ينادون بالويل والثبور، ويصرخون بالبكاء والعويل، إذن لذاب قلبك فزعًا من سوء خلقهم، وتضعفت من رائحة نتنهم، ولما بقى روحك في بدنك من شدة وهج أبدانهم وحرارة أنفاسهم.
فكيف بك إن نظرت إلى نفسك فيها وأنت أحدهم، وقد زال من قلبك الأمل والرجاء، ولزمه القنوط والإياس، وعطفت على بدنك فتقحمت النار في الحدقتين، فسمعت تفضيضهما انتقامًا، وبدلًا من نظرك إلى ما لا يحب ولا ويرضى، ودخلت النار في مسامعك فتسمع لها قصيفًا وجلبة، والتحفت عليك فنفضت منك العظام ودوَّبت اللحام، واطَّلعت إلى الجوف فأكلت الكبد والأحشاء، فغلبت على قلبك الحسرة (١) والندامة والتأسف.
فتوهم ذلك بعقل فارغ، رحمة لضعفك، وارجع عما يكره مولاك (٢)، وترضى ربك عسى أن يرضى عنك، وأعذ به بعقلك واستقله يقلك عثراتك، وابك من خشيته عسى أن يرحمك ويقيل عثراتك فإن الخطر عظيم، وإن البدن ضعيف، والموت منك قريب، والله ﷻ مع ذلك مطلع يراك وناظر
_________
(١) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في أصله [الحسرات] .
(٢) قال (أ): في الهامش. وأظنه عنى أنه أثبته من الهامش.
1 / 42