أو يسأله بيضة فيعطيه عقربا؟
فإذا كنتم وأنتم أشرار تحسنون العطاء للأبناء، فكيف بالأب الذي في السماء؟ •••
فالخواص الشعرية التي امتازت بها لغتنا العربية ليست من خواص اللغات السامية، وليس لها نظير في العبرية ولا في الكلدانية ولا في معظم اللهجات التي تفرعت على أصول الكلام عند الساميين، ولكنها خواص ممتازة تنفرد بها هذه اللغة لأسباب كثيرة لا داعي لإحصائها في هذا المقام، ولا نحب أن نعرض منها للأمور التي يطول فيها الجدل وتضطرب فيها منازع الآراء والأهواء؛ إذ كان امتياز الحروف العربية بالدلالة على الحساسية الموسيقية حقيقة ملموسة لا محل فيها للمحال؛ فالأذن العربية تميز بين الظاء والضاد، وبين الذال والدال، وبين الحاء والخاء والهاء، وبين الصاد والسين والشين، وبين الجيم والغين والعين، وبين القاف والكاف والخاء ، وقلما يميز الناطقون باللغات الأخرى بين هذه الحروف، وإذا وجدت في تلك اللغات حروف لا تنطق بالعربية كالفاء والباء الثقيلتين، فهما في الواقع حرف يصدر من مخرج واحد بين التخفيف والتثقيل، وليست ذات قيمة موسيقية مستقلة كالحروف التي ذكرناها في اللغة العربية.
ومن العلامات الموسيقية المركبة في بنية الكلمة أننا نميز بين الحركة وحرف العلة على خلاف اللغات غير السامية، فعندنا الواو والضمة، وعندنا الياء والكسرة، وعندنا الألف والفتحة، وعندنا السكون وما يشبهه من التنوين ... وأدل من ذلك على الموسيقية الطبيعية بناء المشتقات على الأوزان واختلاف معنى الكلمة باختلاف الصيغة التي تبنى عليها.
ويماثل هذا من الدلائل البدائية التي تحسب من حروف الأبجدية في علم الموسيقى أن الغربيين يسقطون (الكوما) من الأصوات المحسوسة، وأن الموسيقى الشرقية تحسب الصوت الذي يسمع من ربع (الكوما) وهو همزة تأتي من نصف مليمتر في الوتر الذي يبلغ طوله مترا كاملا؛ وتسمى لهذا في اصطلاحهم بالذرة الموسيقية. •••
ونستخلص مما تقدم أن فن الصياغة الشعرية سلك في تطوره ثلاثة مسالك متفاوتة في أمم شرقية وغربية لا تنتمي إلى سلالة واحدة، وبينها من الاختلاف كما بين الصين وأوروبة الحديثة، أو كما بين الشعوب السامية واليونان في العصور الغابرة.
ففي بعض الأمم يتوقف هذا الفن عند السجع الذي يتردد في الفقرات القصيرة كسجع الكهان، فإذا طالت القصيدة روعي فيها تنسيق الأسطر المتوازية يترنم بها الجماعة في أناشيد العبادة أو التمثيل ولا تراعى فيها القافية.
وفي أمم أخرى تراعى القافية ولا يراعى الوزن إلا بالمقدار الذي يسمح بمساوقة الغناء والترتيل، ويلاحظ أن شعوب الصين التي غلب عليها هذا التطور وظهرت القافية في صياغة شعرها قد عرفت الجمل والخيمة، ولا يزال مسكنها المعروف ب «الباجودا» مبنيا على أشكال الخيم البدوية وأوضاعها.
وفي الأمة العربية وحدها تم التطور فانتظم الوزن بتفعيلاته وأسبابه وأوتاده وروعيت فيها القافية، وقامت صياغة الشعر فنا خالصا مستقلا عن الغناء، يعرف بأسماء بحوره وقواعد أوزانه، ولا يلحق بشخص هذا الناظم أو ذاك في تعريف أساليبه وتمييز أقسامه .
ولا يعزى هذا الفارق النادر إلى الحداء وحده أو إلى انفراد الحادي بالغناء، بل يعزى إليهما معا مقترنين بتلك الحساسية السمعية التي تفرق بين مخارج الحروف ودقائق النغم، وهي مشتركة غير مميزة في لغات كثيرة.
Unknown page