ورث عمارة فضمنت له حياة رغيدة رغم عجزه الواضح. وجد مهربه في الجوزة والجنس والفن الهلامي الذي يفضح ما تنطوي عليه جوانحه من انحلال وإباحية. من الصعب الفصل فيما إذا كان فقده للعقيدة - أي عقيدة - هو الذي تأدى به إلى الانحلال، أم إن انحلاله هو الذي ساقه إلى رفض العقائد؛ لذلك لا أستبعد أن يرجع يوما إلى الإيمان التقليدي إذا نضب معينه. وهو دون أصحابه عاطل، يأخذ من المجتمع دون أن يعطيه شيئا، إلا قصصا مثل قصة الزمار الذي انقلب مزماره حية تسعى! ولا أستبعد كذلك أن يطل علينا ذات مساء من شرفة اللامعقول.
رجب القاضي
هو أمل المسرحية. إذا لم يذعن للتطور فقل عليها السلام. أبوه حلاق كما أخبرني علي السيد، وما زال يمارس مهنته في كوم حمادة رغم لمعان ابنه، عن كبرياء من ناحيته أو نذالة من ناحية ابنه. رجب رجل جنس، إله من الآلهة التي تموت في الحلقة السادسة، وكآلهة العشق لا يخلو من قسوة لن يلطفها إلا الحب. وهو كالآخرين بلا عقيدة ولا مبادئ، ولكنه دونهم عصبية وتأزما. جميل جذاب، مشهور بسمرته الغامقة، وسيطرته غير المحدودة، ومهربه الحقيقي في الجنس، أما الجوزة فيبدو أنها لا تؤثر فيه إلا قليلا. وإمكانياته للمسرحية غنية عن التنويه.
أنيس زكي
موظف خائب. زوج سابق. أب سابق. صامت ذاهل ليلا ونهارا. مثقف فيما يقال ولا يملك، ولا يملك من الدنيا إلا مكتبة دسمة، يخيل إلي أحيانا أنه نصف مجنون، أو نصف ميت، نجح في أن ينسى تماما ما يهرب منه؛ نسي نفسه. توحي ضخامة هيكله بقوة كان يمكن أن توجد. يمكن أن تصفه بأي شيء، أو ألا تجد له صفة على الإطلاق. سره في رأسه. يمكن أن تطمئن إليه كما تطمئن إلى مقعد خال. قابل للاستغلال الكوميدي، ولكنه لن يكون له دور إيجابي في المسرحية. •••
يستحسن أن أختزل الشخصيات النسائية إلى اثنتين؛ البطلة لأهمية دورها، وسناء لتشحذ من حدة العاطفة في الدراما، فضلا عن أن شخصية مراهقة عصرية خليقة بأن تضفي على المسرحية روحا جذابا لا يخلو من فائدة دراسية، ثم إن انتصار البطلة عليها في المعركة الغرامية يعد رمزا لانتصار الجدية على العبث في النطاق النسائي؛ إذ لا جدوى من الجدية إذا لم تتغلغل جذورها في المرأة التي هي أم المستقبل.
ولا ضرورة بعد ذلك لسنية كامل التي تمارس تعدد الأزواج على طريقتها الخاصة، ولا إلى المترجمة الشقراء العانس التي تتوهم أنها رائدة شهيدة، على حين أنها رائدة متهافتة مدمنة منحلة. •••
انتهت الكتابة في المذكرة، وثمة عنوان هو «ملاحظات هامة»، ولكنه يقوم وحيدا في وسط السطر، ويليه بياض. وفر الصفحات الباقية حتى الغلاف فلم يعثر على كلمة واحدة. دس المذكرة في جيبه وهو يتمتم: «يا بنت الذين!» واستخرج المذكرة، ثم أعاد قراءة ما كتب عنه، ثم أعادها إلى جيبه، وضحك. ونظر إلى الفنجان الفارغ وهو يقول: «لا فائدة.» سيطول انتظاره، وربما صاحبته الإفاقة حتى ينعقد المجلس. وترامى من المصلى صوت عم عبده وهو يؤذن لصلاة المغرب، فعاد يتمتم: «يا بنت الذين!»
واهتزت العوامة مؤذنة بأقدام آتية، فنظر نحو الباب وهو يتساءل عمن يكون القادم المبكر؟
ومن وراء البارافان ظهرت سمارة بهجت!
Unknown page