تلك ليلة لا تنسى لذاذتها!
خفت العازفون الذين كانوا تحت القباب المعمدة في ساحة المعبد الثانية، يرسلون نغما هادئا، وخمدت تباعا تلك المصابيح التي وضعت لوقت عند أدنى الدعائم الأوزيريسية.
هنالك أحاطت بالقلوب روعة بالغة، وملكتنا عفو السجية سكينة، فلم نكن نستطيع الجهر بالصوت، مخافة أن نعتدي على ما يفيض حولنا من جلال.
كان القمر يتعالى إلى سمت السماء رويدا، فيمحو لمعان الألوف من الأنجم الزهراء، وكان الأفق صافي الإهاب، ساطع الضياء، حتى لكنا نتبين عن بعد ما يحف بنا من النقوش والمخطوطات.
لا شيء يمثل بهجة الليالي القمراء في صعيد مصر أول فصل الصيف.
وقد كانت ليلتنا أجمل ما شهدت من الليالي!
انفردت عن حجاج الهيكل، الذين جاءوا للادكار والعظة عند شعائر الأديان العتيقة، ثم اعتمدت على قاعدة تمثال «آمون»، وجعلت أداول التأمل بين أنجم الأفق والأنجم التي ترصع الدعائم المربعة في معبد السماء، وتغلغل بي الفكر تجاه تلك الكواكب التي كان يهتدي الأقدمون بهديها، وما برحت ذات سلطان علينا أيضا.
ولشد ما يظهر أن كل ما في العالم العلوي ثابت على عهده، لم يتغير منذ العصور النائية عصور الفراعنة. وهذه «الشعرى اليمانية»، التي كانت وهاجة في فم «الكلب الأكبر» أيام كان كهنة المصريين يرقبون ظهورها من أعالي مراصد «منفيس»، لا تزال تبهر أبصارنا شعلتها التي لا تنطفئ.
كم من أجيال خرت للأذقان سجدا في هذا الهيكل، وكم من قلوب واجفة، فزعت إلى الحظيرة المقدسة، وإلى الأعراف في معابد السماء، وكم من كروب جاءت تدعو الآلهة في تفريجها.
وبينا يفتنني سحر الغرفة البيضاء ذات العماد المبتورة، وجدتني أرتل جملا من قنوت كان على القدماء عزيزا:
Unknown page