386

Al-Taʾwīlāt al-Najmiyya fī al-tafsīr al-ishārī al-ṣūfī

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

[البقرة: 255].

[3.156-159]

ثم أخبر عن كفر من فزع الغزاة في الحياة والممات بقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم } [آل عمران: 156] في الطلب والسير إلى الله، { إذا ضربوا في الأرض } [آل عمران: 156]؛ أي: سافروا في البلاد وجحدوا وأنكروا وأرجعوا عن طريق الحق باستهواء الشيطان وغلبة الهوى، وكفروا إشارة في الآيات: { يأيها الذين } [آل عمران: 156]، خطاب { آمنوا } [آل عمران: 156] مع السائرين إلى اللهو لا تكونوا كالذين يستفيدون من المراد وسلكوا في أرض نفوسهم سبيل الرشاد { أو كانوا غزى } [آل عمران: 156]، مجاهدين مع كفاء النفس والهوى والشيطان، { لو كانوا عندنا } [آل عمران: 156]؛ أي: موافقين معنا في الرفق { ما ماتوا } [آل عمران: 156] من مقاساة الشدائد، { وما قتلوا } [آل عمران: 156] رياضة وجهدا، { ليجعل الله ذلك } [آل عمران: 156] القول { حسرة في قلوبهم } [آل عمران : 156]؛ أي: قلوب الصديقين، { والله بما تعملون } [آل عمران: 156]، أيها المنكرون في تغيير الصديقين، وأيها الصديقون في الثبات على قدم الصدق في طلب الحق { بصير } [آل عمران: 156]، فيما يجازي الفريقين على قدر الاستحقاق.

{ ولئن قتلتم في سبيل الله } [آل عمران: 157]، سبيل الرشاد، بسيف الصدق { أو متم } [آل عمران: 157]، عن صفات النفس { لمغفرة من الله ورحمة } يحبكم الله بتا، { خير مما يجمعون } [آل عمران: 157]، أرباب النفوس وأهل الأهواء من أوزان جمع الدنيا والحرص عليها والبخل بها، ومن وبال التنعم والتلذذ بشهواتها، { ولئن متم } [آل عمران: 158] أيها المجاهدون في جهاد النفس، { أو قتلتم } [آل عمران: 158] أيها الصديقون في سبيل الطلب، { لإلى الله تحشرون } [آل عمران: 158]؛ يعني: حشر المقتول بسيف الصدق والذي ماتت نفسه عن صفاتها، يكون إلى الله لا إلى غيره من الجنة والنار، وإن كان عبورها عليها، كقوله تعالى:

إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر

[القمر: 54-55].

ثم أخبر عن لين القلوب أنه برحمته علام الغيوب بقوله تعالى: { فبما رحمة من الله لنت لهم } [آل عمران: 159]، إشارة في الآية: إن كل لين يظهر في قلوب المؤمنين بعضهم على بعض، فهو برحمته الله ونتيجة لطفه مع عباده إلا من خصوصية أنفسهم،

إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي

[يوسف: 53]، وإن كانت نفس الأنبياء - عليهم السلام - حتى قال الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: { فبما رحمة من الله لنت لهم } [آل عمران: 159]؛ يعني: لين قلبك للمؤمنين كان من رحمة الله التي أرسلنا على قلبك إليهم لا من رحمتك، فالله تعالى يمن على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ويقول له: { ولو كنت فظا غليظ القلب } [آل عمران: 159]؛ يعني: ولو كنت باقيا على فظاظة خلقك، وقساوة قلبك قبل أن تشرح صدرك وتغسل قلبك وتنظر إليه بنظر المحبة، ونرسل إليه الرحمة لتلين جمالهم { لانفضوا من حولك } [آل عمران: 159]، وتفرقوا عن صحبتك من خشونة قلبك وغلظة فعلك، وقلة صبرك وتحملك على أذاهم، وكما أنك لنت لهم برحمتنا { فاعف عنهم } [آل عمران: 159] بعفونا، { واستغفر لهم } [آل عمران: 159] بمغفرتنا، { وشاورهم في الأمر } [آل عمران: 159]، فإن القلوب للعفو عنها المغفور منورة بصفات عفونا ومغفرتنا، فهو مؤمنة في الإشارة منها فإنها تنظر بنور ربها، وكل قلب ينظر بنور الحق لا يرى إلا الحق فيكون صادقا فيما يرى، كما قال تعالى:

ما كذب الفؤاد ما رأى

Unknown page