Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
وإنما قال بلفظ الاشتراء لأنهم خربوا استعداد قبول الهداية عن قدرتهم وتصرفهم فلا يملكون الرجوع إليه، وتمسكوا بالضلال تمسك الملاك فلا يمكنهم الرجوع إلى الهدى ولا يكون لهم دواء غير الرجوع؛ إذ هم اختاروا الضلالة على الهدى { فما ربحت تجارتهم } [البقرة: 16]، لأن خسران من رضي بالدنيا ظاهر، ومن آثر الدنيا والعقبى على الله المولى فهو أشد خسرانا وأعظم حرمانا، فإذا كان المصاب بفوات النعيم ممتحنا بنار الجحيم والعذاب الأليم فما نملك بالمصاب بفقد المطلوب وبعد المحبوب ضاعت عنه الأوقات وبقي في أسر الشهوات، لا إلى قلبه رسول ولا لروحه وصول لا من الحبيب إليه وقود ولا لسره معه شهود، فهذا هو المصاب الحقيقي إذا فاته مولاه الذي فاته بفواته سواه فإن لكل شيء بدل والله لا بدل له قال بعضهم: كنت السواد لناظري فبكى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر فجزاء اشترائهم الضلالة بالهدى إعواز ربح السعادة والفوز بالنعيم المقيم، وخسران بيع الهدى بوجدان العذاب الأليم؛ بل لفقدان الاهتداء على الصراط المستقيم إلى الله العلي العظيم الكريم الرحيم.
كما قال: { وما كانوا مهتدين } [البقرة: 16]، لإبطالهم حسن استعداد قبول الهداية فالمثل كما قال تعالى: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } [البقرة: 17]، والإشارة في تحقيق الآية أنه مثل المريد الذي له بداية جميلة ليسلك طريق الإرادة مدة وتبعني بمقاساة شدائد الصحبة برهة حتى تنور بنور الهداية فاستوقد نار الطلب، { أضآءت ما حوله } [البقرة: 17]، فرأى أسباب السعادة والشقاوة فتمسك بحبل الصحبة فلازم الخدمة والخلوة، وعزفت نفسه عن الدنيا وأقبل على قمع الهوى، فشرقت له من صفاء القلب شوارق الشوق، وبرقت له من أنوار الروح بوارق الذوق، فأمن مكر الله وانخدع بخداع النفس فطرقته الهواجس وأزعجته الوساوس، ثم رجع القهقرى إلى ما كان من حضيض الدنيا، فغابت شمسه وأظلمت نفسه، وانقطع حبل وصاله قبل وصوله وأخرج من جنة نواله بعد دخوله فبقدمي سأمه وملاله عاد إلى أسوأ حاله.
كما قال تعالى:
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون
[الزمر: 47] وكما قيل:
حين قر الهوى وقلنا سررنا
وحسبنا من الفراق أمنا
بعث البين رسل في خفاء
فأبادوا من شملنا ما جمعنا
[2.18-22]
Unknown page