وذهب خالد وليلى وعلي وسنية ومصطفى وأحمد. وقال رجب لسمارة: إني آسف على تكدير صفوك ولكن تعالي لأوصلك.
هزت رأسها بتقزز قائلة: ليس في تلك السيارة. - هل تؤمنين بالعفاريت؟ - كلا ولكنها صدمتني أنا. - لا تبالغي في الخيال. - الحق إني محطمة. - على أي حال فلن أتركك، سنسير معا حتى تجدي وسيلة للمواصلات.
ووقف قبالتها ينتظر حتى قامت.
16
وتناهى إليه صوت عم عبده وهو يؤذن، فقال إنني وحيد، وإنه يحسن به أن يدعوا أحدا أو أن ينضم إلى أحد. ولوح بذراعه لليل وقال إن السر قد تبخر من رأسه فهو مفيق. وضحك من غرابة الفكرة، لكنه مفيق، وها هو ليل الفجر بلا صوت يتحدث، وليس للحوت من أثر. أين بقية الغبارة، هل داستها سيارة؟ والحاكم بأمر الله كان يقتل بلا حساب، ولما آمن بأنه إله حرم على الناس الملوخية. لماذا أذعنت للخروج معهم؟ هكذا توجت قاتلا، القتل والسرعة الجنونية والهرب، والمناقشة المدببة، وأخذ الأصوات في ديمقراطية دامية، وبعثت الزوجة والبنت، ثم ماتتا من جديد، ولن ينام الليلة إلا الميتون. والصرخة التي هزئت من كمال الأفلاك. مجهول من مجهول إلى مجهول. متى يرحم العقل نفسه ويستسلم للنوم. وصعد الحاكم بأمر الله إلى قمة الجبل ليمارس أسراره العلوية، ولم يعد، حتى اليوم لم يعد، ولم يعثر له على أثر، وحتى الساعة لم يتوقف البحث عنه؛ لذلك أقول إنه حي، وقد رآه رجل أعمى ولكن لم يصدقه أحد، وغير بعيد أن يتجلى للمساطيل في ليلة القدر. أما الإنسان المجهول فقد قتل كما قتل النوم. وتريث بصره الحائر عند الفريجيدير فوق أعلى بابها، فاكتشف لأول مرة وجه الشبه بين منحنى الباب وجبين علي السيد، وأيضا فهو له عينان تغرورقان في أثر الضحك. وقالوا إن الحاكم بأمر الله قد قتل، كلا فمن كان مثله لا يقتل، ولكنه إن شاء ينتحر، وقد ألقى نظرة من فوق الجبل على القاهرة، ثم أمر الجبل أن يدكها، ولما لم يصدع الجبل بأمره أدرك أن جهاده عبث فانتحر؛ لذلك أقول إنه حي، وغير بعيد أن يتجلى للمساطيل في ليلة القدر.
وترامى إليه من الحديقة صوت عم عبده لدى رجوعه وهو يبسمل، فناداه، فجاء الرجل من توه وهو يقول: لم تنم بعد؟
فسأله بلهفة: هل أخذت بقية الغبارة؟ - كلا. - فتشت عنها في كل مكان ولا أدري أين ذهبت. - لماذا لم تنم؟ - فرغ رأسي في الرحلة المشئومة. - يجب أن تنام فالصباح يقترب.
وعندما تحرك العجوز للذهاب سأله: يا عم عبده ألم تقتل أحدا في حياتك؟ - أووه!
فتأوه قائلا في حنق: اذهب.
ومضى يذهب ويجيء حتى تعب، وانتقل إلى الشرفة فاستلقى فوق شلتة، ولكن حدة اليقظة أيأسته من النوم، وخلو العوامة من الكيف ضاعف من قلقه ووساوسه. وقال إنه يجب أن يتحلى بصبر النجوم. وانطفأت مصابيح الطريق فاستقلت الطبيعة بألوانها. وتسلل ضياء الغسق فصبغ الأفق بلون بنفسجي ضارب للقرنفل، ثم انحسر الغبش عن مولد أشجار الأكاسيا واللبخ. ونهض يائسا ومتحديا. أسلم رأسه للصنوبر طويلا، ثم تناول زجاجة حليب من الفريجيدير فشربها بلا رغبة. وصنع بيديه قهوة فاحتساها. وضاق بالمكان فارتدى بدلته وغادر العوامة مبكرا ليتسكع في الطرقات حتى يأزف موعد الدواوين.
Unknown page