Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
[الأنعام: 59].
قوله تعالى: { أعدت للكفرين } [البقرة: 24]، أي: خلقت وهيأت للكافرين خاصة، ولكن يتطهر المذنبون بها لعبورهم بتبعية الكافرين كما أن الجنة خلقت وعدت للمتقين خاصة ولكن يدخلها المذنبون من أهل الإيمان بعد تطهيرهم بورود النار والعبور عليها بتبعية المتقين، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى:
" خلقت الجنة وخلقت لها أهلها وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلقت النار وخلقت لها أهلها وبعمل أهل النار يعملون "
فلما ذكر الكفار وتخويفهم ذكر المؤمنين وبشرهم بالجنان وقرب الجوار بقوله تعالى: { وبشر الذين آمنوا } [البقرة: 25]، الإشارة في تحقيق الآية إن الله تعالى بشر الذين آمنوا وهم صنفان: خواص وخواص الخواص، فالخواص آمنوا بالنور الغيبي الروحاني المشاهد في غيب الأمور الأخروية.
{ وعملوا الصلحت } [البقرة: 25]، أي: الصالحات التي تنبت بذر الإيمان في القلوب يدل عليه قوله تعالى:
إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
[فاطر: 10]، وهي الطاعة التي ذكرت في الآيات الثلاث من أول السورة وغيرها، { أن لهم جنت تجري من تحتها الأنهر } [البقرة: 25] أي: يحصل لهم من نتائجها هذه الجنات والثمرات.
وخواص الخواص آمنوا بنور الغيب الرباني وشاهدوا ما آمنوا به وعاينوا ما شاهدوا وكوشفوا بحقائقه، فقد حصلت لهم جنات القربة معجلة من بذر الإيمان الحقيقي وأعمالهم الصالحة القلبية والروحية والسرية بالتوحيد والتجريد والتفريد جنات من أشجار التوكل واليقين والزهد والورع والتقوى والصدق والإخلاص، والهدى والقناعة والعفو والمروءة والفتوة والمجاهدات والمكائد والشوق والذوق والرغبة والرهبة، والخوف والخشية والرجاء والصفاء والوفاء والطلب والإرادة والمحبة والحياء والكرم والسخاوة والشجاعة، والعلم والمعرفة والغرس والرفعة والقدرة والحلم والعفو والرحمة والهمة العالية، وغيرها من المقامات والأخلاق تجري من تحتها مياه العناية والتوفيق والرأفة والعطف والفضل.
{ كلما رزقوا منها } [البقرة: 25]، أي: من هذه الأشجار { من ثمرة } [البقرة: 25]، من ثمرات المشاهدات والمكاشفات والمعاينات والموافقات والألطاف والأسرار والإشارات والإلهامات والمكالمات والأنوار والحقائق وغيرها من المواهب والأحوال { رزقا } [البقرة: 25]، أي: عطفا وختما وعطية { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } [البقرة: 25]، وذلك لأن أصحاب المشاهدات شاهدوا أحوالا شتى في صورة واحدة من ثمرات مجاهدتهم فيظن بعضهم من المتوسطين أن هذا المشاهد هو الذي شاهده قبل هذا فتكون الصورة تلك الصورة؛ ولكن المعنى حقيقة أخرى مثاله شاهد السالك نورا في صورة نار كما شاهد موسى عليه السلام نور الهداية في صورة نار كما قال:
إني آنست نارا
Unknown page