Tawba
التوبة وظيفة العمر
Genres
ولئن كان الحياء جبليا فإنه يزيد ويتأتى بالأخذ بالأسباب، ومن ذلك مطالعة أخلاق الكمل، واستحضار مراقبة الله؛ فمن ذلك يتولد الحياء؛ إذ كيف يتقلب في نعمه ويستعين بها على معصيته؟ فإذا شعر العاقل بذلك استحيى من الله.
ومن ذلك تذكر الآثار الطيبة للحياء، والآثار القبيحة للقحة والصفاقة.
ومن ذلك مجاهدة النفس، وتدريبها على اكتساب الحياء.
فإذا اتصف المرء بالحياء قرب من الكمال، ونأى بنفسه عن النقائص(400).
20_ شرف النفس، وزكاؤها، وأنفتها وحميتها: فذلك يوجب أن تنأى عن الأسباب التي تحطها، وتضع قدرها، وتحفض منزلتها، وتحقرها، وتسوي بينها وبين السفلة(401).
وإنما تعلو قيمة المرء، وتسمو مكانته بقدر نصيبه من بعد الهمة، وشرف النفس.
وإذا علمت نفس طاب عنصرها، وشرف وجدانها أن مطمح الهمم إنما هي غاية، وحياة وراء حياتها الطبيعية لم تقف بسعيها عند حد غذاء يقوتها، وكساء يسترها، ومسكن تأوي إليه.
بل لا تستفيق جهدها، ولا يطمئن بها قرارها إلا إذا بلغت مجدا يصعد بها إلى أن تختلط بكواكب الجوزاء.
ولا ريب أن أعلى المطالب، وأشرف المكاسب_ما كان لله، وفي سبيل الله.
فأين هذا الذي يطلق العنان لشهواته، ويرسف في أغلال رغائبه ولذاته من الإمام الشافعي إذ يقول: =لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته+(402).
فشريف النفس يأبى أن يملك رقه شيء، خصوصا ما كان في أمر العشق والتعلق؛ فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية؛ فإن ذا الهمة يأنف الذل، وما زال الهوى يذل أهل العز(403).
قال الأعشى:
أرى سفها للمرء تعليق قلبه
بغانية خود متى تدن تبعد(404)
وقال أبو فراس الحمداني مفتخرا بشرف نفسه، وعلو همته، عائبا على من سفلت همته، واسترقه هواه:
لقد ضل من تحوي هواه خريدة
وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم
أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله
Page 141