The Abundant Showers Upon the Graves of the Hanbalis
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة
Investigator
بكر بن عبد الله أبو زيد، عبد الرحمن بن سليمان العثيمين
Publisher
مؤسسة الرسالة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة
تأليف
محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي
(١٢٣٦ هـ - ١٢٩٥ هـ) رحمه الله تعالى
حققه وقدم له وعلق عليه:
بكر بن عبد الله أبو زيد … في مدينة النبي ﷺ
د/ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين … مكة المكرمة - جامعة أم القرى
مؤسسة الرسالة
المقدمة / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا كتاب: «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» لجامعه الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد النّجدي ثم المكي، الحنبلي، المولود في بلده: «عنيزة» قاعدة القصيم، سنة ١٢٣٦ هـ، والمتوفى بالطائف سنة ١٢٩٥ هـ- رحمه الله تعالى-. كان قد بلغ من العلم مبلغا وشدا، وأمّ في المسجد الحرام وخطب، ودرّس، وأفتى، وألّف في المذهب الحنبلي وحقّق، وأسند، وأرّخ، وكان من مؤلفاته هذا الكتاب الذي ذيّل به على «طبقات ابن رجب المتوفى سنة ٥٩٧ هـ من حيث وقف ابن رجب في وفيات سنة ٧٥١ هـ، إلى قرب وفاة ابن حميد سنة ١٢٩٥ هـ، فحوى: «٨٤٣» ترجمة لعلماء الحنابلة خلال خمسة قرون ونصف قرن تقريبا.
وقد قرأت هذا الكتاب من أوّله إلى آخره فرأيت عليه مجموعة كثيرة من الملاحظات، والمؤاخذات، تتكون من قسمين اثنين:
القسم الأول:
مؤاخذات باعتبار المؤلّف «ناقلا لتراجم الحنابلة من كتب التراجم العامة»، فينقل الترجمة برمتها بما فيها من مؤاخذات. وهي طريقة مشتركة بينه وبين عامة المؤلفين لا سيما تراجم المتأخرين بعد انتشار الطّرق الصوفية وتعظيم القبور، وضعف
المقدمة / 5
التحقيق في التوحيد.
وهي في الأنواع الآتية:
١ - نعت المترجم له بتلقّي الطرق الصوفية، وأخذها بالإسناد، ولبس الخرقة، وتولّي مشيختها.
وهذا النوع في مواضع كثيرة قيدت أرقام تراجمها في أول تعليق على الترجمة رقم: ٥، ورقم: ٣٧.
٢ - وبالقبوريّات: من التبرك بها، وشدّ الرحال إليها والقراءة عندها، وإنشاد القصائد لها، والسؤال بالجاه، وما إلى ذلك كما في التعليق على التراجم رقم: ٧١، ١٥٩، ٥٠٦، ٥٤٨، ٥٩٢، ٦٩٩، ٧٩١.
وللمؤلف في بعض هذه، والتي قبلها نصيب.
٣ - تحليته بمناهي لفظية: في إطلاقها غلوّ وإطراء، مثل:
الغوث، القطب الصمداني، قاضي القضاة .. ونحوها كما في التراجم رقم: ١٧١، ٢٠٧، ٣٥٢، ٣٨٤، ٤٢٣، ٤٧٥، ٦٦٥، ٧٢٤، ٧٣٣.
أو تعبيد اسم لغير الله- تعالى- كما في التراجم- عرضا- رقم: ٨٤، ١٥٤، ٥١١، ٨٣٢.
٤ - اتخاذ الزّوايا، والدّفن فيها، كما في الترجمة رقم: ٣٠٠.
٥ - عدّ بعض البدع من ممادح المترجم له، مثل: بدعة الركب الرّجبي كما في الترجمة رقم: ٤٠.
المقدمة / 6
٦ - توسيع الدّعوى في الرّؤى والأحلام، كما في الترجمة رقم:
٢٨٣.
وقد جرى التعليق على هذه المؤاخذات باختصار، والحوالة على أول تعليق رغبة عن التكرار.
