240

Al-tawba waẓīfat al-ʿumr

التوبة وظيفة العمر

Genres

Sufism

والتي كتبها الكاتب الغربي المشهور (ر. ن. س. بودلي) ، والذي أورد مقالته (ديل كارنيجي) في كتابه (دع القلق وابدأ الحياة) ص 291_295، يقول بودلي: =في عام 1918م وليت ظهري العالم الذي عرفته طيلة حياتي، ويممت شطر أفريقيا الشمالية الغربية؛ حيث عشت بين الأعراب في الصحراء، وقضيت هناك سبعة أعوام، أتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم، وآكل من طعامهم، وأتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغناما، وأنام كما ينامون في الخيام، وقد تعمقت في دراسة الإسلام، حتى أنني ألفت كتابا عن محمد"عنوانه (الرسول) وكانت تلك الأعوام السبعة التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سني حياتي، وأحفلها بالسلام، والاطمئنان، والرضا بالحياة.

وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق؛ فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذا سهلا هينا، فهم لا يتعجلون أمرا، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقا على أمر.

إنهم يؤمنون بما قدر يكون، وأن الفرد منهم لن يصيبه إلا ما كتب الله له.

وليس معنى هذا أنهم يتواكلون، أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيدي كلا+ .

ثم أردف قائلا: =ودعني أضرب لك مثلا لما أعنيه: هبت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال الصحراء وعبرت بها البحر الأبيض المتوسط، ورمت بها وادي (الرون) في فرنسا، وكانت العاصفة حارة شديدة الحرارة، حتى أحسست كأن شعر رأسي يتزعزع من منابته؛ لفرط وطأة الحر، وأحسست من فرط القيظ كأنني مدفوع إلى الجنون.

ولكن العرب لم يشكوا إطلاقا، فقد هزوا أكتافهم، وقالوا كلمتهم المأثورة: (قضاء مكتوب) .

لكنهم ما إن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير، فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتها، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء، فعلوا هذا كله في صمت وهدوء، دون أن تبدو من أحدهم شكوى.

قال رئيس القبيلة_الشيخ_: لم نفقد الشيء الكبير؛ فقد كنا خليقين بأن نفقد كل شيء، ولكن حمدا له وشكرا؛ فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ من جديد+ .

ثم قال بودلي: =وثمة حادثة أخرى، فقد كنا نقطع الصحراء بالسيارة يوما، فانفجر أحد الإطارات، وكان السائق قد نسي استحضار إطار احتياطي، وتولاني الغضب، وانتابني القلق والهم، وسألت صحبي من الأعراب: ماذا عسى أن نفعل؟

فذكروني بأن الاندفاع إلى الغضب لن يجدي فتيلا، بل هو خليق أن يدفع الإنسان إلى الطيش والحمق.

Page 240