154

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

، ومع هذا من خصوصيته الروحية الملكية { وما يعلمان من أحد حتى يقولا } [البقرة: 102]، من الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية والقوى البشرية التي يلهماها { إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } [البقرة: 102]، مرء القلب وزوج دينه، وفي هذه القصة إشارة أخرى إلى أن من مال في هذا الطريق إلى تمويه وتلبيس وإظهار دعوى تلبيس، فهو يستهزئ بمن اتبعه ويلقيه في جهنم بباطله ويصده بتمويه ظلماته عن طريق رشده، ومن اعتبر عبر بالسلامة فتارة ومن تهتك بالجنوح إلى أباطيله تهتك إشارة ظهر لذوي البصائر أغواره { وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله }؛ لأن الضار هو الله تعالى ولكن الجرم أنهم { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم } [البقرة: 102] أي: باعوا بالحظوظ النفسانية الحقوق الروحانية { لو كانوا يعلمون } [البقرة: 102]، غاية ما خسروا من دولة الإيمان وسعادة العرفان ونهاية ما يصيرون إليه من العقاب والحرمان { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون } [البقرة: 103]، بما أعد الله لخواص عباده مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ما يستمدون به إلى استجلاب الحظوظ وترك الحقوق، وأثروا الإقبال على الله ما شغلهم عن الله لا يثبتوا على ما لهم فيه خير وخير الدارين، ووصلوا إلى غير الكونين ولكنهم كبتهم وصرفهم سطوات القهر فأثبتهم في مواطن العجز.

ثم أخبر عن خيانة عقائد اليهود ومكائدهم بقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم } [البقرة: 104]، الآيتين والإشارة فيهما إلى أن أثر العناية في حق الأولياء يظهر في كل شيء من أخلاق قلوبهم وأوصاف نفوسهم وأعمال أبدانهم وأقوال لسانهم، ففي عهد النبوة وأيام دولة الرسالة كان في قولهم: راعنا للنبي صلى الله عليه وسلم شائبة ترك أدب نهوا عنه وفي قولهم: انظر فارا عن أدب أمروا به، وأما بعد عهد النبوة وانقطاع الوحي فأكرموا بخواطر الزماني وإلهامات الرباني ودلوا بها على الفجور والتقوى بقوله تعالى:

ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها

[الشمس: 7-8]، وعلى الضدين هذا في حق الأعداء ظهور أثر الخذلان عليهم فإن قصورهم في جميع أحوالهم من أعمالهم وأقوالهم قصور خشية وعلى مناهجهم بينوا فيما يأتون ويذرون، ومن نتائج خذلانهم يحسدون أولياء الله على ما آتاهم الله من فضله وما يردون أن ينزل عليهم من خير من ربهم { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته } [البقرة: 105]، بأصناف ألطافه { من يشآء والله ذو الفضل العظيم } [البقرة: 105]، لا ينقص مثقال ذرة من بحر أفضاله بأن يفيض على العالمين سجال نواله.

[2.106-112]

ثم أخبر تعالى عن كمال فضله في حق عباده بقوله: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } [البقرة: 106]، الآيتين والإشارة فيهما أن تبدل أحوال أهل العناية في أثناء السلوك ومقام الوصول لترقيهم من مقام إلى فوقه وتقلبهم من حال إلى حال أعلى منه، فتحن باطنهم أبدا خبره، ويختم وصلهم أبدا ظاهره، فلا ننسخ من آثار عبادتهم شيئا إلا بدلنا منها شيئا من أقمار الربوبية قائدا أسرارهم في الترقي وأقدارهم في الزيادة بحسن القبول، بل ترقيهم عن محل العبودية إلا أقمناهم يشاهدون من شواهد الألوهية، وفيه إشارة إخرى وهي: أن أرباب السلوك عند الترقي من مقام إلى مقام ربما يشاهدون بعض الوقائع الشريفة في صورة لطيفة كستهما للتحلية بحسب صفاء الوقت وعلو المقام، فلما ارتقوا إلى مقام آخر لا يشاهدون تلك المشاهدة فيه فيظن لك العزيز أنه حجب عن ذلك المقام والحال فأشار بقوله: { ما ننسخ من آية } [البقرة: 106] من آيات المقام { أو ننسها } بأن نمحوها من إدراك خيالك إلا { نأت بخير منها } من تلك المشاهدة { أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [البقرة: 106] أي: قادر على أمثال هذا { ألم تعلم أن الله له ملك السموت والأرض } [البقرة: 107]، يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تعلم؛ إذ شاهدت ليلة المعراج بعين اليقين وكوشفت بحق اليقين أنه سبحانه كيف يجذب أوليائه عن شهود ملكه إلى رؤية ملكه، ثم يأخذ من مطالعة ملكه لشهود فيأخذهم من رؤية الآيات إلى كشف الصفات، ومن كشف الصفات إلى عين الذات ثم يمحوهم عن العيان وسيمتهم { وما لكم من دون الله من ولي } [البقرة: 107]، يتوله لكم أمثال هذا { ولا نصير } [البقرة: 107]، ينصركم على هذا.

ثم أخبر عن مكائدة المشركين واليهود وافترائهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل } [البقرة: 108]، والإشارة فيها أن طبيعة الإنسان تنافي اللطف الرباني حتى لو وكل الأولون والآخرون إلى أنفسهم لا يؤمن منهم أحد أبد؛ لأن الإيمان نور

يهدي الله لنوره من يشآء

[النور: 35] وكان قوم موسى عليه السلام في الأولين يؤذون موسى عليه السلام بكثرة السؤال مع ظهور الآيات ورؤية المعجزات، وكان قوم محمد صلى الله عليه وسلم في الآخر يؤذونه مع نزول الآيات الواضحات بسؤالات المجادلات، إلا أن الله تعالى خاطب مستعدي الإيمان في الأزل بخطاب

يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى

Unknown page