غير الفطرة وعاند ما جاءت به الرسل ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، ويسره للعسرى وخذله. (ثم ليعلم) أن إرادته تعالى الخير من عباده، وإرادته الشر لا يستلزم وقوع المراد منهم ضرورة، إنه أراد ذلك فهم مع بقائهم مختارين كما أراد الإيمان منهم فهو أراد وقوع الخير منهم وهم مختارون، فقد يقع ما أراده تعالى منهم وقد يتخلف هذا بخلاف ما يريده تعالى من أفعاله فإنه لا يتخلف عن إرادته وقوع مراده مثل قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} بخلاف الأول ومنه {يريد الله أن يتوب عليكم} فإن المراد يريد منكم أن يتوب عليكم فيتوب عليكم أي يتقبل توبتكم، إلا أن مع إرادته تعالى الخير لعبده يكون أقرب إلى فعل ما أراده منه لأنه من اللطف، وعكسه إرادته بعبده الشر. إذا عرف هذا فليجعل هذا البحث نصب العينين فقد زلت بجهله عوالم وتهاوش حوله طوائف ولم يقع لهم محررا مقررا.
(ومعنى نشهد) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أي أذعن بقلبي واعترف بلساني وأعمل بمقتضى ذلك أن لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ فمن عبد من دونه أو معه فعبادته زور وظلم وبهتان، وأنا برئ من العابد وعبادة المعبود واشتقاق الإله من التوله، ومعناه المألوه وهو الذي تتألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والإجلال والخوف والرجاء والالتجاء والتوكل والإنابة وذبح النسك. قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} فالمحبة التي في الله غير التي كحب الله لأن الأولى محمودة شرعا كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله والثانية تأله: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} وكذلك الخوف {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} والتوكل {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} وقوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فهذا كله يفيد الحصر. ثم استعمل في كل ما يعبد بما تقدم ذكره من دون الله أو معه، فنفى ذلك بلا النافية للجنس وأثبت الألوهية لمستحقها وهو الله بألا المفيدة للحصر.
(وحده) أي حال كونه مفردا بها عما سواه (لا شريك له) حال ثانية مؤكدة للأولى. أي لا شريك له في هذه الألوهية التي نفيت عن غيره واختصت بجلاله وعظمته، فالعبادات بأنواعها له خاصة به ليس لأحد منها شيء البتة، فهذه الكلمة
Page 20