129

وتأويل هذا الحكم فى الباطن أن يكون المستجيب من أهل دعوة الحق له مفيد من المؤمنين تغلب عليه أهل دعوة باطل أو قوم قد غيروا وبدلوا ما قد دعوا إليه وأخذ عليهم فيه فيطلعونه على ما هم عليه ويفاوضونه فيه ويسمعونه ما انتحلوه وصاروا من الباطل إليه ثم يصير بعد ذلك إلى مفيده فلا بد له من أن يستبرئه لئلا يكون قد علق شيء مما فاوضوه فيه بقلبه أو عمل فى خلده أو مال إليه وهمه أو إلى شيء منه وليس على ذلك للمستجيب حرج فيما كان منهم إليه ولا فى سماعه ما سمعه منهم إذا لم يعتقده ولم يرضه ولم يرده ولا طلبه كما لا يكون على المرأة المستكرهة على نفسها حد إذا زنى بها ولا إثم. فهذا القول هو آخر الطهارة من كتاب الدعائم قد كرر عليكم ما قد سمعتموه من ظاهره وسمعتم حكم كل شيء منه فى الظاهر وما يوافقه ويطابقه من مثله فى أحكام الدين من الباطن. وأنتم تسمعون إن شاء الله كذلك جميع ما تعبدكم الله بإقامته من أمر دينكم ظاهرا وباطنا والباطن هو سر الدين ولبابه وزبدته وعلم ذلك لا يؤخذ إلا من قبل أولياء الله الذين هم استودعهم إياه وجعلهم خزنته، والتأويل له هو البيان الذي أخبر الله عز وجل عنه فى كتابه بقوله:@QUR04 «ثم إن علينا بيانه» وقوله:@QUR08 «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» [1] والظاهر من ذلك أيضا قد تعبد الله العباد بإقامته بما أمر بالفعل به ظاهرا وباطنا كما قد سمعتم من ذلك ما قد سمعتموه، وأنتم تسمعون إن شاء الله تعالى ما يجب لكم سماعه من باقيه وكذلك كل ما أحله فى الظاهر فله حلال قد أحله مثله فى الباطن وما حرمه فى الظاهر فله حرامه قد حرمه مثله فى الباطن، وقد افترقت الأمم فى ذلك ثلاث فرق فرقتان منهم على الضلالة وفرقة على الهدى فأما الفرقتان اللتان هما على الضلالة فإحداهما هم السواد الأعظم والعوام الأكثر وهم على ضربين ضرب غلب عليهم الجهل وأعرضوا عن العلم فهم كما قال تعالى:@QUR05 «كالأنعام بل هم أضل سبيلا» [2] وضرب انتسبوا إلى العلم وتحلوا به وادعوه لأنفسهم وقد سلكوا غير سبيله وعدلوا عن أهله وراموا بلوغه من غيرهم ومن ذات أنفسهم فضلوا وأضلوا كثيرا قال الله تعالى:@QUR04 «وضلوا عن سواء السبيل» وهذان الفريقان يجمعهم الجهل بالباطن واعتقاد دفعه واقتصارهم فى الظاهر على ما حملهم عليه كبراؤهم وساداتهم الذين أضلوهم السبيل، والفرقة الثانية

Page 175