143

ولرب رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه كابن ستين، وابن ستين يبدو من العفاف كشاب دون الثلاثين(408).

قال ابن المقفع: =اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأقتلها للعقل، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار_الغرام بالنساء.

ومن البلاء على المغرم بهن أنه لا ينفك يأجم(409) ما عنده، وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن.

وإنما النساء أشباه، وما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولات على معروفات_باطل وخدعة، بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن.

وإنما المرتغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس.

بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام، وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضلا وتفاوتا مما في رحالهم من النساء+(410).

وقال: =ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس بلبه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصور لها في قلبه الحسن والجمال حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية، ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أدم الدمامة، فلا يعظه ذلك ، ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفا بما لم يذق حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة لظن أن لها شأنا غير شأن ما ذاق، وهذا هو الحمق، والشقاء، والسفه+(411).

وبالجملة فشرف النفس وزكاؤها يقود إلى التسامي، والعفة؛ ذلك أن المرء بين عاطفة تخدعه، وشهوة تتغلب عليه؛ فمتى لم يجد من عقله سائسا، ومن دينه وازعا يقاومان الضعف، ويصارعان الميول والأهواء_وقع في الخطايا وانغمس في الشرور والرذائل.

Page 143