Tawil Mushkil Quran

Ibn Qutaybah d. 276 AH
73

Tawil Mushkil Quran

تأويل مشكل القرآن

Investigator

إبراهيم شمس الدين

Publisher

دار الكتب العلمية

Publisher Location

بيروت - لبنان

وأما قوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: ٥١] فالوحي الأول: ما أراه الله تعالى الأنبياء في منامهم. والكلام من وراء الحجاب: تكليمه موسى. والكلام بالرسالة: إرساله الروح الأمين بالرّوح من أمره إلى من يشاء من عباده. ولا يقال لمن ألهمه الله: كلّمه الله، لما أعلمتك من الفرق بين (الكلام) (والقول) . ولا يجوز أن يكون قوله للملائكة وإبليس، وطول مراجعته إياه في السّجود، والخروج من الجنة، والنّظرة إلى يوم البعث- إلهاما. هذا ما لا يعقل. وإن كان ذلك تسخيرا فكيف يسخّر لشيء يمتنع منه؟. وأما تأويلهم في قوله جل وعزّ للسّماء والأرض: ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١]: إنه عبارة عن تكوينه لهما. وقوله لجهنم: هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق: ٣٠] إنه إخبار عن سعتها- فما يحوج إلى التّعسّف والتماس المخارج بالحيل الضعيفة؟ وما ينفع من وجود ذلك في الآية والآيتين والمعنى والمعنيين- وسائر ما جاء في كتاب الله ﷿ من هذا الجنس، وفي حديث رسول الله ﷺ ممتنع عن مثل هذه التأويلات؟. وما في نطق جهنم ونطق السماء والأرض من العجب؟ والله ﵎ ينطق الجلود، والأيدي، والأرجل، ويسخّر الجبال والطير، بالتّسبيح. فقال: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) [ص: ١٩] وقال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ: ١٠] أي سبّحن معه. وقال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء: ٤٤] . وقال في جهنم: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك: ٨] أي تنقطع غيظا عليهم كما تقول: فلان يكاد ينقدّ غيظا عليك، أي ينشق. وقال: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢) [الفرقان: ١٢] . وروي في الحديث أنها تقول: (قط قط) «١» أي حسبي.

(١) لفظ الحديث بتمامه: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فتقول: قط قط، وعزتك وجلالك، ويزوي بعضها إلى بعض» . أخرجه البخاري في الأيمان ٨/ ١٦٨، ومسلم في الجنة حديث ٣٧، ٣٨، والترمذي حديث ٣٢٧٢، وأحمد في المسند ٣/ ١٣٤، ١٤١، ٢٣٠، ٢٣٤، والمتقي الهندي في كنز العمال ١١٧١، ١١٧٣، ٣٩٤٧٩، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٦٩٥، والسيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٧، وابن حجر في فتح الباري ٨/ ٥٩٥، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٥/ ١٢٧.

1 / 75