وعلى كل حال فقد عرفنا من هذه المحاضرات القيمة الكبرى لدراسة كل ما له علاقة بالرسالة المحمدية، وعرفنا أن السيرة النبوية لا تعني فقط أن ندرس بعض أحداث هذه السيرة تاريخيًا، وقد أصاب الشيخ محمد الغزالي عندما ختم كتابه (فقه السيرة) بهذه الكلمات:
قد تظن أنك درست حياة محمد ﷺ إذا تابعت تاريخه من المولد إلى الوفاة، وهذا خطأ بالغ، إنك لن تفقه السيرة حقًا إلا إذا درست القرآن الكريم والسنة المطهرة. وبقدر ما تنال من ذلك تكون صلتك بنبي الإسلام ﷺ. أهـ.
* * *
ولقد صحح ما نقلناه عن الشيخ سليمان الندوي بعض المفاهيم والأغلاط ورسَّخ بعض المعاني، وقد آن الأوان لنكمل أغراض هذه المقدمة في التصحيح والترسيخ فأقول:
السيرة في الاصطلاح هي التأريخ لحياته ﵊ كما جرت عليه عادة كتاب السيرة. فالسيرة من هذه الحيثية يدخل فيها جزء من أفعاله وأقواله وتاريخه ﷺ وفي السيرة بالمعنى الاصطلاحي يقع بعض الناس في أغلاط.
من هذه الأغلاط أن بعضهم يعتبر السيرة النبوية بالمعنى الاصطلاحي وكأنها المصدر التشريعي الوحيد الذي تستخرج منه الأحكام، وبعضهم يستخرجون من السيرة قواعد وعموميات ويحاولون تطبيقها على جزئيات حياتية قد تدخل فيها وقد لا تدخل، وأحيانًا يفرضون على الأمة ألا تخرج على ما يستنبطون، ويحرمون على الأمة ألا تسير على ما يستخرجون، وهناك ناس يعتبرون أفعال رسول الله ﷺ كلها على حد سواء في فرضية الاقتداء، وهناك ناس يعطون أنفسهم حق التمييز بين أفعال الرسول ﷺ فهذا سنة وهذا مباح، وهذا فعَله بحكم رئاسته للدولة، وهذا فعله بحكم أنه مشرع للأمة، يعطون أنفسهم هذا الحق وهم ليسوا مؤهلين لذلك، وهذا كله يستدعي توضيحًا.
إن أفعال الرسول ﷺ كلها جزء من سنته، وسنته هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، ومصادر التشريع الأصلية أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. أما المصادر