القسم الثاني:
مؤاخذات على المؤلف في كتابه باعتباره (قائلا)
وهذه في مواقف له تعارض الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمامان المحمدان: محمد بن سعود المتوفّى سنة ١١٧٩ هـ، ومحمد ابن عبد الوهاب، المتوفى سنة ١٢٠٦ هـ، - رحمهما الله-. كما في عدد من التراجم ابتداء من الترجمة رقم: ٣٣، والمشار في حاشيتها إلى المواضع الأخرى.
وهذا الحمل منه على علماء التوحيد، وولاة أمر المسلمين قد جرّ المؤلّف إلى التجاهل، بإسقاط تراجمهم الحافلة بدءا من الإمامين المحمدين المذكورين، وأقرانهما وتلاميذهما، إلى الآخر، فأمسى تأليفه هذا بفعله: مشوّها، مخدّجا.
وخلاصة تحطّطه: ثورة غضبية، فيها سباب ولجّة، ونبز بالألقاب وخفّة، لم أر فيها للحجة مكانا، وسياقا، ولا للرأى دليلا، وتبيانا، وأنّى له؟
ولهذا قرّر عامة مترجميه أن مسلكه هذا، نفثة مصدور، وصحبة منكود، يجمع ذلك أمران:
الأول: أنه في الطّلب تلقّى عن بعض العلماء في التوحيد، والفقه، على الاتباع والصفاء، ثمّ تلقّى العلم عن من يجمع الطّمّ
المقدمة / 7
والرّم، فأثّرت فيه المشارب الكدرة.
الثاني: كانت له نوع وجاهة في المسجد الحرام بالدخول تحت مظلة المناوئين للدعوة، ولحماتها.
ومعلوم أنّ التخلص من حظوظ النفس يحتاج إلى رسوخ في الاعتقاد، وأعوان أخيار.
وإلا فالمؤلّف كان معظّما لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله تعالى- حفيّا بكتبهما، مولعا بخدمة المذهب، وتراجم علمائه.
وقد مضى لسبيله، نسأل الله العفو والمغفرة للجميع آمين.
وكم حصل لهذه الدعوة المباركة، ولولاة أمرها من خصوم، ذهبت أصواتهم أدراج الرياح العاتية، وقامت الدعوة الإصلاحية على سوقها سالمة من شوائب الشرك والوثنية، ومن البدع والأهواء المضلّة، نافذة إلى أرجاء العالم، تحت راية التوحيد، يذب عنها ولاة الأمر آل سعود، ملوك المملكة العربية السعودية- أجزل الله مثوبتهم وخلّد ملكهم- آمين.
ولجميع ما تقدم من المؤاخذات على الكتاب ومؤلفه، اتخذ علماؤنا هذا الكتاب مهجورا، لا يعوّلون عليه، ولا يرجعون إليه إلا الفرد بعد الفرد، ينقلون منه باعتبار مؤلّفه ناقلا لا باعتباره قائلا، لكن في عام ١٤٠٩ هـ ظهر هذا الكتاب مطبوعا تحت اسم دار نشر، لا نعلم لاسمها وجودا- وقد يكون مسمّاها معلوما باسم آخر- ظهر دون التعليق على مواطن المؤاخذات والأخطاء فيه، مكتفيا
المقدمة / 8
ناشره بكلمات عابرة في المقدمة، والله- سبحانه- محاسب كلّ عبد على عمله وقصده.
وقد رأى سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أن يعاد طبع الكتاب على أصوله الخطية، ويعلّق على مواضع الخطأ فيه بما تقتضيه الأمانة، وتوجبه الديانة، فوصلتني رغبته في ذلك برسالته رقم ٧٩٥ خ بتاريخ ١٩/ ٥/ ١٤١٠ هـ الموجهة إليّ، وإلى فضيلة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الأستاذ بجامعة أم القرى، والمشهور بتحقيقاته الماتعة لعدد من الكتب التّراثية، فوجدت أن هذا من أداء بعض ما يجب.
حينئذ تولّى فضيلة الشيخ عبد الرحمن تحقيق الكتاب وتخريج تراجمه، وتدارك الفوت على مؤلّفه بحواش ممتعة حسان مشبعة بالعلم والتحقيق، جامعة لعزيز الفوائد، والتدقيق في التراجم، ولمّ شتات «البيوتات الحنبلية» بما لا يقوى عليه إلا هو، ولا أقول مثله؛ لأنه في زماننا متفرد بخدمة تراجم علماء المذهب عن تحقيق وتدقيق وبصيرة نافذة في تحرير التعاليق- أجزل الله مثوبته، وجعله في ميزان حسناته-.
