وَالأَبْصَارَ﴾ ١.
إلى قوله: ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ ٢، وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير. وهذا التوحيد قد أقر به مشركو الأمم وأقر به أهل الجاهلية الذين بعث فيهم محمد صلي الله عليه وسلم فلم يدخلهم في الإسلام؛ لأنهم قد جحدوا ما دلت عليه هذه الكلمة من توحيد الإلهية، وهو إخلاص العبادة ونفي الشرك والبراءة منه كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ٣، فهذا التوحيد هو أصل الإسلام، وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ٤، وقال: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ ٥ وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ ٦ وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ٧، وأمثال هذه الآيات في بيان التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب في القرآن كثير. وسنذكر بعض ذلك إن شاء الله تعالى في هذا التعليق.
قوله: "فليكن أول " منصوب على أنه خبر يكن مقدم و"شهادة " اسمها مؤخر ويجوز العكس، وفيه دليل أن توحيد العبادة هو أول واجب؛ لأنه أساس الملة وأصل دين الإسلام. وأما قول المتكلمين ومن تبعهم: إن أول واجب معرفة الله بالنظر والاستدلال فذلك أمر فطري فطر الله عليه عباده. ولهذا كان مفتتح دعوة الرسل أممهم إلى توحيد العبادة ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٨ أي لا تعبدوا إلا الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٩، وقال تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ١٠، قال العماد ابن كثير - رحمه الله تعالى -: هذا يحتمل شيئين: أحدهما: أفي وجوده شك؟ فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة "والمعنى الثاني ": أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك وهو الخالق لجميع الموجودات، فلا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنون أنها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى اهـ.
"قلت ": وهذا الاحتمال الثاني يتضمن الأول، وروى أبو جعفر بن جرير بسنده عن عكرمة ومجاهد وعامر أنهم قالوا: " ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السماوات والأرض فهذا إيمانهم "، وعن عكرمة أيضا تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون الله، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره. وتقدم أن لا إله إلا الله قد قيدت بالكتاب والسنة
_________
١ سورة يونس آية: ٣١.
٢ سورة يونس آية: ٣١.
٣ سورة آل عمران آية: ٦٤.
٤ سورة يوسف آية: ٤٠.
٥ سورة الروم آية: ٤٣.
٦ سورة غافر آية: ١٢.
٧ سورة آية: ٢-٣.
٨ سورة المؤمنون آية: ٣٢.
٩ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
١٠ سورة إبراهيم آية: ١٠.
1 / 37