Tatimmat Bayan Fi Tarikh Afghan
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
Genres
وهذه القبيلة على مذهب الشيعة إلا فصيلة «شيخ علي» و«الجمشيدي»، لكنها ليست على شيء من هذا المذهب إلا بغض الخلفاء، ومحبة علي، وإقامة مأتمه في عاشوراء، بضرب السلاسل على الصدور والظهور، ولا يتقي آحاد هذه القبيلة إظهار مذهبهم، مع أن التقية من واجبات مذهب الشيعة، حتى لو سئل أحدهم عن مذهبه لقال بغلو بدون مبالاة: «إني عبد علي.» ولهم زيادة اعتصام بمذهبهم هذا.
ومما يحسن سرده هنا أن سنيا عرض التسنن على جارية منهم كانت عنده فأبت فعزرها وزجرها وألح عليها، فاستشاطت غيظا، وقالت: «أهون علي أن أكون كلبة ولا أكون سنية.» ومن شأنهم أنهم يلقنون أمواتهم إثر دفنهم بكلمات معناها: «إذ جاءك ناكر ومنكر فلا تخف فإن مولاك عليا سيحضر عندك ويطردهما عنك.» ومن عاداتهم أن أهل الميت يشق كل منهم قلنسوته بعد دفنه ويتركها على قبره، وقلما يوجد عند هذه القبيلة نقود، وغالب معاملاتهم بالمقايضة، وتأخذ منهم الحكومة بدل النقود على حسب حال كل شخص عددا مخصوصا من صنف المعز، فإن تأخر أحدهم في أداء الضرائب حتى تراكمت عليه وعجز عن أدائها يقدم بنته بدلا، فيتخذها العامل أو الحاكم كجارية، وأغلبهم يستعمل أطعمتهم بلا ملح؛ لندرة وجوده، ويعظمون الشرفاء «أي أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه» غاية التعظيم، ويتميز الشريف عندهم عن غيره بالأنفة والعظمة وعدم التحية عند قدومه على مجلس من المجالس واستعمال الشتائم في مخاطبته للعامة، ويعللون هذا بأن الشرفاء سلاطين، فلا ينبغي لهم أن يعاملوا الناس إلا بهذه الطريقة.
ومن العادات الغريبة عندهم أنه إذا حصلت منازعة بين امرأتين تقيم كل منهما نائبة عنها من النسوة أمام الأخرى، فتبتدئ إحداهما بالشتم محركة يديها ورجليها، وحاجبيها بحركات مختلفة فتجيبها الأخرى بشتم أفظع على ذلك النحو من الحركات، وهكذا تتناوبان الشتائم حتى تأتي إحداهما بشتم يبلغ الغاية في الفظاعة بحيث لا تقدر الأخرى أن تأتي بمثله فتنفصل الدعوى، وتكون الدائرة على التي صارت نائبتها عاجزة عن المقابلة، فإن انقضى النهار، وما حصلت الغلبة لإحداهما تأتي كل واحدة منهما بقفة تكفؤها قائلة: «الميعاد غدا.» ومن الشعوب قبيلتا أزبك وتركمان، وهما من أصل تتري يتكلمون الآن باللغة التركية، والقبيلة الأولى تسكن في أقطار بلخ، والثانية في الأراضي الواقعة بين مدينتي ميمنة وهرات، وكلهم سنيون على مذهب أبي حنيفة، وإن الأزبكيين «الذين ينسبون إلى أحد حفدة جنكيز خان» يشتغلون غالبا بالحرث، وتربية الكروم والأشجار، واقتناء المواشي، ويعتمون بعمائم صغيرة يسدلون عذبتها على آذانهم، ويلبسون جببا من الحرير وغيره، مبطنة بقماش غليظ، وشيء من القطن، وتحاكي الحفة الصغيرة، وبعضهم يلبس ثلاثا أو أربعا من هذه الجبب بعضها فوق بعض، ولهم حذق في الفروسية والطعن بالرماح، وإذا ذهب أحد منهم لزيارة آخر يرفع يديه إلى السماء، ويقرأ سورة الفاتحة، وبعد ذلك يقدم له المزور قطعة خبز فيأخذها ويقبلها بكل احترام، ويضعها في جيبه، ولهم رغبة تامة في شرب الشاي، ولا يستنكفون من أكل لحم الفرس، ويوجد فيهم بعض من العلماء.
