The Authentic Sunnah and Its Role for al-Siba'i

Mustafa al-Siba'i d. 1384 AH
118

The Authentic Sunnah and Its Role for al-Siba'i

السنة ومكانتها للسباعي ط الوراق

Edition Number

الأولى

Publication Year

سنة ٢٠٠٠ م

Genres

وعذره الذي أوضحه يتفق مع الظرف الذي كان فيه المُسْلِمُونَ، إذ كان القرآن غضًا طريًا، والأمم تدخل في دين الله أفواجًا، فلا بد من توفرهم على كتاب الله حفظًا ودراسةً وتلاوةً حتى يكون الأساس لعقيدتهم والحامي لها من كل لُبْسٍ وَتَغْيِيرٍ، واستمر الأمر كذلك إلى أن وقعت الفتنة، وانتشر الكذب في الحديث ونهض أجلاء التَّابِعِينَ فمن بعدهم لمقاومة حركة الوضع، وقاموا بتلك الجهود الجليلة التي تحدثنا عنها، وقد كان من أول ثمار هذه الجهود أن دَوَّنُوا السُنَّةَ خوفًا عليها من الضياع، وصيانة لها من التَّزَيُّدِ والنقصان. وتكاد تجمع الروايات أن أول من فكر بالجمع والتدوين من التَّابِعِينَ عمر بن عبد العزيز، إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ، وَذَهَابَ العُلَمَاءِ» وطلب منه أن يكتب له ما عند عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةَ (٩٨ هـ) والقاسم بن محمد بن أبي بكر (١٠٦ هـ) والذي يظهر أنه لم يخص ابن حزم بهذا العمل الجليل، بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الآفَاقِ: «انْظُرُوا إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ فَاجْمَعُوهُ» (١) وبذلك نَفَّذَ عمر رغبة جَدِّهِ عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مُدَّةً ثم عدل عنها خوفًا من أن تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليها، والذي يظهر أن أبا بكر بن حزم كتب لعمر شيئًا مِنَ السُنَّةِ فقد أنفذ إليه ما عند عَمْرَةَ والقاسم، ولكنه لم يُدَوِّنُ كل ما في المدينة من سُنَّةٍ وَأَثَرٍ، وإنما فعل هذا الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيِّ (١٢٤ هـ) الذي كان عَلَمًا خفَّاقًا من أعلام السُنَّةِ في عصره والذي كان عمر بن عبد العزيز يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم بِالسُنَّةِ منه، والذي ذكر " مسلم " أن له تسعين حَدِيثًا لا

(١) وفي رواية الخطيب في "تقييد العلم " أنه كتب بذلك إلى أهل المدينة.

1 / 123