وأما تعليقاتي على الكتاب فهي محدودة، وقليلة جدا، في حدود التعليق المختصر على المؤاخذات المذكورة بقسميها، على أن الشيخ عبد الرحمن- أثابه الله- قد كتب تعليقات متعددة على بعض هذه المؤاخذات هي غاية في التحقيق، كافية عن التطويل، وبها يتأدّى المقصود، وقد رغبت منه الاكتفاء بعمله، لكنه أبى إلا المشاركة، فتمّت بالقدر المذكور.
المقدمة / 9
وأدع التبيان عن معارف الكتاب، وتقويمه، لفضيلة محققه الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. إذ صاحب البيت أدرى بما فيه.
والله ولي التوفيق. والحمد لله رب العالمين.
وكتب بكر بن عبد الله أبو زيد في مدينة النبي «ﷺ» ٦/ ٧/ ١٤١٦ هـ
المقدمة / 10
مؤلّف الكتاب
اسمه ونسبه:
هو محمّد بن عبد الله بن عليّ بن عثمان بن عليّ بن حميد بن غانم (^١) من آل أبو (^٢) غنّام الّذين هم من ذريّة مسرور بن زهريّ بن جرّاح الثّوريّ السّبيعيّ، فهو ثوريّ سبيعيّ، ربابيّ ثم عامريّ على من يرى أنّ سبيع من الرّباب، ثم التّميميّ على من يرى أنّ الرّباب من تميم، على حدّ قول الشّاعر (^٣):
يعدّ النّاسبون بني تميم … بيوت العزّ أربعة كبارا
يعدّون الرّباب لها وعمرا … وسعدا ثمّ حنظلة الخيارا
(وآل أبو غنّام) (^٤) الأسرة التي تنتمي إليها أسرة الشّيخ (آل حميد) ينتسب إليها (آل يحيى) أمراء عنيزة لآل الرّشيد، و(آل عبيّد) الذين منهم المؤرّخ الأديب محمّد بن عليّ العبيّد (ت ١٣٨٩ هـ) وقد أدركته- ﵀ في عنيزة وجالسته وأفدت منه، وهو سبط الشّيخ المترجم (ابن حميد) ومنهم: (آل حميدان) في بلدة الهلاليّة من بلدان القصيم (^٥) … وغيرهم.
_________
(^١) علماء نجد: ٨٦٢.
(^٢) تعمدت إبقاءها كما تنطقها العامة، وهي لغة فيها مشهورة.
(^٣) هو ذو الرمة؛ ديوانه: ١٣٧٧، ١٣٧٨.
(^٤) علماء نجد: ٨٦٢.
(^٥) المصدر نفسه.
المقدمة / 11
ومن ذرّيّة زهري بن جرّاح: (آل السّليم) - بضمّ السّين أمراء عنيزة، ومنهم: (آل زامل) وهم من (آل سليم) فهم أسرة واحدة، ويرجعون هم وآل السّليم إلى جدّ أعلى اسمه زامل أيضا.
وينتسب إلى زهري بن جرّاح كثير من الأسر في عنيزة وغيرها من البلاد النّجديّة، ومن كان منها خارج عنيزة فأصله منها، كآل نصر الله في روضة سدير و(آل إسماعيل) و(آل سحيم) في أشيقر … وغيرهم.
والمؤلّف (ابن حميد) ينسب (العنيزيّ) نسبة إلى بلده، وذريّة زهريّ بن جرّاح هم الّذين عمروا مدينة عنيزة فهو ذو أصل عريق فيها، فهي بلد آبائه وأجداده. و(عنيزة) اسم قديم جاهليّ يطلق على هذه البقعة قبل عمارتها واستنباط مياهها وسكناها، ورد ذكرها في كثير من أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، إلّا أنّها لم تعرف على أنّها بلدة ذات عمران ومحالّ وأسواق وزرع ونخل إلّا قبيل القرن السّابع الهجريّ، قال الشّيخ محمّد بن عبد العزيز بن مانع (^١): «لقد أنشئت عنيزة سنة. ٦٣ هـ تقريبا؛ لأنّه معلوم بما استفاض عند أهل القصيم بأنّ أول من سكن عنيزة هو زهريّ بن جرّاح الثّوريّ، وتحقّقنا بأنّ الموجودين الآن هم ذرّيّته؛ إذ أغلبهم بينهم وبينه ثلاث وعشرون أبا، وباعتبار علماء النّسب يجعلون لكلّ أب ثلاثين سنة في الغالب».
