إنني شدت ما كان انهار بناؤه أطلالا، وأكملت ما أهمل منذ كان الآسيويون في «أواريس » وكانت البربر تعيش معهم في جهالة «آمون-را»؟!
هل يقدر شيء أن يزيل النقوش العجيبة المحفورة فوق هامة مسلتها المنكسة إلى جانب البحيرة المقدسة: «آمون» مستو على عرش ملك العالم، و«هاتاسو» مليكة مصر قادمة عليه، وقد تجلت ذلك اليوم في مظاهر الملوك من الرجال، ووضعت على رأسها بيضة الفراعنة، ثم يلي ذلك مشهد تتويجها. في ذلك اليوم دخلت الملكة إلى المحراب المصنوع من حجر الجرانيت الوردي اللون، ودعت الإله، فجاء «آمون»، وألقى عليها الروح الإلهي. «آمون» باسط يده، وهي جاثية مستديرة، بحيث تمس كاهلها أصابع الإله، هنالك يضع «آمون» يده اليسرى فوق الكاهل - في مركز الحياة - وبهذا الوضع ينفذ السر الروحاني، الذي هو مصدر حياة الآلهة في العنصر الجسمي من «هاتاسو»، ويجعلها كالأرباب؟!
لا على «هاتاسو» بعد هذا أن تمحوها كتب التاريخ من ثبت الملوك، وألا يوجد اسمها في جداول أبيدوس، كأنما سولت الدناءة لرجال دولتها أن يعيبوها بأنها لم تكن إلا امرأة.
أيتها الآلهة! كونوا أنصارنا نكن أنصاركم في العراك المحتدم منذ كان العالم عالما، بكم ننتصر وبنا تنصرون، إنكم نور يحارب ظلاما
قد تتناهى الدول، وتتعاقب المدنيات، وتتبدل الممالك، ولكن لسان الصدق للعظمة والمجد يظل راسخا في مهاب العواصف الإنسانية، من أجل ذلك كانت «هاتاسو» من الخالدين.
هذا بيان للأجيال الآتية، متى نزعت قلوبها لفهم هذا البناء الذي أقمته لأبي، وبيان لمن يريدون العلم، ويبنون معارفهم على الظن المرجم في العصور المقبلة:
كنت جالسة في قصري أفكر في خالقي، فانقدح في نفسي أن أرفع له مسلتين يشق الأفق سنانهما، بين يدي المهيع الشريف الواقع بين حصني «توتمس الأول».
لا تقل: لا أدري من ذا الذي قضى بتصوير هذا الجبل المصوغ كله من ذهب! فإن جلالتي هي التي صنعت المسلتين، من أجل أبي «آمون»؛ ليعيش اسمي في هذا المعبد خالدا.
وبعد عصور وعصور، نزعت أنفسنا إلى البحث، فوجدت ضياء المسلتين يشرق فوق القطرين مرشدا للباحثين، ذلك اللألاء الذي وصل إلينا، سيهدي أيضا كل الأجيال الآتية. •••
وبينما كان الليل قد شمل البسيطة، وكسا «طيبة» كلها بزرقته المهيبة، سنحت لخيالي صورة أخرى، هي صورة ملكة لمصر في عصر آخر، تسمى «شجرة الدر»، ليست أقل في النفس أثرا، ولا أقل طموحا من أختها.
Unknown page