اللذان يرجحان أن الكلمة دخلت في اللغة العبرية بعد وفود القوم على فلسطين، إلا أن الأمر غني عن الخبط فيه بالظنون مع المستشرقين، من يفقه منهم اللغة العربية ومن لا يفقه منها غير الأشباح والخيالات، فإن وفرة الكلمات التي لا تلتبس بمعنى النبوة في اللغة العربية كالعرافة والكهانة والعيافة والزجر والرؤية، تغنيها عن اتخاذ كلمة واحدة للرائي والنبي، وتاريخ النبوات العربية التي وردت في التوراة سابق لاتخاذ العبريين كلمة النبي بدلا من كلمة الرائي والناظر، وتلمذة موسى لنبي مدين مذكورة في التوراة قبل سائر النبوات الإسرائيلية، وإن موسى الكليم - ولا ريب - لهو رائد النبوة الكبرى بين بني إسرائيل».
والمطلع على الكتب المأثورة بين بني إسرائيل يتبين منها أنهم آمنوا بهذه النبوات جميعا، وأنهم بعد ارتقائهم إلى الإيمان بالنبوة الإلهية ما زالوا يخلطون بين مطالب السحر والتنجيم ومطالب الهداية، ويجعلون الاطلاع على المغيبات امتحانا لصدق النبي في دعواه أصدق وألزم من كل امتحان، ولم يرتفع كبار أنبيائهم ورسلهم عن مطلب الاتجار بالكشف عن المغيبات والاشتغال بالتنجيم؛ ففي أخبار صموائيل أنهم كانوا يقصدونه ليدلهم على مكان الماشية الضائعة وينقدونه أجرة على ردها ... «خذ معك واحدا من الغلمان وقم اذهب فتش عن الأتن ... فقال شاول للغلام: فماذا نقدم للرجل؟ لأن الخبز قد نفد من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله، ماذا معنا؟ فعاد الغلام يقول: هو ذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة»، ويؤخذ من النبوءات التي نسبوها إلى النبي يعقوب جد بني إسرائيل أنهم كانوا يعولون عليه في صناعة التنجيم؛ فإن النبوءات المقرونة بأسماء أبناء يعقوب تشير إلى أبراج السماء وما ينسب إليها من طوالع ومن أمثلتها عن شمعون ولاوي أنهما أخوان سيوفهما آلات ظلم في مجلسهما لا تدخل نفسي؛ لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا وفي رضائهما عرقبا ثورا ... وهذه إشارة إلى برج التوأمين، وهو برج إله الحرب زجال عند البابليين. ويصورون أحد التوأمين وفي يده خنجر، ويصورون أخاه وفي يده منجل، وتشير عرقبة الثور إلى برج الثور الذي يتعقبه التوأمان، ومن الأمثلة في هذه النبوءات المنسوبة إلى يعقوب مثل يهوذا «جرو أسد جثا وربض كأسد ولبؤة، لا يزول غضب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب»؛ وهذه إشارة إلى برج الأسد، وهو عند البابليين برجان يبدو أمام أحدهما برج يشير إلى علامة الملك الذي تخضع له الملوك إلى آخر ما شرحه الأستاذ أريك بروز
Burrows
في كتابه عن تنجيمات يعقوب
Oracles of Jacob . •••
وقد عبرت هذه الأطوار في فهم النبوة شوطا طويلا في حياة القبائل العبرية، وتتلمذوا في كل مرحلة منها لأستاذ من هداة العرب نساكا ورسلا مبعوثين بالرسالة أو أنبياء غير مبعوثين بها، كما جاء في كتب التوراة وكما جاء في القرآن الكريم مما لم تذكره كتب الإسرائيليين، وكله من شواهد التاريخ المعلوم عن سبق العرب إلى فهم النبوة وارتقائهم في الاستعداد لدرجاتها المنزهة عن شوائب الوثنية، فضلا عما يفوتنا العلم به حتى اليوم من شواهد التاريخ المجهول.
إبراهيم وموسى وداود يتعلمون
نحن نعلم أسماء بعض الأنبياء وأسماء الأمم التي بعثوا فيها، ولكننا لا نعلمهم جميعا ولا تحصيهم لنا كتب الأديان الثلاثة: التوراة والإنجيل والقرآن، وفي ذلك يقول تعالى من سورة المؤمن:
ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ...
ونعلم من سير الأنبياء في التاريخ وفي الكتب الدينية أنهم يتعلمون من عباد الله الصالحين، وفيهم من تنبأ وأرسل ومن لم يكن من الأنبياء أو المرسلين.
Unknown page