أقول: عنيزة تضمّ أحياء متعدّدة ويطلق عليها مجتمعة عنيزة
_________
(^١) يراجع المحلق بتاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: ٢٣٢ فما بعدها.
المقدمة / 12
وهي: (الجناح) و(المليحة) و(والجادّة) و(العقيليّة) و(الخريزة) و(الضّبط) وكلّ حيّ من هذه الأحياء تسكنه- في الغالب- أسرة ذات شوكة من آل زهريّ بن جرّاح ما عدا (الجناح) فإنّه قرية شبه مستقلّة يسكنه آل جناح وسمّي الحيّ باسمهم، وهم من آل جبور من بني خالد، وهو أقدم عمارة منالأحياء الأخرى، وتمّت عمارته قبل التّأريخ المذكور عن الشّيخ ابن مانع- ﵀، فآل جناح في عنيزة قبل آل زهريّ بن جرّاح. وبنو خالد قبيلة عامريّة أيضا.
و(العقيليّة) منسوبة إلى عقيل بن إبراهيم بن موسى بن محمّد ابن بكر بن عتيق بن جبر بن نبهان بن مسرور بن زهري بن جرّاح.
ذكر الشّيخ مقبل الذّكير في تاريخه في حوادث سنة ١٠٩٧ هـ العقيليّة وأنّ أهلها آل أبو غنّام. أقول: هم أسرة الشّيخ ابن حميد، وكانت لهم صولة فقد ذكر المؤرّخون في حوادث سنة ١١١٠ هـ أنّ آل أبو غنّام هؤلاء سطوا على أهل الخريزة وآل بكر بالمليحة وأخرجوهم من بلدة عنيزة.
وفي سنة ١١٩٥ هـ سطا آل أبو غنّام وآل جناح في العقيليّة واستولوا عليها، إلى غير ذلك.
وعنيزة لها تأريخ حافل فقدت أغلب أخباره، وانطمست أكثر معالمه وآثاره، فلم يبق إلّا نتف هنا وهناك ممّا احتفظت به ذاكرة المؤرّخين وأوردوه في مجاميعهم، وذلك شأن كثير من مثيلاتها من المدن النّجديّة، وخاصّة المراكز العلميّة التي كانت تحفل بالعلماء
المقدمة / 13
والأدباء والقادة والأجواد، ولكنّ عنيزة أسعد حظّا من مثيلاتها فقد برز من أهلها والوافدين عليها عدد من المؤرّخين أبرزوا هذه المعالم، وفتّشوا عن هذه الآثار، وقيّدوا في تواريخهم نبذا تصلح أن تكون نواة لتأريخ جيّد للمدينة، لا يقلّ شأنا عن تواريخ المدن الحافلة، وكلّ بحسبه وأهمّيّته، فقد نجب فيها، وأقام بها، ودخلها على مرّ العصور كثير من العلماء، والأدباء، والمؤرّخين، والحكّام، والأمراء والتّجّار، والقادة، والأجواد، والزّهّاد، لو جمعت أخبارهم وهذّبت تراجمهم لجاءت في مجلّد حافل، ولاجتمع فيه من الأخبار والطّرائف ما قد لا يجتمع في غيره؛ إذا اتّبع جامعها منهجا علميّا يقوم على الجمع والاستقراء، والتّتبّع، والنّقد، والتّحليل، والتّعليق، بعيدا عن الهوى والعصبيّة.
