228

Al-sīra al-nabawiyya: Manhajiyyat dirāsatihā wa-istirāḍ ḥadathihā

السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها

Publisher

دار ابن كثير

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

دمشق

Genres

ففي الخندق كان الصحابة رضوان الله عليهم- مهاجرين وأنصارا- يحفرون الخندق (شوال السنة الخامسة للهجرة) حول المدينة المنورة وينقلون التراب على متونهم، في غداة باردة، فرأى ﷺ ما بهم من النّصب والجوع والبرد، قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» «١»، فقالوا مجيبين له مرتجزين مرددين:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
كانوا يقومون بكل ذلك وهم مجهدون. وكان مأكلهم بشعا ومنتنا والقوم جياع، مرت ثلاثة أيام لم يذوقوا ذواقا. ورأى الصحابة بالنبي ﷺ خمصا شديدا، وهو ينقل من تراب الخندق، وكان عمره المبارك نحو ثمان وخمسين سنة، والغبار يلفّه حتى أتمه. فأقبلت العرب بقيادة قريش في عشرة آلاف.
والمسلمون لا يتجاوزوا الثلاثة آلاف. ونصر الله النبي ﷺ ومن معه. فكان ﵊ يقول، ويهتف: «لا إله إلّا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وغلب (وهزم) الأحزاب وحده فلا شيء بعده» «٢» .
في هذا الجو الرعيب الرهيب الكئيب، المحاط بالبرد والجوع والخوف، كان الصحابة أقوياء، يعملون في تلك الظروف، ونصرهم الله على عدوهم. وفي كل ذلك كان ﷺ أكثرهم عملا وتحملا وإقداما. فهو

يجثو بين يدي رسول الله ﷺ في الحرب ويقول: نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، ثم ينثر كنانته بين يديه. وكان جهير الصوت (صيّتا) . وفي الحديث: «لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل» . وكان ردف رسول الله ﷺ يوم خيبر. وعاش بعد رسول الله ﷺ يسرد الصوم حتى وفاته بالشام وهو ابن سبعين سنة. وإنه ركب البحر غازيا فمات شهيدا ﵁ وعن الصحابة أجمعين. سبق الحديث عن أبي طلحة مع ذكر المصادر. انظر: أعلاه، ص ٢٠٦- ٢٠٧.
(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، وهي الأحزاب، أرقام (٣٨٧١ ٣٨٧٤) . كذلك: البخاري، أرقام (٣٨٧٨- ٣٨٨٠) . وفي رواية يرد (الإسلام):
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا
(٢) البخاري، رقم (٣٨٨٨) . انظر: أدناه، ص ٣٧١.

1 / 235