Thawra Thaqafiyya Muqaddima Qasira
الثورة الثقافية الصينية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ولا يزال تبادل الاتهامات الشخصية مستمرا؛ فلا يزال كهول المثقفين يهاجم أحدهم الآخر بسبب الإبلاغ عن أصدقائهم. وبقدر ما تبدو هذه الذكريات والتعريضات محبطة، فإنها تغذي انجذابا عاما نحو نشر فضائح من كانوا يوما رموزا بارزة.
مع توسع الاقتصاد التجاري، يجد الأشخاص الذين يملكون «محتوى» ثقافيا فرصا جديدة، فاندلعت نزاعات بشأن من له الآن حقوق امتلاك الأعمال الفنية للثورة الثقافية، والتي كانت تنتج في الغالب تحت رعاية جماعية. فقد كانت منحوتة «ساحة جمع الإيجارات» - وهي منحوتة تتألف من مائة شكل لإقطاعي بإقليم سيشوان يسيء معاملة فلاحيه - قبلة للسياح خلال الستينيات، وعرض أحد رسومات المفرقعات لساي جوو تشيانج في بينالي فينيسيا عام 2000، وقام نحاتو الستينيات الذين لا يزالون على قيد الحياة بمقاضاة خلفائهم غير الثوريين لرفضهم احترام حقوقهم في أعمالهم. كذلك سعى ورثة الملحن لي جيفو، الذي وضع كلمات ماو في أغنية، للحصول على تعويض حين أعيد استخدام موسيقاه خلال فترة حمى ماو في التسعينيات. واندلعت معركة قضائية طويلة على حقوق اللوحة الزيتية «الزعيم ماو في طريقه إلى أنيوان» لليو تشون هوا (1968). كان ليو قد قام في عام 1995 ببيع اللوحة إلى أحد البنوك، الذي لا يزال يمتلكها على الرغم من تقديم مطالبات باستردادها من قبل المتحف الوطني في بكين واعتراف الدولة به كأثر ثقافي.
ولا يزال لي فينج، الجندي الماوي المثالي، حيا ويحظى بالاحترام في الخيال العام، ولكنه لم يحظ باحترام كالذي حظي به خلال فترة الثورة الثقافية. وكان طرح ماركة الواقيات الذكرية لي فينج سببا في فضح الكثير، ومن ثم منعت من التداول في عام 2007. بعد ذلك بعامين اختار أحد الممثلين تجسيد لي فينج في مسلسل تليفزيوني، واضطر لتفادي الاتهامات بأن أفعاله الطائشة الخاصة قد جردته من أهليته للعب مثل ذلك الدور الجليل.
ضاعفت القيود المفروضة بشكل غريب على قنوات النقاش والحوار من جاذبية استخدام الثورة الثقافية كوسيلة للهجاء والتهكم، وتصف رواية يان ليانك «اخدموا الشعب»، علاقة ملتهبة بين زوجة أحد القادة العسكريين الماويين وخادمه؛ تستبد بهما مشاعرهما بينما يدمران رموزا ثورية، منها كتابات وتماثيل ماو، لتختلط بذلك الخطايا الجنسية بالخطايا السياسية. وقد نشرت الرواية في مجلة أدبية بارزة، على الرغم من أن نسخة الكتاب قد منعت. ويان، الذي كان في الثامنة من عمره عام 1966، هو روائي حاصل على جوائز، ولا يبدو أنه قد عانى في مشواره المهني، ويستمتع بلا شك بالعمولات التي يحصل عليها من مبيعات أعماله بالخارج. (5) مستقبل الثورة الثقافية
لقد أصبحت الثورة الثقافية في عداد الموتى ودفنت، لدرجة أن المحاولات والجهود لاستيعابها إنما تخاطر بأن يساء فهمها إما كتمويه أو فشل في إظهار سخط كاف تجاه الجثة. غير أن الأفكار بشأن الثورة الثقافية سوف تكون جزءا من مشهدنا السياسي والثقافي لفترة قادمة.
لا يظهر الشباب داخل الصين اهتماما كبيرا بالأمر، ولم يعد القادة الحاليون مدفوعين بالعداء الذي يجمع جيل دنج شياو بينج. ومن المحتمل أن تقل قيمة ذكريات الثورة الثقافية بمرور الزمن، ليجعلها تبدو أشبه بانفجار لا نظير له، ويواريها ثرى قرن من التغيير المضطرب العنيف بمزيد من القوة.