وممّن ألّف من أهلها والوافدين عليها في التّاريخ والأخبار والتّراجم الشّيخ عبد الوهّاب بن محمّد بن حميدان بن تركي (ت ١٢٣٦ هـ)، والمؤلّف ابن حميد هذا، ومؤلّفات متعدّدة الأغراض كتبها العلّامة إبراهيم بن صالح بن عيسى- ﵀ في الأنساب والتّأريخ والتّراجم أشهرها «عقد الدّرر» و«تاريخ بعض الحوادث» .. وغيرهما. والشّيخ عبد الله بن محمّد البسّام (ت ١٣٤٨ هـ) واسم كتابه «تحفة المشتاق» (^١). والشّيخ مقبل بن عبد العزيز الذّكير (ت ١٣٦٠ هـ) (^٢) وكتابه «مطالع السعود ..»
_________
(^١) الأعلام للزّركليّ: ٤/ ١٣٣، وأشار إليه بعلامة (ط) على أنه طبع والصحيح أنه لم يطبع بعد.
(^٢) المصدر نفسه: ٧/ ٢٨١، واسمه هناك: «العقود الدّريّة في تاريخ البلاد النّجديّة.
المقدمة / 14
وشيخنا عبد الله البسّام وكتابه «علماء نجد ..» وما كتبه الدّكتور محمّد بن عبد الله السّلمان .. وغيرهم، ويوجد لكثير من أهلها اهتمام ظاهر بالتّواريخ والآداب والأنساب ومن أشهر من عرفته منهم إبراهيم بن محمّد القاضي، ومحمّد بن عليّ العبيّد (ت ١٣٨٩ هـ) وعبد الله بن عبد الرّحمن البسّام (ت ١٣٠٨ هـ) وغيرهم، وهؤلاء كتاباتهم تقييدات مفيدة لما عاصروه من أحداث، وربّما أوردوا أحداثا من غير عصرهم ممّن تقدّمهم، وبعض هذه التّقييدات بلغة عاميّة مفيدة؛ إذ انفردت بأخبار لم نسمعها، وبأشعار وأنساب لم تدر بخلد، ﵏.
وقد نظم تأريخ هذه المدينة مؤرّخها الأستاذ عبد العزيز بن محمّد القاضي- ما زال على قيد الحياة متّعه الله بالصّحة والعافية- بمنظومة حافلة على حرف الهمزة أوّلها (^١):
سلوا عن بلادي رائد الشّعراء … وقسّ إياد سيّد الخطباء
سلوا امرأ القيس بن حجر وطرفة … وعنترة أربى على البلغاء
زهيرا وعمرا أو لبيدا وحارثا … وحاتم من عفّى على الكرماء
_________
(^١) عرفت هذه المنظومة ب «العنيزية» طبعت في بغداد مطبعة الصباح سنة ١٣٦٧ هـ- ١٩٤٧ م.
المقدمة / 15
وذا الأصبع المبسوط في النّاس حكمه … له الفضل معروف لدى الحكماء
ويوم خزازى سائلوا فيه رأسه … كليبا وأوفى حقّه المتنائي
وفارس عبس إذ جرى داحس به … وفارس غبراء جرى بمضاء
وفيها:
ولمّا أتى القرن الّذي هو سابع … لهجرة خير الخلق والنّظراء
تأسّس مبناها وكان شمالها … لآل جناح أوّل المترائي
بها نزلوا حتّى أقامت قبيلة … سبيع من الجرّاح ذات دهاء
أقاموا لهم في العاقليّة مرتعا … وهم آل غنّام جروا لداء
وإخوتهم من آل بكر توسّموا … مليحة دارا أيّ دار نجاء
مشاعيب منهم أسّسوا لمقامهم … بجادّة دارا خير ذات بقاء
وممّن له اهتمام بالتّاريخ والأخبار والرّواية من أهلها الشّيخ محمّد بن عبد العزيز المانع (ت ١٣٨٥ هـ) والشّيخ عبد الرّحمن بن عبد العزيز الزّامل السّليم (ت ١٤٠١ هـ) .. وغيرهم.
والملاحظ أنّ أغلب هؤلاء المؤرّخين من أهل القرن الرّابع عشر
المقدمة / 16
أمّا القرون السّابقة عليه فلا أعلم أحدا ألّف فيه إلّا عبد الوهاب بن محمّد بن حميدان بن تركي (ت ١٢٣٧ هـ) وما يؤثر عن الشّيخ عبد الله بن أحمد بن عضيب (ت ١١٦١ هـ) - إن صح- وأغلب أحداث هذه التّواريخ لوقائع شهدوها بأنفسهم، وما سواها نتف مكرورة في أغلب التّواريخ، كما نجده في سوابق ابن بشر- ﵀ وغيره.
