The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

Abdul Rahman Al-Shahem d. 1442 AH
90

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم، لأنه مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيء فَإنَّ في الْمَال والوَلَد فِتْنَة. ويَدُلّ عَلى ذلك مَا جَاء في حَدِيث حُذَيفة ﵁ أنه قَال: سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ يَقُول: فِتْنة الرَّجُل في أهْلِه ومَالِه ونَفْسِه وولَدِه وجَارِه؛ يُكَفِّرها الصِّيَام والصَّلاة والصَّدَقة والأمْر بِالْمَعْرُوف والنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر (^١). قال الزَّين بن الْمُنَيِّر: الفِتْنة بِالأهْل تَقَع بالْمَيْل إلَيْهِنّ، أوْ عَلَيْهِنّ في القِسْمَة والإيثَار حَتى في أوْلادِهِنّ، ومِن جِهَة التَّفْرِيط في الْحُقُوق الوَاجِبَة لَهُنّ، وبِالْمَال يَقَع الاشْتِغَال بِه عَنْ العِبَادَة، أوْ بِحَبْسِه عَنْ إخْرَاج حَقّ الله، والفِتْنَة بِالأوْلاد تَقَع بالْمَيْل الطَّبِيعِي إلى الوَلَد، وإيثارِه عَلى كُلّ أحَد (^٢). "والْمُرَاد بِالفِتْنة مَا يَعْرِض للإنْسَان مَع مَنْ ذُكِر مِنْ البَشَر، أوْ الالْتِهَاء بِهِم، أوْ أنْ يَأتِي لأجْلِهم بِمَا لا يَحِلّ لَه، أوْ يُخِلّ بِمَا يَجِب عَلَيه" (^٣). قال ابن بَطَّال: فِتْنَة الرَّجُل في أهْله: أن يَأتي مِنْ أجْلِهم مَا لا يَحِلّ لَه مِنْ القَوْل أوْ العَمَل مِمَّا لَم يَبْلُغ كَبِيرة. وقال الْمُهَلَّب: يُرِيد مَا يَعْرِض لَه مَعَهنّ مِنْ شَرٍّ أوْ حُزْن أوْ شِبْهة. قَوله: "ومَالِه" فِتْنَة الرَّجُل في مَالِه أن يَأخُذه مِنْ غَير مأخَذِه ويَصْرفه في غَير مَصْرفه، أوْ التَّفْريط بِمَا يَلْزَمه مِنْ حُقُوق الْمَال، فَتَكْثُر عَليه الْمُحَاسَبة. قَوله: "ووَلِده" فِتْنَة الرَّجُل في وَلَدِه فَرْط مَحَبَّتِهم، وشُغْله بِهم عَنْ كَثِير مِنْ الْخَيْر، أوْ التَّوغَّل في الاكْتِسَاب مِنْ أجْلهم مِنْ غَير اكْتِرَاثٍ مِنْ أن يَكُون مِنْ حَلال أوْ حَرَام (^٤). فلأَجْل هَذا جَاءَ في آيَة "التغابن" (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) والله أعلم. أمَّا آيَة "آل عمران" فإنها جَاءَت في سِيَاق النَّهْي عَنْ طَاعَة أهْل الكِتَاب، والأمْر بالاعْتِصَام بالله، والتَّمَسُّك بِحَبْلِه الْمَتِين؛ وذلك يَقْتَضِي الأمْر بالاتِّقَاء حَقّ التَّقْوى.

(^١) رواه البخاري (ح ١٣٦٨)، ومسلم (ح ١٤٤). (^٢) فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (٦/ ٦٠٥). (^٣) المرجع السابق، الموضع نفسه. (^٤) عمدة القاري، العيني (٥/ ٩) وقول ابن بطال والمهلّب عنده في الموضع نفسه.

1 / 90