يقول صاحب كتاب «الأبجدية: مفتاح تاريخ الإنسان»: «الآرامية فرع كبير يرجع إلى الهجرة السامية الثالثة، ذكرت في مصادر التوراة وفي الكتابة المسمارية، ويطلق اسم آرام الذي ورد في التوراة على سلالة عنصرية كما يطلق على الإقليم الذي تسكنه تلك السلالة، وجاء في أسماء الأمم بسفر التكوين أن آرام جد الآراميين وقيل عنه إنه ابن سام، وجاء في موضوع آخر أنه حفيد ناحور أخي إبراهيم، ويقال عن يعقوب إنه آرامي تائه، وعن أمه وزوجاته إنهن آراميات. وباستثناء لفظة غامضة في الحفائر الأكادية في النصف الثاني من الألف الثالثة قبل الميلاد، تعتبر رسائل تل العمارنة المسمارية في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد أقدم إشارة إليهم باسم أخلام
Akhlami
أو
Akhlamn
أي: الأحلاف الذين يظن أنهم هم أحلاف آرام المذكورين في وثائق القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وهم يسمون في المصادر الآشورية (أروميو) أو (أراميو) وجمعهم آرامي.»
إلى أن يقول: «إن موطن الآراميين الأول غير معروف، وهم يوصفون في ألواح تل العمارنة - التي تقدم ذكرها - بأنهم أفواج مترحلة مغيرة، ويرجح أنهم قدموا من جهة الشرق الشمالي لبلاد العرب إلى بادية الشام من طريق، وقدموا من الطريق الآخر إلى العراق. وعند نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد انتهى سلطان الحيثيين و المتنيين
Mitanni
على تلك الأرض، وظهرت الإمارات الآرامية الصغيرة في الشمال الشرقي والشمال الغربي من وادي النهرين، ثم طرأت على توزيع السكان في سورية الشمالية بعد استقرار الموجة الآرامية بين القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد طوارئ واسعة النطاق ... واغتنمت قبائل الآراميين فرصة هذه الطوارئ؛ فأقامت بقوة السلاح ووفرة العدد سلسلة من الممالك الصغيرة في أخصب المواقع من شمال العراق وجنوبه إلى شرق البادية السورية، وأمكن - بفضل تدجين الجمل العربي حوالي نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد - تيسير طرق القوافل تيسيرا كبيرا؛ فأقيمت في جوانب البلاد مراكز للتجارة الغنية، أشهرها تدمر أو بلد النخيل».
وبعد الإشارة إلى أدوار الضعف التي انتابت الآراميين بعد ذلك، قال:
إن فقدان الحرية السياسية لم يكن معناه نهاية التاريخ الآرامي، بل كان هذا الضعف الذي أصاب الحكومة فاتحة التفوق في الثقافة الآرامية ومسائل الاقتصاد الذي عم آسيا الغربية ... فاصطبغت سورية كلها وجانب كبير من وادي النهرين بالصبغة الآرامية، وأصبحت اللغة الآرامية هي اللغة الدولية في ذلك العهد، وأصبحت على عهد الدولة الآخميدية الفارسية إحدى اللغات الرسمية في الإمبراطورية، ولسانا عاما يتكلم به التجار من مصر إلى آسيا الصغرى إلى الهند. وبلغ من قوة اللغة الحيوية أنها شاعت في الاستعمال بعد ألف سنة من ذهاب الدولة الآرامية، وعاشت اللهجات التي تفرعت عليها قرونا أخرى في بعض القرى النائية.
Unknown page