وإنّما ذكرت هذه اللّمحة ليعلم القارئ الكريم أنّ جهود ابن حميد التّأريخيّة واهتمامه بالرّجال والتّراجم لم تكن بدعا، وإنّما عاش في بيئة علميّة تظهر الاهتمام بهذا اللّون من فنون العلم.
وكما ينسب العنيزيّ ينسب أيضا (النّجديّ)، وينسب (الشّرقيّ) وهكذا نسبه أكثر من واحد منهم الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»، والشّيخ عبد الله مرداد في «نشر النّور والزّهر»، والشّيخ عبد الستّار الدّهلوي، والأستاذ عمر عبد الجبّار ..
وغيرهم.
ورسمت بالكاف بدل القاف في بعض المواضع في «فهرس الفهارس» للكتّاني كما ينطقها المغاربة هكذا: (الشّركي).
وهي نسبة إلى الشّرق من مكّة المشرفة، ولا يزال أهل مكّة ينسبون كلّ نجديّ كذلك.
ولقّبه الكتّانيّ ب «شمس الدّين» وهذا لقب يغلب على كلّ من يسمّى محمّدا.
المقدمة / 17
مولده:
ذكر شيخنا عبد الله بن عبد الرّحمن البسّام في علماء نجد (^١) أنّه ولد سنة ١٢٣٢ هـ. وذكر الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام- وهو تلميذ ابن حميد- في ترجمته له في آخر كتاب «السّحب الوابلة» أنّ مولده سنة ١٢٣٦ هـ قال: «كما يؤخذ من ترجمته لشيخه الشّيخ عبد الله أبابطين المذكور في حرف العين» (^٢) أقول:
جاء في ترجمة شيخه المذكور (أبابطين) في «السّحب الوابلة» ما يلي: «ثم أرسله أمير نجد [الإمام] تركي [بن عبد الله] بن سعود-[﵀]- في سنة ١٢٤٨ هـ إلى بلدنا عنيزة قاضيا عليها وعلى جميع بلدان القصيم … فلمّا رأوا علمه وعدله وسمته وعبادته أحبّوه وقرأ عليه طلبتهم، وكنت إذ ذاك صغيرا عن القراءة عليه عمري اثنا عشر سنة، فأحضر مع أقاربي للاستماع خلف الحلقة» فبهذا يكون ما ذهب إليه الشّيخ صالح هو الصّحيح إن شاء الله، أمّا ما ذهب إليه شيخنا إمّا أن يكون تحريفا، وإمّا أن يكون من خطأ الطّباعة والله تعالى أعلم. ونقل الشّيخ عبد الله مرداد (ت ١٣٤٣ هـ) (^٣) - وهو من طلبة الشّيخ المترجم أيضا- أنّها سنة ١٢٣٦ هـ، لكنّه نقل عن زميله الشّيخ صالح المذكور، ولا ينبغي أن
_________
(^١) علماء نجد: ٨٦٢.
(^٢) السحب الوابلة: ٦٢٦ رقم الترجمة: (٣٨٦).
(^٣) مختصر نشر النور والزهر: ٤٢٥.
المقدمة / 18
يكون في ذلك خلاف فنصّ المؤلّف واضح في ذلك. وذكر المؤلّف أنّه كان يحضر مجالس الشّيخ عبد الله بن فايز أبا الخيل (ت في حدود سنة ١٢٥٠ هـ) (^١) في تدارس القرآن وبعض كتب التّفسير قال: «وكنت أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيغلبني النّوم فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر».
واتّفقوا على أنّه ولد في عنيزة قال الشّيخ صالح البسّام: «ولد في عنيزة أمّ قرى القصيم» وعنه نقل الشّيخ عبد الله مرداد وغيره.