وأما التركمان فيلبسون جببا من البرك، ويضعون على رءوسهم قلنسوة من الفراء تسمى «پاپاق» بالباء الفارسية كما ذكرنا، ولهم اهتمام تام بتربية الخيول، وخيولهم متولدة من الخيول العربية التي جلبها نادر شاه من نجد، وغالب هذه القبيلة المتوحشة المتبربرة يتعيشون من السلب والنهب ويغيرون على بلاد إيران وأطراف هرات، ويأسرون الرجال والنساء، ويبيعونهم باسم العبيد والإماء، مستدلين بأن أسراءهم من الشيعيين يجوز بيعهم لخروجهم عن الديانة الإسلامية، وكثيرا ما يأسرون أشخاصا من السنيين، ويجبرونهم بالضرب والكي على أن يعترفوا أمام الناس بالتشيع؛ كي لا يمتنع أتقياء بخارى عن شرائهم، واتفق أن بعضا منهم أسر عالما من علماء أهل السنة من نواحي هرات، فكبله بالسلاسل؛ خوف الهرب، ومع ذلك كان إذا حضر وقت الصلاة أطلقه ليؤم الجماعة، وكان بعد تمام الصلاة يقيده ثانيا، ولما رأى العالم منه ذلك قال له: «أنت تعلم أني رجل سني، فبأي وجه تجوز أسري وتحلل بيعي؟» فأجابه بقوله: «إنك لست بأشرف من القرآن الكريم، فكما يجوز لي هبة القرآن كذلك يجوز لي أيضا هبتك، وأما البيع فحاشا.» وبالجملة إن هاتين القبيلتين موصوفتان بالظلم والشر، خصوصا الأخيرة، غير أن عددها قليل في البلاد الأفغانية.
ومن الطوائف الموجودة في البلاد الأفغانية طائفة الشرفاء «أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه» ويلقبون في تلك البلاد بالسيد، وبعض من هذه الطائفة يسكن في «بشنك» من نواحي قندهار، وبعض منها يسكن في ولاية «كنر» الواقعة قرب جلال آباد، ولم يخل شرفاء كنر من الكبراء والعظماء من عهد «بابرشاه» إلى يومنا هذا، وللأفغانيين عموما مزيد اعتقاد بهذه الطائفة، وأما عاداتهم وملابسهم فتماثل عادات الأفغانيين وأخلاقهم وملابسهم.
ومن سكان بلاد الأفغان أيضا طائفة «قزل باش» وهو لفظ تركي، ومعناه أحمر الرأس، وقد لقب بهذا اللقب جميع العساكر الصفوية الشيعيين؛ لأنهم كانوا يعتمون - بأمر السلاطين الصفوية - بعمائم حمراء، وجلها يسكن في كابل، والباقي منها يستوطن في قزنة وقندهار، وأصل هذه الطائفة من البلاد الإيرانية وقد أتى بهم نادر شاه إلى هذه البلاد، ولهم حذق في الآداب والصنائع والأعمال الديوانية؛ ومن أجل هذا ترى أن المتوظفين في الإدارة الملكية الأفغانية منهم، وغالب الأمراء يختارونهم؛ لتربية أولادهم، ولتعليمهم الأدب والشعر، ويمتازون بالذكاء والفطنة والنظافة عن بقية سكان البلاد الأفغانية، ويتصفون بالشجاعة والإقدام، وكلهم على مذهب الشيعة، يقيمون مآتم للحسين بن علي بن أبي طالب في الأيام الأول من شهر محرم.
ويوجد في جنوب قندهار قرب «بشنك» بعض من طائفة البلوج، وهذه الطائفة من أصل فارسي، ومن عاداتهم أنهم يرسلون شعورهم ويدهنونها ويحتذون بالنعال، ويضعون نجاد سيوفهم حمائل على عواتقهم، وهم موصوفون بالقوة، ومشهورون بالسرقة والغارة، ومعروفون بالكرم، ولا يعرفون من الإسلام إلا اسم الله تعالى، واسم محمد
صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم يعرفون عليا رضي الله عنه، وإذا قيل لأحد منهم: «يا أيها البلوجي، هل تصوم؟» يجيب قائلا: «إني ما سرقت معز النبي
صلى الله عليه وسلم ، بل إن خالنا «أي أميرنا» قد سرقها فمنعه النبي - عليه الصلاة والسلام - من الأكل ثلاثين يوما؛ زجرا.» وهكذا إذا سئل عن الصلاة يقول: «إن الخان هو الذي يصلي.» وإذا لقي أحد منهم أحدا سواء كان منهم أو أجنبيا عنهم يبتدره بالسؤال عن الخان ثم يحييه بتحيات متتالية تستغرق زمانا، ويختمها بقوله. وبالجملة فهذه الطائفة في غاية الجهل والتوحش والتبرر وغلظة القلب حتى إن فصيلة منها تسمى «مرى» تغير على القوافل، وتأبى إلا قتل رجالها زعما منها أن الأموال لا تحل ما دام أربابها في قيد الحياة.
ويوجد في البلاد الأفغانية كثير من عبدة الأوثان الهنديين، ولهم بها معابد تسمى «درمسال» ولهم خارج مدينة كابل محرقة يحرقون فيها جثث أمواتهم على مقتضى ديانتهم، وغالبا يحفظون رمادها ويرسلونه إلى نهر القنج، وجلهم على مذهب بابانانك الذي أشرنا إليه سابقا، ويشتغلون غالبا بالتجارة والصيرفة، ويجتنبون غاية الاجتناب مس غير المتدين بدينهم، ويتحاشون عن تعاطي طعامه وشرابه.
Unknown page