406

Al-Taʾwīlāt al-Najmiyya fī al-tafsīr al-ishārī al-ṣūfī

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

{ وءاتوا النسآء صدقتهن نحلة فإن طبن } [النساء: 4] تزكية عن الحدة والغضب وسوء الخلق، وتحليته بالوفاق والسخاء والفتوة، وقال تعالى: { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } [النساء: 4] تزكية عن الكبر والأنفة، وتحليته بالتواضع والخشوع، والرحمة والشفقة واللين، في الحقيقة هذه كلها إشارة إلى تربية ينافي القلوب والنفوس بإيتاء حقوق تزكيتهم عن هذه الأوصاف، وتحليتهم بهذه الأخلاق؛ لتحقق الامتثال بأمر تخلقوا بأخلاق الله، والله أعلم.

ثم أخبر عن صيانة هذه الأخلاق من التفريط والإفراط بقوله تعالى: { ولا تؤتوا السفهآء أموالكم التي جعل الله لكم قيما وارزقوهم فيها واكسوهم } [النساء: 5]، إشارة في هذه الآيتين: إن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح دين العباد ودنياهم، فإن العاقل منهم من يجعله قياما لمصالح دينه ولمصالح دنياه بقدر حاجته للضرورة إليه، والسفيه من جعله قياما لمصالح دنياه ما أمكنه فهو المنهي عنه، وإن تؤتوا إليه أموالكم كائنا من كان، وإنما قال: { أموالكم } [النساء: 5]، وما قال أموالهم؛ لأن الخطاب مع العقلاء الصلحاء الأتقياء، وقد أضاف المال إليهم؛ لأنه تعالى خلق الدنيا وما فيها لهم قياما لمصلح دينهم، كما قال تعالى:

خلق لكم ما في الأرض جميعا

[البقرة: 29]، وقال تعالى:

أن الأرض يرثها عبادي الصالحون

[الأنبياء: 105]، وأسفه السفهاء من جعلها في مفاسد دينه ودنياه؛ وهي النفس الأمارة بالسوء، وإنما هي أعدى عدوك؛ لأنها أسفه السفهاء، وكل ما أنفق الرجل نفسه بهواها ففيه مفاسد دينه ودنياه، إلا المستثني منه، كما أشار إليه تعالى بقوله: { ولا تؤتوا } [النساء: 5]، { أموالكم } [النساء: 5]؛ أي: جعل الله لكم قياما { وارزقوهم فيها } [النساء: 5]؛ يعني: ما يسد به جوع النفس، { واكسوهم } [النساء: 5]؛ يعني: ما يستر عورتها، فإن ما زاد على هذا يكون إسرافا في حق النفس، والإسراف منهي عنه، { وقولوا لهم قولا معروفا } [النساء: 5]، قول المعروف مع النفس أن يقول لها: أكلت رزقها ونعمت، فأدى شكر نعمته بامتثال أوامره ونواهيه وأذيبي طعامك بذكر الله، كما قال صلى الله عليه وسلم:

" أذيبوا طعامكم بذكر الله ".

[4.6-9]

والإشارة في قوله تعالى: { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } [النساء: 6]؛ أي: قلوب السائرين إلى الله تعالى، حتى إذا بلغوا مبلغ الرجال الكاملين البالغين، وابتلاهم بأدنى توسع في المعيشة بعد ما كانوا محجوبين عن التصرف مدة مديدة، { فإن آنستم منهم رشدا } [النساء: 6]، بأن استمدوا بذلك على دينهم وزادوا في اجتهادهم وجدهم في الطلب، وكان كما قال الجنيد: أشبع الزنجي وكده، { فادفعوا إليهم أموالهم } [النساء: 6]، وهاهنا أضاف المال إليهم لما بلغوا حد الرجال الذين يكون المال لهم، فلا يكونون في المال كالسفهاء، فالعبد في هذا المقام يكون جائز التصرف في ممالك سيده كالعبد المأذون، وفي قوله تعالى: { ولا تأكلوهآ إسرافا وبدارا } [النساء: 6]، الإشارة في الخطاب إلى تربيتهم من المشايخ فإنهم أولياء أطفال الطريقة وأوصياؤهم؛ يعني: فإن أنستم من المريدين البالغين رشد التصرف في أصحاب الإرادة وأرباب الطلب، فأوقعوا إليهم عنان التصرف بإجازة الشيخوخة ولا تمنعوهم مقام الشيخوخة إسرافا وبدارا، غيرة وغبطة على المريدين، { أن يكبروا } [النساء: 6] بالشيخوخة فتكسد أسواقهم، { ومن كان غنيا } [النساء: 6] بالله من قوة الولاية ستظهر بالعناية { فليستعفف } [النساء: 6] عن أمثال هذه الغيرة والغبطة، { ومن كان فقيرا } [النساء: 6]، يفتقر بولاية المريد والانتفاع به في الصحبة { فليأكل بالمعروف } [النساء: 6]؛ أي: ينتفع به بأن يجيز له بالشيخوخة لا يغار عليه ويمده بالظاهر والباطن، وبإيمانه يتوسل إلى الله تعالى، فإن الله يكون في عون العبد ما دام في عون أخيه، وقال تعالى:

وابتغوا إليه الوسيلة

Unknown page