وقد ظهرت بعض الإشارات لهذا التحجيم من قدر الثورة الثقافية، إذ إن سرعة التغير الاجتماعي منذ وفاة ماو يسيطر على الوعي الشعبي؛ فالصينيون الذين نضجوا في الحقبة الإصلاحية يمكنهم أن يعرفوا المزيد عن العالم عن نظرائهم في الستينيات، والتعبير عن آراء أوسع، ويعانون بشكل أقل من مزيج من استئساد الحزب والحركة النضالية للغوغاء ممن يعدمون الناس دون محاكمة. ومع خروج الضحايا الفرديين من المشهد، ينحسر الاهتمام بتصحيح أو تخليد قضيتهم. وقد تم التجاوز الآن عن فضائح أخرى، تسببت يوما في إشعال ذعر كبير، مثل التدمير السياسي للثقافة التقليدية، نظرا لظهور دمار آخر مدفوع بالسوق؛ فهناك أحياء كاملة تتمزق بفعل الوسطاء العقاريين. وصار ممارسو الفن القديم الذين لا يزالون على قيد الحياة بلا جماهير تقريبا. بالمثل، بقدر ما كان تدمير البيئة الماوية من خلال الحملات الجماهيرية غير المدروسة صادما، فقد تفوق عليه الانتشار غير المنظم للسيارات الخاصة والصناعات الملوثة للبيئة.
ويظل ميراث الثورة الثقافية من جنون الاضطهاد، والانتهازية، وتدمير القيم، ولكن النقد الأخلاقي لها تقلص بفعل التطورات اللاحقة؛ فقد كان البعض يقول إن ماو كان مسئولا عن ازدياد السلوكيات السيئة، ولكن حقبة ما بعد الثورة الثقافية تكشف الكثير من الشذوذ، والجريمة، والعنف. كذلك أثار الرخاء المتزايد في العقود الثلاثة الماضية مشكلات التفكك الاجتماعي، والكوارث البيئية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والتنمية الاقتصادية غير العادلة، والصراع العرقي، واعتقاد واسع الانتشار بأن النسيج الاجتماعي للصين يتعرض لضغط كبير.
أحيانا ما تثير القسوة الساذجة لحقبة الإصلاح حنينا للماوية يضيف طابعا رومانسيا على الثورة الثقافية، مما يضع الاهتمام الماوي بالصالح العام، والقانون، والنظام في مقارنة مع الطمع والفساد الحاليين. ويتلهف الحزب، الذي يقوده الآن أصناف من السياسيين سبق أن حذر ماو منهم، لإخراج تحليلات ومناهج الثورة الثقافية من نطاق النزاعات العمالية. وقد تم التعامل مع النداءات الماوية للعمال بخشونة وفظاظة في عام 2010 في إقليم هينان، أحد المعاقل التقليدية للفكر اليساري. فذكرى الثورة الثقافية تعمل بمثابة شبح وهمي لتكميم أفواه المحتجين على مجتمع لا يزال يواجه تناقضات حادة. وبهذه الطريقة تساعد الثورة الثقافية مستثمري النخبة على الحفاظ على النظام. وتتصاعد مخاوف الحزب إلى أقصى مدى لها حين يصبح النمو الاقتصادي مهددا، فيما يعد تذكيرا لنا بأن صورة الثورة الثقافية لا تستخدم فقط ضد المشاركة الجماهيرية في الحياة العامة، ولكن أيضا ضد الديمقراطية.
غير أن جيل الثورة الثقافية يقوم حاليا على إدارة الصين، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضا في التجارة، والثقافة، والجيش. وعلى الرغم من تجارب وخيبات أمل هؤلاء القادة التي غالبا ما تتسم بالمرارة، فلا يزال الكثير منهم يتأثرون بالمثالية التي كانت تلهمهم باعتبارهم منتمين للحرس الأحمر. وهذه الرغبة في تحقيق العدالة الاجتماعية، إلى جانب حقائق ووقائع السياسة، تغذي إحباطا مستمرا من كون النمو الحالي قد أغفل الكثير من أهل القرى.
Unknown page