الْخَارِج من الأَرْض يكون بِأَسْبَاب السَّمَاء وحاجات كل أهل الْبلدَانِ منتشرة فِي جَمِيع الْأَطْرَاف ومعاش الْبشر مجعول فِي أَنْوَاع المكاسب على هَذَا أَمر الْجَمِيع فَلَو كَانَ ذَلِك لعدد لم يحْتَمل أَن ترجع مَنَافِعهَا إِلَى من لَهُ الْعَالم من الْخلق على اخْتِلَاف الْعَالم ثَبت أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد وعَلى مَا ذكرت الْأَوْقَات من اللَّيْل وَالنَّهَار والساعات وَدخُول بعض فِي بعض على قدر الْحَاجَات وَهَذَا وَالله أعلم معنى قَوْله ﴿مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت﴾ فَهَذَا مَعَ مَا جعلت الْأَجْسَام وَهِي الْأَعْيَان على جِهَات سِتّ ثَبت أَن مُدبر كل على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس وَاحِد حَتَّى جمع الْكل تَحت معنى وَاحِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَالثَّالِث أَنه لَا يُوجد جَوْهَر وَاحِد يرجع بجوهره إِلَى معنى وَاحِد من الضَّرَر أَو النَّفْع أَو الْخَبيث أَو الطّيب أَو النِّعْمَة أَو الْبلَاء بل كل شَيْء يُوصف بالخبث فَهُوَ يصير طيبا من وَجه غير من لَهُ خبث وَكَذَلِكَ سَائِر الصِّفَات وعَلى ذَلِك أَحْوَال الْأَشْيَاء إِنَّهَا لَيست على نفع بِكُل حَال أَو ضَرَر بِكُل حَال ثَبت أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد حَتَّى جمع فِي كل وُجُوه المضار وَالْمَنَافِع وَلم يَجْعَل شَيْئا ذَا نوع ليعلم أَنه عَن أصل يرجع إِلَى جوهره أَو عَن تَدْبِير عدد يفعل كل جِهَة فيتناقض بِمَا تفرد كل بالجهة الَّتِي هِيَ مِنْهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأَيْضًا أَن الْأَعْيَان ترَاهَا تَحت حد الْأَجْسَام كلهَا وَهِي مجتمعة على طبائع متضادة حَقّهَا التنافر والتباعد بِمَا بَينهَا من التعادي الَّذِي لَو توهم تَركهَا وطباعها لَكَانَ فِي ذَلِك فَسَاد الْكل فَثَبت أَن مُدبر الْجَمِيع بَينهَا وَاحِد يجمعهُمْ باللطف وَيحبس ضَرَر كل عَن غَيره بالحكمة العجيبة الَّتِي لَا تبلغها الأوهام وَلَو كَانَ لعدد لجرى فِيهَا حق الإختلاف والتضاد على مَا عَلَيْهِ إِرَادَة الفاعلين من السِّرّ بغيرهم وبصنع غَيرهم ليتبين صنعه وَبِاللَّهِ النجَاة
وَأمكن الْجمع بَين الحرفين فِي جَمِيع مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الإعتبار من الْإِشَارَة إِلَى الدّلَالَة إِنَّهَا تخرج على النّظر إِلَى الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال فالأحوال هِيَ أَن يَكُونُوا
1 / 22