طلبه للعلم:
نشأ الشّيخ محمّد بن حميد- ﵀ محبّا للعلم، حريصا على حضور حلقات العلماء مبكّرا منذ نعومة أظفاره، يساعده على الطّلب أنّه نشأ في بيئة علمية، أو على أقلّ تقدير في بيئة مثقّفة تثقيفا لا بأس به، مما شجّعه على المضيّ في طلب العلم، مع ما يتمتّع به من ذهن وقّاد، وحضور قلب، وذاكرة جيّدة، وذكاء، وقوة نفس، وتصميم، ونيّة صادقة في طلب العلم، جعله ذلك يتّجه لطلب العلم بكلّيته لا يصرفه عنه صارف؛ لتوافر دواعي طلب العلم وتحصيله، وإمكان الاستمرار فيه. وقد رأيناه يشيد بعمّه عثمان بن علي بن حميد، ويصفه بأنّه كان من طلبة العلم المحصّلين. قال في ترجمة (عبد العزيز بن سليمان) ابن أخي الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب (ت بعد سنة ١٢٦٣ هـ) (^٢)
_________
(^١) السحب الوابلة: ٦٤٤ رقم الترجمة: (٣٩٠).
(^٢) المصدر نفسه: ٦٨٠.
المقدمة / 19
«أخبرني عمّي عثمان وهو من طلبة العلم، وله اعتقاد عظيم في الشّيخ المذكور ..» وفي ترجمة عبد العزيز بن حمد بن مشرّف (ت ١٢٤١ هـ) قال (^١): «وكذلك ذكر لي عمّي عثمان وخالي عبد الله بن تركي، وكانا من طلبة العلم ومجالسيه كثيرا». وهكذا تكرّر ذكر عمّه مرتين، وذكره ثالثة في كتابه أيضا (^٢) ولم يرد لأبيه أيّ إشارة تذكر، فلعلّه مات مبكّرا فلم يدركه، ولم تحصل له مجالسة يفيد منها، هذا على فرض أنّ لأبيه كعمّه تحصيل في العلم، ومن الجائز أن يكون أبوه غير مشتغل بالعلم أصلا، وكم وجدنا من آباء العلماء من لا طلب لهم ولا اشتغال.
وكما أشاد بعمّه أشاد أيضا بخاله عبد العزيز بن عبد الله بن منصور التّركي، وكذا جدّه لأمّه عبد الله بن منصور التّركي. قال عن الأوّل: - عند ذكر عمّه عثمان في النّصّ السّابق: وكانا من طلبة العلم، وقال عن جدّه (^٣): «أخبرني بعض كبار أقاربي الّذين أدركتهم في حال الشّيخوخة- وكان صالحا متعبّدا، له مذاكرة في أطراف العلم- عن جدّي لأمّي الشّيخ عبد الله بن منصور بن تركي كان من أهل العلم أيضا. وهو أخو الشّيخ حميدان بن تركي العالم المشهور المترجم في موضعه من «السّحب الوابلة» قال المؤلّف في ترجمة حميدان المذكور (^٤): «وحصّل كتبا نفيسة أكثرها شراء من
_________
(^١) السحب الوابلة: ٦٩٣.
(^٢) المصدر نفسه: ٦٤٢.
(^٣) المصدر نفسه: ٣٨١.
(^٤) المصدر نفسه: ٣٨٠.
المقدمة / 20
تركة شيخه المذكور [ابن عضيب] ومن تركة أخيه منصور بن تركي».
ومن (آل تركي) الشّيخ حميدان المذكور هذا (^١) وابنه محمّد (^٢) وحفيده عبد الوهاب بن محمّد (^٣) صاحب (التّأريخ) ومنهم ناصر ابن محمّد بن تركي المعروف ب (السّميريّ) كان معاصرا للمؤلّف له ذكر في ترجمة الشّيخ عليّ بن محمّد الرّاشد (^٤).
والدّليل على حرصه المبكّر على حضور مجالس العلم، وأنّه كان يجالس كبار العلماء ما ورد في «السّحب الوابلة» أنّه كان يصحب بعض أقاربه لحضور حلقات التّلاوة والتّفسير في مجلس الشّيخ عبد الله بن فايز أبا الخيل (ت ١٢٥١ هـ) وهو في العاشرة من عمره قال (^٥): «وكنت أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيغلبني النّوم، فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر». وكان حريصا على الأخذ عن الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين (ت ١٢٨٢ هـ) في زمن مبكّر من حياته قال في وصف شيخه المذكور (^٦): «فلمّا رأوا علمه وعدله وسمته وعبادته أحبّوه، وقرأ عليه طلبتهم، وكنت إذ ذاك صغيرا عن القراءة عليه عمري اثنتا
_________
(^١) السحب الوابلة: ٣٨٠.
