاخرة، ومنزل أنيق، ودخل مادي كبير، واقتناء الأدوات غالية الثمن. إلى غير ذلك من الأسباب المادية.
ومن هم المثل الأعلى للشباب؟ هل هم علماء الدين أم المعلمون أم الآباء أم رجال الدعوة؟ كل هؤلاء اضطروا إلى ترك مواقعهم لفئات أخرى مثل: الفنانين، ولاعبي كرة القدم وغيرهم من أصحاب المهن التي تدر الثراء السريع، وهذا التحول تؤكده بكل أسف بحوث علمية.
هذا التحول في القدوة أتاح فرصًا لظهور أنماط من السلوك غير مرغوب فيها مثل السعار المادي، واللهاث وراء الكسب، بغض النظر عن الوسيلة في كثير من الأحيان، وسمح لقيم ساقطة أن تطفو على السطح على حساب قيم أخرى مثل الحق والعدل وغيرها من عناصر الأخلاق الفاضلة. وهذا يؤدي - بالضرورة - إلى اتجاهات منحرفة، وقيم منحرفة، ومن ثم إلى سلوك منحرف يعبر عن نفسه أحيانًا في صورة عنف أو تفكك في الأسرة، أو عداء ضد المجتمع أو غير ذلك من الموبقات التي تغشى المجتمعات في الوقت الحاضر.
1 / 27
[ثانيًا الأسباب الخاصة بمجتمعاتنا]
ثانيًا - الأسباب الخاصة بمجتمعاتنا ١) تفشي الأميات وبخاصة الأمية الدينية: إن الأمية التعليمية آفة من آفات المجتمعات الإسلامية. وكما هو معروف، فإن وجود الأمية التعليمية يتفرع عنه عدة أميات مثل: الأمية الثقافية، والأمية الاقتصادية، والأمية الاجتماعية وغيرها. ولكن يأتي على رأس هذه الأميات الأمية الدينية التي تجعل من الفرد صيدا سهلا للأفكار المضللة والتوجهات المنحرفة باسم الدين.
وإذا نظرنا إلى الشاب، فإننا نجده - وخصوصًا في بداية اليفاعة - تواقا إلى المعرفة عن دينه، ولا يمكن أن تغذي هذه الرغبة أسرة تتفشى فيها الأمية أو مجتمع يعانيها، ولذلك يكون هذا الشاب صيدا سهلا للمضللين باسم الدين؛ لأن هؤلاء يروون عطشه بمعلومات مغلوطة عن الدين.
٢ -) القصور في التربية الدينية: في كثير من المجتمعات الإسلامية لا يجد الشاب ضالته في المدرسة؛ لأن المدرسة لا تعنى بتدريس الدين ولا بالتربية الدينية بالقدر الكافي، ولا يجد ضالته في الإعلام؛ لأن الإعلام هو الآخر لا يعطي الدين الاهتمام الواجب، ولا يجد ضالته في المسجد؛ لأن المسجد في كثير من المجتمعات قد تخلى عن وظائفه التعليمية
1 / 28
والتربية، وربما لا يجد الشاب ضالته في الأسرة إذا كانت الأسرة تتفشى فيها العلمانية. كما أن حال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه المجتمعات لا تشفي غلة ولا تطفئ ظمأ. فماذا بقي لهذا الشاب الظمآن للمعرفة عن دينه؟
لم يبق له إلا المصادر غير الرشيدة، التي تضلله بغرس مفاهيم مغلوطة عن الدين والحياة والمجتمع وأولي الأمر فيه.
٣ -) ازدراء الرأي الآخر: يحدث اختلاف في وجهات النظر بين العلماء المسلمين في بعض القضايا التي تهم المسلمين بعامة والشباب منهم بخاصة؟ ومع أن اختلاف وجهات النظر أمر وارد بين الأفراد والجماعات في مختلف مجالات الحياة، وأن هذا الاختلاف - ما دام لا يمس الأساسيات - قد يكون ظاهرة صحية، تعطي فسحة لحرية التفكير والاجتهاد، فإننا نجد الشباب - على وجه الخصوص - يرون فيه مأخذا على علماء الدين.
ويغذي الراغبون في استقطاب الشباب نحو أهدافهم هذا التوجه، بل يجدون فيه فرصة سانحة لتجهيل العلماء بزعم أن اختلافاتهم في الظنيات دليل على عدم رسوخ علمهم، وهذا - بطبيعة الحال - قول مردود، ولكنه يستخدم لتضليل الشباب عن جادة الطريق.
1 / 29
٤ -) عدم فتح قنوات للحوار أمام الشباب: لحوار والتعبير عن الرأي من أساسيات الحياة الصحيحة، إذ يُشعر الفردَ بأنه مشارك في صنع القرارات الخاصة به وبمجتمعه، ويشعره بالمسئولية نحو هذا المجتمع، بالإضافة إلى شعوره بكيانه وتحقيق ذاته.
والشاب يمر بمرحلة نمو أحوج ما يكون الفرد فيها إلى الاعتراف بقدره، والتعبير عن وجهة نظره، وأحوج ما يكون إلى التوجيه والإرشاد والنصح.
ولذلك، فإن فتح قنوات الحوار بين الشباب والكبار، فوق أنه يتيح للشاب فرصة التعبير عن رأيه بقدر من الحرية التي تجعله مشاركًا بالرأي في صنع ما يمسه من أحداث، فإنه سوف يجد له مرشدًا يوجهه الوجهة السليمة، وهذا يحميه - بتوفيق الله - من أن يتلقفه أحد هؤلاء الذين لا يحسنون الظن بالمجتمع والمسئولين فيه، فيسيء توجيهه، ويدفع به إلى الانحراف عن الطريق القويم، وقد يلقي به في دائرة العنف كوسيلة لإثبات الذات وإجماع الصوت للآخرين.
1 / 30