ولما ألح عليها بعينيه أجابت: إنك إذا استعملت الحب يوما كمبتدأ في جملة مفيدة فستنسى حتما الخبر إلى الأبد!
وتذكر كم كان متفوقا في اللغة العربية مثل المدير العام الذي يشهد له بذلك قراره بخصم يومين من مرتبه، لا لشيء إلا لأنه كتب صفحة بيضاء. وكما قالت له ذات يوم: «أنت بلا قلب»؛ فقد ذهب الأصدقاء ولم يبق في العوامة منهم إلا خالد عزوز وليلى زيدان. ودون أي تمهيد قبض على ساعدها وقال: «أنت الليلة لي أنا.» لماذا خالد دائما؟ وخالد نفسه ورثك بعد هجر رجب لك. وإذن فالليلة لي أنا. وارتفع صوته غاضبا مع أذان الفجر. إذن عم عبده في الخارج، وصرخت أنت كالمجنون في الداخل. وبسط خالد راحتيه ضارعا وهو يقول: «فضحتنا.»
وضحكت ليلى أول الأمر، ثم بكت أخيرا، وطرحت مسألة غاية في الفلسفة، فقيل إنها تحب خالد، وإنها لذلك لا يمكن أن تذعن لرغبته هو رغم صداقتهما، وإلا كانت بغيا. وصاح ليلتها أن الأذان أيسر على الفهم من تلك الألغاز.
وقالت ليلى ناشدة تصفية الجو: الصداقة أهم وهي التي لها البقاء. - ولك طول البقاء!
وكرس كرسيا يدخنانه معا في فترة الانتظار، فجذبت نفسا بشراهة، ثم سعلت طويلا. وردد ما يقوله عادة من أن الكرسي الأول هو كرسي السعال، ثم يجيء الفرج بعد ذلك. وقال لنفسه إنه لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون، ولكن العجيب أن فرعون آمن بأنه إله.
واهتزت العوامة بقوة، وترامت أصوات مختلفة من الخارج، فنظر نحو المدخل المحجوب بالبارافان فرأى الأصدقاء يتتابعون في حيوية؛ أحمد نصر، ومصطفى راشد، وعلي السيد، وخالد عزوز. مساء الخير، مساء الجمال. وجلس خالد إلى جانب ليلى، أما علي السيد فقد ارتمى إلى يمين أنيس هاتفا: أدركنا.
فراح أنيس يكرس ويرص، ثم دارت الجوزة. وتساءل مصطفى راشد: هل من أخبار عن رجب؟
فأجاب أنيس وهو يخمن: قال بالتليفون إنه في الاستوديو، وإنه سيحضر فور الانتهاء من العمل.
وتألقت الجمرات في المجمرة بفعل النسائم المتدفقة من الشرفة. وبلغ نشاط أنيس أقصى مداه، واكتسى وجهه الطويل العريض بغبطة مستقرة وقال: إن الذي جعل من تاريخ الإنسانية مقبرة فاخرة تزدان بها أرفف المكتبات لا يضن عليها بلحظات مضمخة بالمسرة.
ونظر خالد عزوز إلى علي السيد متسائلا: هل عند الصحافة من أخبار جديدة؟
Unknown page