16

Al-adab al-ṣaghīr t. khalf

الأدب الصغير ت خلف

Publisher

دار ابن القيم بالإسكندرية

Genres

بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن المقفع:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ حَاجَةً، وَلِكُلِّ حَاجَةٍ غَايَةً، وَلِكُلِّ غَايَةٍ سَبِيلًا.
وَاللهُ وَقَّتَ لِلْأُمُورِ أَقْدَارَهَا، وَهَيَّأَ إِلَى الْغَايَاتِ سُبُلَهَا، وَسَبَّبَ الْحَاجَاتِ بِبَلاَغِهَا.
فَغَايَةُ النَّاسِ وَحَاجَاتُهُمْ صَلاَحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَالسَّبِيلُ إِلَى دَرَْكِهَا الْعَقْلُ الصَّحِيحُ.
وَأَمَارَةُ صِحَّةِ الْعَقْلِ: اخْتِيَارُ الْأُمُورِ بِالْبَصَرِ، وَتَنْفِيذُ الْبَصَرِ بِالْعَزْمِ.
وَلِلْعُقُولِ سَجِيَّاتٌ وَغَرَائِزُ بِهَا تَقْبَلُ الْأَدَبَ، وَبِالْأَدَبِ تَنْمَى الْعُقُولُ وَتَزْكُو.
فَكَمَا أَنَّ الْحَبَّةَ الْمَدْفُونَةَ فِي الْأَرْضِ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَخْلَعَ يَبَسَهَا وَتُظْهِرَ قُوَّتَهَا وَتَطْلُعَ فَوْقَ الْأَرْضِ بِزَهْرَتِهَا وَرَيْعِهَا (١) وَنَضْرَتِهَا وَنَمَائِهَا إِلاَّ بِمَعُونَةِ الْمَاءِ الَّذِي يَغُورُ (٢) إِلَيْهَا فِي مُسْتَوْدَعِهَا فَيُذْهِبَ عَنْهَا أَذَى الْيَبَسِ وَالْمَوْتِ، وَيُحْدِثَ لَهَا بِإِذْنِ اللهِ الْقُوَّةَ وَالْحَيَاةَ = فَكَذَلِكَ سَلِيقَةُ الْعَقْلِ مَكْنُونَةٌ (٣) فِي مَغْرِزِهَا مِنَ الْقَلْبِ، لاَ قُوَّةَ لَهَا وَلاَ حَيَاةَ بِهَا وَلاَ مَنْفَعَةَ عِنْدَهَا حَتَّى يَعْتَمِلَهَا الْأَدَبُ الَّذِي هُوَ ثِمَارُهَا وَحَيَاتُهَا وَلِقَاحُهَا.

(١) الرَّيْع - بفتح الراء: النَّمَاءُ والزِّيادةُ.
(٢) غَارَ الْمَاءُ غَوْرًا وغُؤورًا: أي: سَفَلَ في الأرضِ.
(٣) اكتَنَّ الشيْءُ واستكَنَّ: أي: استتر، والْكِنُّ - بكسر الكاف: السُّتْرة.

1 / 21