(^٢) المصدر نفسه: ٣٨٣.
(^٣) المصدر نفسه: ٣٨٣.
(^٤) علماء نجد: ٣٧٠.
(^٥) السحب الوابلة: ٦٤٤.
(^٦) السحب الوابلة: ٦٣٠.
المقدمة / 21
عشرة سنة فأحضر مع بعض أقاربى للاستماع خلف الحلقة، ثمّ إنّه رجع إلى بلده. وذكر أنّ أهل عنيزة رغبوا في المذكور أن يكون لهم قاضيا ومفتيا ومدرّسا وخطيبا وإماما فركب أميرهم وجماعة معه جاءوا به وبعياله، وتبعه كثيرون من أصهاره، فلمّا قدم عنيزة هرع أهلها للسّلام عليه، وأقاموا له الضّيافة نحو شهر، وشرعوا في القراءة عليه فشرعت مع صغارهم في ذلك، إلى أن أنعم الله وتفضّل وقرأت مع كبارهم …».
كان قدوم الشّيخ إلى عنيزة في حدود سنة ١٢٥١ هـ واستمرّ قاضيا نحو عشرين سنة حتّى حصلت الفتنة بين أهل عنيزة والإمام فيصل بن تركي- ﵀ وتوسّط الشّيخ بين الطّرفين فلم ينجح في مساعيه، فارتحل عنهم تاركا القضاء سنة ١٢٧٠ هـ.
ومع حرصه الشّديد على طلب العلم كان يعمل في الزّراعة في بستان لهم غربي عنيزة في حيّهم (الجوز) قال في «السّحب الوابلة» (^١) في ترجمة (عبد الوهاب بن سليمان) والد الإمام المجدّد محمّد بن عبد الوهّاب- ﵀ عند ذكر عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهّاب: أخبرني عمّي عثمان- وهو من طلبة العلم- قال: «رأيت النّبيّ ﷺ في النّوم كأنّه في مسجدنا (مسجد الجوز) غربيّ عنيزة ..».
_________
(^١) السحب الوابلة: ٦٨٠.
المقدمة / 22
وبستانهم هذا مشهور ومعروف إلى اليوم يعرف ب (الأربع) وقد نقل شيخنا ابن بسّام أنّ ابن حميد المؤلّف ألجأته الحاجة إلى بيع كتاب «بدائع الفوائد» للإمام العلّامة ابن القيّم (ت ٧٥١ هـ) ليشتري بثمنه أرشية وسرحا للبستان المذكور، قال شيخنا (^١):
«ولقد رأيت هذه النّسخة من (بدائع الفوائد) التي يشير إليها مخطوطة بخطّ جميل جدّا، ومكتوب عليها بأنّ الذي اشتراها عمّ والدي عبد الله الحمد البسّام، وجعلها وقفا، وجعل النّظر فيها للبائع صاحب التّرجمة (ابن حميد) وفي هذا عزاء له عنها».
رحلاته في طلب العلم:
أجمعت المصادر على أنّ ابن حميد رحل في طلب العلم إلى الشّام والعراق والحجاز ومصر واليمن (^٢). أمّا في بلاد نجد فلا أعلم أنّه غادر بلده عنيزة لا لطلب العلم ولا لغيره، لذا قلّت معرفته بعلماء نجد، وليس هناك أيّ خبر مفصّل عن هذه الرّحلات ما عدا رحلته إلى الشام سنة ١٢٨١ هـ (^٣) والتي زار فيها دمشق ونابلس ..
وغيرهما، واجتمع فيها بأعيان الحنابلة منهم (آل الشطّيّ) في دمشق و(آل الجعفريّ) في نابلس وغيرهما من العلماء، من الحنابلة وغيرهم، وذكر أنّه اطّلع في دمشق على كثير من كتب الحنابلة ومنها
_________
(^١) علماء نجد: ٨٦٣.
(^٢) السّحب الوابلة: ١١٩٢، ومصادر الترجمة.
(^٣) المصدر نفسه: ٧٣٥.
المقدمة / 23