ولكنهم أصروا على اصطحابه، وهل تتم مغامرة كهذه بغير ولي الأمر؟ ورفض أن يتحرك أو أن يغير ملابسه، فأصروا على أخذه ولو بالجلباب. وعند منتصف الليل قاموا للذهاب. وأذعن أنيس لهم على كره . ومضوا نحو السيارة مبكرين عن موعدهم، فوقف عم عبده أمام كوخه كالنخلة وهو يتساءل: هل أنظف المكان؟
فقال أنيس: اترك كل شيء على حاله حتى نرجع.
15
تحركت السيارة تحمل في المقعد الأمامي رجب وسمارة وأحمد نصر، على حين تكدس الباقون في المقعد الخلفي كجسد مفلطح ذي خمسة رءوس. اتجهت نحو شارع الهرم في شبه خلاء من المارة والسيارات. واقترح رجب طريق سقارة مجال الرحلة، فلاقى اقتراحه استحسانا ممن عرف الطريق ومن لم يعرفه. أما أنيس فقبع في جلبابه صامتا وقد ضغط في جانب السيارة الأيمن. قطعوا طريق الهرم في دقائق، ثم انعطفوا نحو طريق سقارة، وهناك انسابت السيارة في سرعة غير عادية في طريق مظلم مقفر. ووضحت معالم الطريق بعض الشيء على ضوء السيارة، فإذا به يمتد في الظلام بلا نهاية، محفوفا من الجانبين بأشجار الجازورينا الضخمة تتلاقى أغصانها في الأعالي، ويكتنفه من الناحيتين فضاء ريفي المنظر والنسمة والوحشة، يجلله الصمت، ويشق جناحه الأيسر بطول الطريق ترعة قاتمة الوجه تتضح بعض سطوحها بلون رصاصي غامق، مميز عما حولها تحت ضوء النجوم الخافت. وازدادت السيارة سرعة وتدفق الهواء من النافذة جافا منعشا مشبعا بأخلاط النباتات. وقالت سنية كامل لرجب: هدئ السرعة.
وقال خالد عزوز: لا تجاوز السرعة اللائقة بمساطيل.
وسألته سمارة: أأنت من هواة السرعة؟
فضحك وخفض السرعة شيئا ما، وقال: نحن نزور الآن قرافة فرعونية قديمة، فلنقرأ الفاتحة.
وسرعان ما استردت السيارة سرعتها الأولى، فاقترح خالد أن يتوقفوا قليلا ليتجولوا في الظلام. رحبوا جميعا بالاقتراح، فمضت السيارة تهدئ من سرعتها، ثم مال بها رجب إلى رقعة متربة بين شجرتين ووقف. فتحت أبواب وغادرها أحمد وخالد وسنية وليلى ومصطفى وعلي. تزحزح أنيس عن الباب المغلق وجلس جلسة مريحة لأول مرة وهو ينفض جلبابه ليطلق سراحه، ويفتش بقدمه عن فردة شبشبه التي انسلتت في الزنقة. ولما دعوه إلى اللحاق بهم قال بإيجاز: كلا.
فقبض رجب على يد سمارة التي همت بالخروج وهو يقول: لا يجوز أن نترك ولي الأمر وحده!
ابتعدت القافلة نحو شاطئ الترعة وهم يتكلمون ويضحكون. انقلبوا أشباحا تحت أشعة النجوم. وسرعان ما اختفوا تماما في توغلهم فلم يعد يجيء من ناحيتهم إلا أصوات مجردة. وتساءل أنيس بنبرة خاملة: ما معنى هذه الرحلة؟
Unknown page